فصل جديد في مسلسل أزمات حفل الأميركي ترافيس سكوت المزمع إقامته عند سفح الأهرامات المصرية في 28 يوليو (تموز) الجاري. وفي وقت لم يتبق فيه سوى أسبوع واحد فقط على وقوف سكوت على المسرح مؤدياً بشكل مباشر للمرة الأولى أغنيات ألبومه "يوتوبيا" UTOPIA (المدينة الفاضلة) الذي يعود به إلى الساحة بعد أكثر من أربع سنوات، تتضارب التصريحات والأنباء والبيانات المسربة، مع امتناع الجهات المعنية عن الإدلاء بتصريح قاطع يوضح الموقف من الحفل ويقطع الطريق على الإشاعات ويضع حداً للعشوائية التي تدار بها الأزمة، وذلك في ظل دعوات إلى الإلغاء، مقابل تحذيرات من اتخاذ قرار الإلغاء.
وفي ظل استنكار من مشاهير الفن والإعلام للآراء التي تفضل إلغاء الحدث المقرر أن يحضره ستة آلاف شخص من أكثر من 50 جنسية، بخاصة بعد البيان المطول لنقابة المهن الموسيقية الذي تم الإعلان فيه عن النية في إرجاع الرسوم المالية للشركة المنظمة، تراجعت النقابة عن موقفها تدريجاً، ولكن الأمر لم يتوقف هنا، إذ دخلت جهات عدة على الخط، وجرى تداول بيان غامض منسوب لمغني الراب الأميركي يدافع فيه عن نفسه، ويبدي من خلاله قلقه من تأخر وصول المعدات الخاصة بالحدث إلى المكان المقرر في الموعد المناسب، فيما هو على جانب آخر يحتفل بنجاح أولى أغنيات ألبومه والتي تحمل عنوان "كيبوب"، حيث طرحت قبل ساعات عبر منصات الاستماع والفيديو، لكنها أيضاً لم تسلم من الانتقادات والاتهامات.
نقابة الموسيقيين تغير موقفها
ووصف البعض ما يجري بأنه حالة من التخبط غير مفهومة، وذلك بعد أن نفضت وزارة السياحة والآثار يديها من الأمر برمته على رغم وجود شعارها بشكل واضح على الملصق الدعائي للحفل، فيما وصفت بعض المصادر من نقابة المهن الموسيقية قرار رئيسها مصطفى كامل بـ"البطولي"، حيث تم تداول تعليقات تحذر من عدم الامتثال لما خلصت إليه المؤسسة، بل والتلويح باللجوء إلى القوى الأمنية في حال إصرار منظمي الحفل على إقامته على غير إرادة مجلس النقابة، لكن على النقيض تماماً من هذا الموقف ظهر الفنان مصطفى كامل في فيديو حمل رسائل متداخلة، ولكن أبرز ما جاء فيه أن تخوفات النقابة كانت تتلخص في الشق التأميني، وذلك بعد متابعة بعض الفيديوهات المسنوبة لترافيس سكوت، حيث اعترف النقيب أنه لم يكن يعرف عنه شيئاً. وتابع كامل نصاً أنه "سيضرب تعظيم سلام" للجهة المنوطة بحماية الحضور هو وباقي المؤسسات التي تمنح تصريحاتها لمثل تلك الفعاليات وبينها النقابة ووزارة الثقافة والقوى العاملة. إذاً نقابة الموسيقيين بحسب آخر تحديثاتها لا تمانع أبداً إقامة الحفل طالما أن هناك موافقة رسمية من الجهات الأمنية التي ستتولى التأمين والحماية. وجاءت تلك التصريحات بعد لبس شديد سببه البيان الرسمي الذي صدر عن النقابة، وقوبل بترحيب من الناشطين الذين يقودون حملة الإلغاء، وبالاستياء من كثير من المدونين وأهل الفن الذين يرون أن هذا التصرف يمثل رسالة تضر بالشق السياحي في البلاد.
سكوت يبرئ ساحته ببيان غامض
وكانت الشركة المنظمة لحفل "لايف نيشن" قد اكتفت بتغريدة على "تويتر" رداً على كل هذا اللغط أعلنت فيها أن الحدث قائم في موعده، وأن ما يثار حول إلغائه محض أكاذيب، وأنهم ينتظرون بشغف الاحتفال مع سكوت في مصر، لكن على ما يبدو أن هناك بعض التعقيدات والتأخيرات التي جعلت الإعلامية لميس الحديدي تناشد عبر "تويتر" المعنيين بتسهيل مهمة منظمي الحفل، وذلك على خلفية نشرها بياناً قالت إنه وصل إليها من الشركة المنظمة وفيه يبدي سكوت قلقه من عدم وصول المعدات التجهيزية إلى مكان إحياء الحفل في الوقت المناسب، كما أبدى انزعاجه من انتشار ما قال إنه "معلومات كاذبة"، وذلك إثر الحملات التي تتهمه بممارسة طقوس شيطانية وترويجه للماسونية في حفلاته بل وتسببه عمداً في تعريض جمهوره للخطر، بالتالي اعتباره مسؤولاً عن الوفيات التي وقعت بين من حضروا حفله في ولاية تكساس في عام 2021، وذلك على رغم تبرئته قضائياً.
ومما جاء في البيان المطول أيضاً أن هذا الحدث سيكون بمثابة دعاية إيجابية للآثار المصرية، حيث عبر نجم الراب الأميركي الذي بدأ مسيرته منذ 10 سنوات، عن إعجابه بالتاريخ المصري مؤكداً أنه ليس لديه أية طقوس غريبة في حفلاته، مشيراً في الوقت ذاته إلى استغراقه وفريق عمله أشهراً طويلة للتحضير لهذا الحدث حتى يتمكن من إطلاق ألبومه من مصر، حيث اختار الأهرامات لتقديره الشديد للثقافة المصرية. وأكد أن إقامة الحفل في هذه الأجواء تعني له الكثير، وبالطبع تلك التعهدات المنسوبة لسكوت جاءت بعد اتهامه بالترويج لحركة "الأفروسنتريك" المشككة في أصول الحضارة الفرعونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواقف متناقضة
القلق المسيطر على فريق عمل سكوت كان واضحاً أيضاً في تعليق محمد سراج، العضو المنتدب لشركة "تيكيتس مارشيه" TicketsMarche القائمة على تنظيم وبيع تذاكر حفل سكوت، إذ تعجب من عدم تمكنه من دخول الهرم للبدء في الإجراءات التنظيمية للحفل والتحضير له ووضع المعدات اللازمة على رغم الحصول على كافة الموافقات والتصاريح، علاوة على وجود وزارة السياحة المصرية ضمن الرعاة. وقال سراج إن "المشكلة ظهرت حينما ذهبنا إلى مسؤولي تأمين الهرم، وفوجئنا بمنعنا من الدخول على رغم الأموال المدفوعة للشركة نظير تأجير تلك المنطقة في هذه المدة". وأضاف في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن تنظيم الحفل تكلف مبالغ طائلة تتراوح بين 30 مليون جنيه (974.019 دولار) إلى 40 مليون جنيه (1.298.692 دولار) بخلاف أجر الفنان ترافيس سكوت. وقال "لا توجد أي ورقة تؤكد إلغاء الحفل حتى اللحظة الحالية، ولدينا كافة التصاريح الرسمية التي تؤكد أن الحفل سيقام في موعده المقرر، بخلاف وجود وزارة السياحة المصرية ضمن الرعاة، وهي ليست جهة منح تصاريح"، موضحاً أن "الشركة المنفذة حجزت فنادق في منطقة الهرم للضيوف الأجانب المشاركين، إلى جانب الأموال المدفوعة للفريق الأجنبي المسؤول عن تنظيم الحفل".
وأشار سراج إلى أن الحفل سيتم بثه في العالم بكله، وهناك نحو ستة آلاف تذكرة تم بيعها لحضور الحفل بمصر، على رغم أن الحفل الذي أقامه في السعودية في أبريل (نيسان) الماضي بلغ عدد التذاكر المبيعة به 70 ألف تذكرة. وقال "أثق أنه لو كانت الإمكانات متاحة لاستيعاب تذاكر إضافية كنا سنحصل على 100 ألف تذكرة في الأقل"، مشيراً إلى أنهم على استعداد لدفع أية أموال مقابل تأمين الحفل.
مناشدات لإنقاذ الموقف
واعتبر سراج أن "ما يحدث يهز سمعة مصر كلها وكأننا نوجه رسالة إلى مشاهير العالم من الفنانين مفادها: لا تحضروا إلى مصر حيث التصاريح لا تحترم. ونحن الخاسرون من عدم استضافة ذلك الفنان الشهير"، موضحاً أن "الفنان ترافيس سكوت فاض به الأمر ولم يكن مطالباً على الإطلاق بشرح انتماءاته الدينية وتأكيده أنه شخص يؤمن بالأديان السماوية، على رغم كونه أهم مغني راب في العالم ويتابعه الملايين، حيث يتابعه نحو 50 مليون حساب على (إنستغرام) فقط ويخاطب فئة عمرية مهمة من الشباب في مقتبل العشرينيات".
أزمة كورية - يابانية
وتابع العضو المنتدب لشركة "تيكيتس مارشيه" خلال حديثه، أن "كثيرين أبدوا تعجبهم من عدم وجود لائحة تنفيذية لإقامة الحفلات في مصر، علاوة على عدم وجود هيئة متخصصة بإقامة هذا النوع من الأنشطة"، ورداً على الأقاويل التي طاولت الحفل عن حدوث حالات وفاة بحفلات ترافيس سكوت السابقة، قال سراج إن "المحكمة برأته من هذا الأمر، وأتساءل لو مات أحد في حفلة لعمرو دياب هل سيكون ذنب عمرو دياب؟". وأوضح أن "ما يحدث حتى اللحظة مبهم وغامض وغير مفهوم على الإطلاق. لا أعلم السبب وراء القلق من هذا الحفل تحديداً، وفي اعتقادي أن هناك خلايا وكتائب إلكترونية تحارب الحفلة ولا أعرف لمصلحة من".
وختم حديثه بالقول "لو لم ندخل منطقة الهرم، اليوم الجمعة، للبدء في الإجراءات التنظيمية للحفل سنكون أمام مشكلة حقيقية".
اللافت أن البيان الذي أفرجت عنه الإعلامية لميس الحديدي وحمل توقيع ترافيس سكوت المعروف، لم تتبنه الشركة المنظمة رسمياً ولم تنشره على أي من منصاتها، كما لم تتداوله أيضاً أية وسيلة إعلام دولية من تلك المعنية بما يثار حول الحفل. والوضع مماثل بالنسبة لترافيس سكوت نفسه، الذي اكتفى على مدار الساعات الماضية بالترويج بضراوة لـ"KPOP" أولى أغنيات ألبومه المنتظر "يوتوبيا"، وهي الأغنية التي يشارك في أدائها مع الكندي "ذا ويكند" والأميركي من أصول لاتينية "باد باني"، والتي جاء البوستر الترويجي لها ليكون مثار جدل كبير، حيث إنه عبارة عن قطعة حلوة حمراء على شكل دائرة، وقد وصفه الجمهور بأنه نسخة من علم دولة اليابان الذي يأتي تصميمه على شكل دائرة حمراء على خلفية بيضاء والذي يرمز بدوره للشمس المشرقة، لكن الانتقاد الأكبر جاء من قبل جمهور موسيقى البوب الكوري الذين اعتبروا تسمية ترافيس أغنيته باسم هذا اللون الفني "كيبوب" بأنه بمثابة استيلاء ثقافي واضح، فيما صناع العمل لا يزالون يتجاهلون تلك التعليقات ويفضلون الاحتفال بالصدى الذي يحقق، حيث اقتربت مشاهدات الأغنية من مليون مشاهدة خلال ساعات قليلة من طرحها عبر موقع "يوتيوب"، في حين يتصدر الموقع الرسمي للألبوم إعلان الحفل عند سفح الأهرامات وعبارة "يوتوبيا... أينما كنت، أداء حي لترافيس سكوت يأتيكم من مصر... الأهرامات".