حفاظا على أطفال غزة… حظر المنتجات الغذائية المتنافية مع الذوق العام

منذ 1 سنة 118

بعد أن تسمر الطفل هاني أمام حلوى الجيلاتين المصنوعة على شكل عين بشرية يسيل منها الدم، قرر أن يشتريها على رغم ارتفاع ثمنها مقارنة بمصروفه اليومي، فمنظرها وطريقة تغليفها إضافة إلى تكرار رؤيتها في المحال التجارية والمتاجر والدكاكين الشعبية جعلت من اقتنائها أمراً سهلاً.

واشترى هاني من مقصف المدرسة حلوى الجيلاتين التي يطلق عليها سكان غزة اسم "جلو العين" وما إن فتح عبوة التغليف الرقيقة التي تشبه الغلاف المحيط بالعين البشرية، حتى سالت منها مادة تشبه الدم تناولها بشراهة.

فقء عين الدمى

وكان هاني اشترى قطعتين واحدة احتفظ بها حتى عودته للبيت، فأخذ سكيناً إلى غرفة الألعاب وبدأ بفقء عيون الدمى، قبل أن تلاحظ والدته هدى فعلته هذه.

وتقول الأم "فور دخولي إلى غرفة الألعاب وجدت صغيري وقد اقتلع عين إحدى الدمى ويحاول إخراج عيون الدمى الأخرى وإلى جانبه قطعة جلو العين، وعندما رآني تفاجأ وتراجع عن فعلته، حينها صدمت من المشهد ولم أعرف كيف أتصرف معه".
إلا أن الأم التقطت صورة لفعلة صغيرها ونشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة منها لتوعية أرباب الأسر في غزة وتحذيرهم من شراء هذا المنتج لما له من آثار نفسية سيئة على الأطفال ومحاولتهم تقليد ما قد يشاهدونه في أفلام الرعب أو المقاطع التي تحرض على العنف.

اهتمام واسع

ورأت أم الطفل هاني أن "على جهات الاختصاص مراقبة المنتجات لأنها لا تنسجم مع الذوق العام في غزة وتحمل رسائل سيئة يلتقطها الأطفال ويحاولون تطبيقها، ومن الصعب أن تخرج هذه الأفكار من ذاكرة الصغار في فترة قصيرة، بل تحتاج إلى جهد مضاعف من الأهالي لتعديل سلوكهم".
وحظي الموضوع هذا على اهتمام واسع في غزة وعبر الأهالي عن استيائهم من المنتج الذي يأخذ شكل عين بشرية تسيل منها الدماء، وأخذوا يكتبون عن تجارب عايشوها مع أطفالهم نتيجة تأثرهم بمنتجات يسوّق لها من دون رقابة وتحمل رسائل خطرة على الصغار تصل في بعض الأحيان إلى التشجيع على العنف، إضافة إلى أنها تتنافى مع الذوق العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سعر مرتفع وأشكال مرعبة

في الـ20 من أبريل (نيسان) الماضي انتشرت في أسواق غزة للمرة الأولى الجيلاتين على شكل عين بشرية يسيل منها الدم، وهي بضائع موجهة بالدرجة الأولى إلى الأطفال، أغرقت المحال التجارية وحتى الدكاكين الشعبية، فيما عرضت للبيع بحوالى 55 سنتاً (0.55 دولار أميركي)، وتعد أسعارها مرتفعة مقارنة بالبضائع الأخرى المخصصة للأطفال، وكذلك مع مصروف الصغار الذي لا يتجاوز عادة الـ 30 سنتاً.
ولم يكن شكل "جلو العين" وحده الذي انتشر في غزة، بل انتشر أيضاً جيلاتين على شكل رحم به جنين غير مكتمل النضج وفور تناوله يسقط، إضافة إلى سكاكر على شكل مصاصي دماء وأخرى أخذت شكل رجل يرتدي قبعة ويدخن السجائر.

غزة-3.jpg


أثر نفسي

يقول أستاذ علم النفس درداح الشاعر إن الأطعمة دائماً ما تحمل رموزاً تسويقية وعادة الطعام له علاقة بمعتمد الإنسان وقيمه، لهذا يجب أن تلتزم الشركات المنتجة عادات المجتمعات وتقاليدها وألا تحرض المنتجات على سلوك متناف"، ويضيف أن "لهذه المنتجات الغذائية أثر نفسي سلبي على سلوك الطفل، وهي نماذج تؤثر في سلوك الصغار وتدفعهم إلى تقليد غلاف المنتج، بالتالي تتسبب لهم بالأذى أو تدفعهم إلى العنف وتعزز لديهم قيماً خاطئة".

وبحسب علم سلوك الطفل فإن من هم دون خمس سنوات يميلون عادة إلى تقليد ما يشاهدونه من والديهم وعلى التلفاز ولهذا يحظر على الأطفال مشاهدة أفلام الرعب ومناظر العنف القاسية التي يكون فيها أذى.

ويوضح الشاعر أن "تقديم منتجات بين يدي الطفل بشكل عين يسيل منها الدم، فإنه عند ذلك يستقبل رسائل سيئة ويحاول أن يقلد ما يراه، بالتالي يتعزز لديه سلوك غير سوي".
وفي اعتقاد الشاعر فإن "شركات إنتاج سلع الأطفال ومنتجاتهم إضافة إلى البائعين، جميعهم يلعبون دوراً مهماً في إعداد سلوك الطفل وشخصيته ويؤثرون في تربية الصغار، لذلك عليهم مراعاة معايير معتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة ’يونيسف‘ أثناء عملهم".

حظر التداول

وعقب تداول أخطار هذه السلعة على الصحة النفسية للأطفال، اتخذت وزارة الاقتصاد قراراً بحظر استيراد أو إدخال أي منتجات غذائية تتنافى في شكلها مع الذوق العام وتكون غير مرغوبة وغير لائقة أو تحرض على العنف أو سلوك غير سوي. وشرعت طواقم مباحث التموين التابعة للوزارة في حملة مصادرة الجيلاتين والسكاكر من المتاجر والدكاكين الشعبية.
ويقول مدير عام الدراسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد أسامة نوفل إن هذه السلع الغذائية دخلت إلى غزة قبل عيد الفطر بيوم واحد وكانت إجازة رسمية، وعلى رغم ذلك عملت طواقمنا على تحرير البضائع من أجل فحصها قبل عملية التسويق وفقاً للقانون المنظم لعملية التجارة، لكن المستوردين لم ينتظروا النتائج وعملوا على ترويجها في الأسواق"، ويضيف "جلسنا مع كبار التجار المستوردين الذين قالوا إن هذه البضائع كانت ترسل إليهم مجاناً، ثم عقدنا لقاء مع خبراء علم النفس وسلوك الطفل ووجدنا بالإجماع أن للسلعة بعداً نفسياً على المديين الطويل والقصير، وتجعل الأطفال عدائيين ويميلون إلى تقليد برامج تلفزيونية معينة، بالتالي حظرنا تسويق هذه السلعة غير الأساسية".
ويوضح نوفل أن "كل دول العالم تحافظ على عاداتها وتقاليدها في المأكولات والتبادل التجاري، حتى أميركا تعمل على منع إدخال سلع معينة وتشرع قيود شديدة في ذلك الموضوع، لذلك جمعنا من السوق السلع للحفاظ على الذوق العام ومنع التأثير السلبي".