يحمل الإنسان نظرة سلبية عادة إلى الحشرات التي غالباً ما تصنف على أساس أنها مضرة أو خطرة، ويكفي أنها تعتبر مخلوقاً غير مرغوب فيه في محيطنا. وعلى رغم صغر حجم الحشرات إذ تبدو للبعض من دون أهمية، فإن لكل منها فوائد في الطبيعة، وتشكل كلها بوجودها ذاك التوازن في الحياة البرية، كما أنها تبدو رائعة وخلابة من جانب المنظر في كثير من الأحيان، في المنازل وفي الحدائق والأراضي الزراعية، خصوصاً في موسمي الربيع والصيف، قد ينظر الإنسان إلى عديد من الحشرات على أنها كائنات غير مرغوب بها محاولاً التخلص منها لسبب أو لآخر. ويبدو أنه ثمة تكاثر للحشرات من حولنا في هذه الفترة من السنة، بحيث تبرز الحاجة إلى التخلص من عديد منها، خصوصاً عندما يبدو أنها تشكل خطراً على الإنسان أو لأنها مصدر إزعاج بكل بساطة. إن لوجود كل منها أهمية معينة ودوراً محدداً، أما الخطورة فتكمن في وجود بعض منها.
لكل حشرة فائدة
تطور علم الحشرات سريعاً بشكل خاص في خمسينيات القرن الثامن عشر مع عالم النباتات كارولوس لينيوس، وذلك عندما أتى بنظام مفيد لتصنيف النباتات والحيوانات وتسميتها. وبشكل عام، ركز معظم علماء الحشرات على دراسة الآفات التي قد تسببها الحشرات للمحاصيل الزراعية، والنباتات، والمنتجات، والطعام، والإنسان، والحيوان لاعتبار أن ذلك قد يكون الهم الأساسي لوضع ضوابط والحد من هذه الآفات مع الحفاظ على توازن الحياة البرية، بوجود أكثر من مليون ونصف المليون نوع معروف من الحشرات. يوضح المهندس الزراعي مارك بيروتي أنه "في تصنيف الحشرة هي كل ما له ست أقدام. لذلك لا يعتبر العنكبوت والعقرب من الحشرات، كما يعتقد كثيرون". وعند التحدث عن أضرار أو أذى ينتج من الحشرات لا بد من التمييز بين الجهة المعنية بهذا الأذى، فقد يكون الإنسان أو النباتات أو المحاصيل الزراعية، في المقابل قد تكون الحشرة ذاتها التي تسبب ضرراً لجهة ما في غاية الأهمية والفائدة لأخرى. وأضاف بيروتي "بشكل عام للحشرات كلها أهمية كبرى للنظام البيئي وللسلسلة الغذائية. وما من فاكهة في العالم يمكن تناولها لولا عملية التلقيح التي تعتبر عملاً مجانياً تقدمه الحشرات لنا وللنظام البيئي. هذا من دون أن ننسى أن الحشرات تعتبر غذاءً لنصف سكان الكرة الأرضية".
من جهة أخرى، بالاستناد إلى علم الحشرات وعبر التعلم منه كان من الممكن اكتساب كثير من المعرفة وتحقيق تطور في مجالات عدة. فكان من الممكن ابتكار النظارات العاكسة للضوء بمراقبة أحد أنواع الفراشات، كما كان من الممكن التعلم من حشرات تعيش في الصحراء مستعينة بالبخار لتعلم كيفية الاستفادة من هذا النظام، هذا ما يجعل الحشرات مصدر وحي للإنسان ومجالاً واسعاً للمعرفة والتعلم بالاستناد إلى علم الحشرات، بعكس ما يفكر البعض أنها قد تكون مصدراً للأذى أو للإزعاج في محيط الإنسان حيث وجدت من آلاف السنوات. حتى إن الصرصار الذي يعتبر وجوده مصدر إزعاج لكثيرين، خصوصاً في المنازل صيفاً، هو في الواقع من أهم الحشرات في العالم التي تخضع للدراسة، كما يشير بيروتي إلى "حشرة، لولا وجودها لما وجدت زهرة معينة أشبه بالأوركيدي"، لافتاً إلى أن "الحشرات تشكل نسبة 85 في المئة من الحيوانات".
حشرات خطرة في لبنان
في لبنان تحديداً لا توجد حشرات سامة قد تشكل خطراً على الإنسان أو على حياته. قد يقتصر الخطر على ما ينتج من لسعة نحلة أو دبور أو حشرات أخرى، بالنسبة إلى الأشخاص الذي يعانون حساسية ما، حتى الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس وقد يقضي بشكل تام على المحاصيل الزراعية، ويمكن أن يشكل كارثة في حال وجوده بمعدلات كبرى، بحيث يخشاه المزارعون، إذا وجد كحشرة منفردة فليس له أي ضرر.
في المقابل هناك نوع معين من الذباب موجود حالياً ويشكل وجوده كارثة للأشجار المثمرة ويضر بها. وينطبق ذلك على حشرة الصندل التي تشكل خطراً على أشجار الصنوبر ويمكن أن تقضي عليها. هي تعيش على أطراف غابات الصنوبر هرباً من أعشاش العصافير وتجنباً لأخطارها. هي تنتشر بكثرة في محميات الصنوبر والمناطق الجبلية في لبنان، وقد تسبب الأذى للإنسان أيضاً. لذلك ترش الأدوية للتخلص منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد بيروتي أنه "لوجود مثل هذه الحشرات حتى أهمية. أما تسببها بالأضرار فينتج غالباً عن أخطاء معينة وسلوكيات خاطئة يقوم بها الإنسان في الطبيعة، مما يؤدي إلى تغيير في وجود الحشرات وانتشارها. أما الزيادة التي يمكن ملاحظتها في وجود بعض الحشرات من حولنا فليست مستجدة أبداً، وهو أمر طبيعي يرتبط بدورة الحياة لدى الحشرات والحيوانات عامة، فيزيد وجودها من حولنا في مواسم معينة، وإن كانت موجودة طوال أيام السنة".
في المقابل ثمة حشرات قد تضر بالمحاصيل الزراعية، لكن في كل الحالات لا يمكن التخلص منها بطريقة عشوائية، خصوصاً أنه لوجود معظمها أهمية بشكل أو بآخر في النظام البيئي. ويضاف إلى ذلك ما تتميز به من جمال وروعة فتضفي جمالية خاصة إلى الطبيعة.
القتل العشوائي للحشرات
في السياق يؤكد المهندس الزراعي جورج سليمان أن "البعوض المسؤول عن نقل الملاريا وأمراض أخرى غير موجود في لبنان بل في أفريقيا، فيما لا تشكل كل أنواع البعوض الموجودة في البلاد خطراً على الإنسان. وبشكل عام لا توجد في لبنان أنواع من الحشرات قد تشكل خطراً على الإنسان، سواء وجدت في المنازل أو الحدائق أو في أي مكان آخر".
أما بالنسبة إلى المزارعين فيقول سليمان إنه "من المؤسف أنهم يستخدمون الأدوية السامة عشوائياً للتخلص من الحشرات باعتبارها تسبب الأذى. وبذلك قد يقضون أيضاً على النحل الذي له فوائد لا تعد ولا تحصى للنظام البيئي. وإضافة إلى النحل هناك الخنفساء المنقطة والدود وحتى الدبور وحشرات أخرى يمكن التخلص منها بهذا الشكل، ومنها ما له أهمية كبرى في عملية تلقيح النباتات. علماً أنه في دولة الإمارات يشتري الخبراء نوعاً معيناً من النحل ويجمعونه في خيم مبردة لأهميتها في تلقيح النباتات. فمن الضروري الحفاظ على كل الحشرات الموجودة في الطبيعة لأهميتها في النظام البيئي".
أما في حال وجود حشرات مضرة بالنباتات في الحدائق أو بالمحاصيل في الأراضي الزراعية، فيجب التخلص منها في الأوقات المناسبة وبالوسائل الملائمة، خصوصاً أن المواد السامة المستخدمة تقضي على أنواع كثيرة من الحشرات الموجودة التي يعتبر وجودها في غاية الأهمية للمزروعات وللسلسلة الغذائية. حتى إن صيد العصافير العشوائي يعد من السلوكيات الخاطئة التي يمكن أن تقضي على العصافير التي تأكل الدود وغيره من الحشرات، بشكل يمكن أن يسبب أضراراً للنباتات، ويترك أثراً سلبياً على التوازن البيولوجي، بما أن وجود العصافير أساسي هنا. وهذا تحديداً ما أدى إلى تكاثر غير مسبوق لأنواع معينة من الدود في غابات لبنان، وفق ما يؤكده سليمان. ويضيف "قضى نوع الدود هذا على غابات السنديان والصنوبر في جبال لبنان. وينطبق هذا على حشرة الصندل أيضاً التي تسبب الأذى نفسه. من هنا ثمة أهمية كبرى للتوجيه حول سبل مواجهة بعض أنواع الحشرات، بما أنه لا وجود للحشرات السامة التي تسبب الأذى للإنسان بشكل يدعو إلى القلق".
في المنازل قد تقتصر المشكلة على العث وغيره من الحشرات التي تسبب الأذى في الأقمشة والأثاث، إلا أن وجودها عادي وليس مستغرباً في المنازل. أما تزايد البعوض في هذا الموسم فقد ينتج، لا عن كونها في موسمها الطبيعي فحسب، إنما أيضاً عن زيادة النفايات وتكدسها في الطرقات. في كل الحالات لا تشكل أي خطر بالأنواع الموجودة منها في البلاد. وبالتالي بغياب الحشرات الخطرة في المنازل يمكن مواجهة الأثر السلبي لبعض أنواع الحشرات على النباتات والمحاصيل الزراعية بطريقة مدروسة.