مع استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، يشهد الصراع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تفاقماً مقلقاً، وسط تحذيرات من تدهور الوضع الإنساني وزيادة عدد الإصابات. وقد أثار تحرك الجيش الإسرائيلي نحو توسيع العمليات البرية في جنوب لبنان تساؤلات حول إمكانية تحول المواجهة إلى حرب طويلة الأمد.
بالرغم من مرور سنوات على آخر مواجهة، يعود شبح الحرب ليخيم على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، حيث تتصاعد الأعمال العسكرية بوتيرة خطيرة. العمليات البرية التي أطلقتها إسرائيل في جنوب لبنان مؤخراً تفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول احتمالية الغرق في نزاع طويل الأمد حيث تواصل القوات على الجانبين تبادل الهجمات، ما يضع المنطقة على حافة مرحلة دموية جديدة قد تغير مسار الأحداث بشكل غير متوقع.
استعدادات مكثفة في المستشفيات الإسرائيلية
شهدت المستشفيات في الشمال الإسرائيلي، استعدادات غير مسبوقة لاستقبال المزيد من الجرحى حيث أعلن مستشفى زيف في صفد، الذي يعد الأقرب إلى الحدود مع لبنان، عن تعليق جميع العمليات غير الطارئة، وتم نقل المرضى، بمن فيهم الأطفال حديثو الولادة، إلى أماكن آمنة تحت الأرض.
وفي مقابلة مع شبكة "سي أن أن"، أوضح مدير المستشفى، الدكتور سلمان زرقا، أن المستشفى استقبل أكثر من 100 جندي في الأيام الأولى للعملية العسكرية في لبنان. وأعرب عن استعداد المستشفى التام لأي تصعيد محتمل، مشيراً إلى قلقه من تزايد أعداد الضحايا في الأيام القادمة.
وقد أشار زرقا، الذي يمتلك خبرة طويلة في العمل العسكري، إلى أن القوات الإسرائيلية قد تتعرض لمزيد من الخسائر إذا استمر القتال البري. وأضاف: "نحن مستعدون للأسوأ، ولكن نأمل أن يتم تجنب المزيد من التصعيد".
بنية عسكرية.. تمتد من الحدود إلى بيروت
وعلى الرغم من تأكيدات إسرائيل بأن عملياتها في لبنان ستكون محدودة من حيث النطاق والمدة، إلا أن التطورات على الأرض تشير إلى خلاف ذلك. إذ تشارك حالياً فرق عسكرية إسرائيلية متعددة في المعارك ضد حزب الله.
وقد أكد محللون لشبكة "سي أن أن"، أنّ الجيش الإسرائيلي قد يجد نفسه مضطراً للبقاء لفترة أطول في لبنان إذا ما أراد تحقيق أهدافه.
كما أوضح الخبير الأمني، دانيال سوبلمان، أن بنية حزب الله العسكرية تمتد من الحدود إلى بيروت، مما يعقد العمليات الإسرائيلية ويجعلها أطول مما هو متوقع.
من جهة أخرى، يستمر النزوح الجماعي في لبنان جراء الغارات الجوية الإسرائيلية. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تم نزوح أكثر من 600 ألف شخص منذ بدء التصعيد العسكري. هذه الأرقام تتزايد بشكل يومي، حيث تسعى العائلات إلى الهروب من المناطق التي تشهد أعنف الاشتباكات.
وقد انتقدت منظمات دولية عدة، بما في ذلك الأمم المتحدة، التصعيد الإسرائيلي، مشيرة إلى أن الهجمات "العشوائية" على الأهداف المدنية في لبنان تزيد من تفاقم الوضع الإنساني.
لا يزال حزب الله يمتلك القدرات اللازمة لمواصلة القتال
ورغم القوة العسكرية الهائلة التي تستخدمها إسرائيل، يستمر حزب الله في المقاومة، مستفيداً من التضاريس الجبلية الوعرة التي يعرفها مقاتلوه جيداً.
خلال مقابلات متعددة أجرتها شبكة "سي أن أن"، أشار محللون إلى أن حزب الله، رغم الخسائر التي تكبدها في صفوف قياداته، لا يزال يمتلك القدرات اللازمة لمواصلة القتال وإلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية.
على الجانب الآخر، تحدث جنود إسرائيليون، رفضت الشبكة الأمريكية الكشف عن هوياتهم، عن التحديات الكبيرة التي تواجههم في لبنان، مشيرين إلى أن القتال في الأراضي المفتوحة والجبلية أصعب بكثير من المعارك التي خاضوها في مناطق حضرية مثل غزة.
الضفة الغربية المحتلة وتحديات داخلية
بالتزامن مع الصراع على الحدود اللبنانية، يواجه الجيش الإسرائيلي تحديات داخلية متزايدة في الضفة الغربية المحتلة. تصاعد التوترات هناك يزيد من تعقيد الوضع الأمني، حيث تسعى إسرائيل إلى التعامل مع عدة جبهات في آن واحد.
وقد حذر بعض الخبراء من أن استمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية المحتلة قد يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات والعنف.
وعلى الرغم من الدعم الشعبي الواسع للعملية العسكرية ضد حزب الله، إلا أن هناك بعض الأصوات المعارضة داخل المجتمع الإسرائيلي.
إيتمار جرينبيرغ، شاب إسرائيلي يبلغ من العمر 18 عاماً، يرفض التجنيد في الجيش لأسباب أخلاقية، وهو واحد من عدد قليل من "المعترضين الضميريين".
في مقابلة مع "سي إن إن" يقول جرينبيرغ إنه رفض التجنيد احتجاجاً على "الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية" والسياسات العسكرية في غزة ولبنان.
وقد أمضى جرينبيرغ بالفعل عدة أشهر في السجن نتيجة لرفضه المتكرر للانضمام إلى الجيش الإسرائيلي.
مواجهة طويلة الأمد؟
مع استمرار العمليات العسكرية، تبدو نهاية الصراع بعيدة المنال. وقد أبدى الجنود الإسرائيليون الذين تحدثت إليهم شبكة "سي أن أن" استعدادهم لمواصلة القتال، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجههم.
ومع ذلك، يحذر المحللون من أن حرب العصابات التي يخوضها حزب الله قد تؤدي إلى حرب طويلة الأمد، حيث يسعى الطرفان إلى تحقيق أهدافهما دون التوصل إلى حل سريع.
وفي هذه الأثناء، تتزايد الدعوات الدولية لوقف التصعيد، لكن يبقى السؤال: هل يمكن للطرفين أن يتوصلا إلى تسوية قبل أن يتفاقم الوضع أكثر؟