حزب العمال البريطاني بين مشهدَين

منذ 2 أسابيع 33

قبل عامين، طرحت الحكومة البريطانية خطة مالية هزّت الأسواق المالية، ودفعت أسعار الرهن العقاري إلى الارتفاع، ودمّرت الجنيه الإسترليني، وحكمت على رئيسة الوزراء، ليز تروس، التي استقالت لاحقاً بعد أقل من شهرين من تسنُّم منصبها، بالفشل.

لا أحد يتوقّع تكرار هذه الكارثة عندما تُقدّم حكومة حزب العمال الجديدة ميزانيتها التي طال انتظارها، الأربعاء، ومع ذلك تبقى حلقة تروس المشؤومة بمثابة تذكير بمدى خطورة بيانات الميزانية، ومدى حدة المخاطر السياسية التي تواجهها أي حكومة جديدة.

وينطبق ذلك بنحو خاص على رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي واجهت حكومته بداية مضطربة، منذ فوز حزب العمال بفوز ساحق بالانتخابات، في يوليو (تموز)، وقد تراجعت شعبية ستارمر في خضم تقارير عن وجود صراع داخلي، وقبوله هدايا مجانية من المانحين.

وعن ذلك قال ستيفن فيلدينغ، المؤرخ السياسي بجامعة نوتنغهام: «الأمر أشبه بعملية إعادة إطلاق الحكومة، وينبغي التعامل مع هذا الأمر بوصفه طرحاً لاستراتيجية إعلامية، واستراتيجية سياسية، وقبل كل شيء استراتيجية اقتصادية».

وبطبيعة الحال، لا شيء من هذه الأمور الثلاثة سهل، ومن بين التحديات التي يواجهها ستارمر أنه ليس من الواضح حتى أي منها الأصعب، من ناحية يتّسم النمو الاقتصادي في بريطانيا بالبطء، بينما يتهدّد الخطر الوضع المالي العام، وصُحفها التي تميل إلى حزب المحافظين لا ترحم، وبدأ صبر الناخبين ينفد بعد أزمة غلاء المعيشة، و14 عاماً تحت حكم حزب المحافظين، اتّسمت في معظمها بالتقشف المالي.

من جهتها، ستحاول راشيل ريفز، وزيرة المالية التي ستتولى تقديم الميزانية، الإبحار عبر هذه التيارات المتقاطعة، عبر حزمة من التدابير التي تهدف إلى إعادة تحفيز النمو طويل الأجل في بريطانيا، واستعادة خدماتها العامة المتآكلة، مع الحرص في الوقت نفسه على عدم تفجير عجز الميزانية، أو زيادة الضرائب الأساسية على العمال - تعهُّد أساسي لحملة حزب العمال.

وأرسلت ريفز، وزيرة الخزانة، برقية تتضمن فرض ضرائب جديدة أخرى، وتقليص بعض الإنفاق لتجنّب إثارة الذعر بالأسواق، على النحو الذي استقبلت به مقترحات تروس، ولإعداد الجمهور لما حذّرَت منه هي وستارمر من أنه سيكون مهمة صعبة، قبل أن يعود الاقتصاد والمالية العامة إلى الوقوف على أرض صلبة.

وعبّر روبرت فورد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مانشستر، عن اعتقاده قائلاً: «الخطر أنهم يحُدّون من طموحاتهم كثيراً؛ للحفاظ على المصداقية المالية، بحيث ينتهي بهم الأمر إلى عدم تقديم تغيير موثوق به بما يكفي للناخبين».

لقد تعثرت ريفز التي عملت ذات يوم خبيرة اقتصادية في بنك إنجلترا، عندما أعلنت أن الإعانات المرتبطة بتكاليف التدفئة الشتوية التي تُمنح لجميع المتقاعدين، ستقتصر على الفئات الأشد فقراً، وأثار ذلك ردود أفعال عنيفة، وجاء على رأس تحذيرات ستارمر المتكررة أن الأمور ستزداد سوءاً قبل أن تتحسّن، واللافت أن ستارمر لم يتراجع عن رسالته المحبِطة.

ومثل ستارمر، يجري النظر إلى ريفز بوصفها تكنوقراطية أكثر من كونها سياسية، ومع ذلك تمنحها الميزانية فرصة لإظهار أنها أكثر إبداعاً عما يردّده منتقِدوها، حسبما ذكرت جيل روتر، الزميلة الباحثة بمؤسسة «أوروبا المتغيرة» (تشينجينغ يوروب)، ومقرّها لندن.

وقال جون ماكتيرنان، الذي كان مساعداً كبيراً لرئيس وزراء حزب العمال السابق توني بلير: «لم يجد حزب العمال بعدُ قصةً يرويها، ويتعيّن على الميزانية تلوين تلك المساحة البيضاء»، وأضاف أن السؤال المطروح على ريفز وستارمر ما إذا كانا «سيصيغان وجه المستقبل، أم يقبَلان القيود التي ورثاها».

من جهته، أمضى ستارمر كثيراً من الأشهر الأولى من توليه منصبه في الشكوى من الإرث الاقتصادي الذي خلّفه وراءه سلفه المحافظ ريشي سوناك. وبعد الانتخابات أعلنت ريفز أنها اكتشفت «ثقباً أسود» بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني، أو 28.5 مليار دولار، في الميزانية، الأمر الذي يفرض مزيداً من القيود على خيارات الحكومة.

والأسبوع الماضي، أعلنت ريفز عزمها تعديل قواعد الديون البريطانية؛ لتحرير الأموال لمشروعات الأشغال العامة، ومن المتوقع كذلك أن تُعلن عن مساهمات إلزامية أعلى من قِبل أرباب العمل في التأمين الوطني، وهي ضريبة الرواتب التي يدفعها العمال وأصحاب العمل. ويقول المحافظون وغيرهم من المنتقدين إن هذا يكافئ إعلان زيادة الضرائب على العمال؛ لأنها ستأتي على الأرجح من أجورهم.

ومع انخفاض شعبية حزب العمال، تحتاج ريفز إلى أن تسير الأمور بسلاسة، لكن التاريخ يكشف لنا أن هذا لا يحدث دوماً.

وقال جوناثان بورتس، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في «كينغز كوليدج لندن»: «يمكنك أن ترى سبيلهم للتغلب على هذا الأمر، إنهم يجمعون ما يكفي من المال من الزيادات الضريبية لإصلاح الخدمات العامة».

على صعيد متصل تواجه بريطانيا مشهداً عالمياً شديد الاضطراب، خصوصاً بسبب الانتخابات الرئاسية المقرَّرة الأسبوع المقبل في الولايات المتحدة. وأضاف بوريس، في إشارة إلى سياسات ترمب الحمائية: «إذا فاز دونالد ترمب وفعل نصف ما يقول إنه سيفعله، فسيكون ذلك أكثر أهميةً بكثير من أي شيء من ذلك الذي تحدثنا عنه».

* خدمة «نيويورك تايمز»