تقول النظرية العسكرية البديهيّة إن الجيوش كلما ارتفعت معنوياتها أبلت البلاء الحسن في الحروب. والمعنويات لها تفسير واحد هو الراحة المادية. غير أن كل ما جرى من شواهد يبيّن أن الجيوش الفقيرة هي التي انتصرت في الحروب، خصوصاً الشديدة منها، فإذا كان الإسكندر الكبير هو أيضاً كبير القادة العسكريين، فإنه أنجز تلك الغزوات على رأس جيش فقير من المقدونيين اخترق به جيوش داريوس الثالث، ملك الفرس كثير الكنوز. وخرج جانكيز خان من الخيام على رأس المغول الفقراء لكي ينتصر على القوى الصينيّة والفارسيّة.
وعندما انتصر جورج واشنطن أول رئيس أميركي على البريطانيين، كانت معظم قواته ترتدي الأسمال والخرق. وكانت الولايات المتحدة أغنى دولة في العالم عندما أرغمها الفيتناميون على الانسحاب من بلادهم التي كانت أفقر دول العالم آنذاك. الشيء نفسه يمكن أن يقال عن هزيمة الأميركيين في أفغانستان، ومعهم هزيمة السوفيات وجيشهم المزود بأحدث أنواع الأسلحة. وعندما هاجم البربر القوات الإمبراطورية الرومانية أذلّ أغنى إمبراطوريات الأرض.
ويُروى أن كروسُس ملك ليديا، هدَّدَ سولون ملك أثينا بالهزيمة متفاخراً بما يملك من ذهب. وقال له سولون إن الحروب تُربحُ بالحديد لا بالذهب. حتى التكنولوجيا، أو السلاح المتقدم لا يمكن أن يحسم الحروب من دون العنصر البشري مثل ما كان يقول مكيافيللي.
فقد ألحَقَت قبائل الزولو الأفريقية العارية الهزيمة بالإمبراطورية البريطانية عام 1879 بسبب اندفاعها وحماسها الوطنيّ. كيفما تطلعت في التاريخ لا تجد سوى حروب لحقتها مصالحات وأحياناً تحالفات. ولم يدم النصر لأحد فهذا نابليون بونابرت الذي حقق الرقم القياسي الأول في عدد الانتصارات، انتهى مهزوماً في معركة واترلو. وهذه ألمانيا وفرنسا تصبحان أقرب الدول إلى بعضها بعد قرون من الحروب والحقد والانتقامات. ها هم الأميركيون يملأون مدن فيتنام والعكس بالعكس أيضاً. وإذا ما كانت فرنسا هي الدولة الأكثر حروباً في التاريخ تليها بريطانيا، فإن خوف الدولتين اليوم من الداخل وليس من الخارج. والتاريخ مستمر في تكرار نفسه: حروب لا تنتهي وسلام لا يدوم.