يفتخر المغاربة بوجود حارة شهيرة تسمى باسمهم في البلدة القديمة لمدينة القدس، هي حارة أو حي المغاربة، التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وأوقفها على المغاربة الذين شاركوا في الفتح، ليستوطنها هؤلاء عام 1187. وقد مرت عليها عقود من الزمن، قبل أن يهدمها الجيش الإسرائيلي عام 1967، لتتحول إلى "ساحة المبكى".
ويشكل حي المغاربة تراثاً عمرانياً مغربياً تاريخياً في مدينة القدس، غير أنه مهدد بالتهويد مثل باقي المآثر الإسلامية في المنطقة، وهو ما يطرح موضوع حق المغرب في هذا الحي العتيق، ومدى إمكانية منع إسرائيل من تغيير معالم هذه المآثر التاريخية.
نبذة تاريخية
وتعود قصة حي المغاربة إلى معركة حطين الشهيرة عام 1187، التي دارت رحاها بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي والصليبيين، وانتهت بانتصار المسلمين وتحرير بيت المقدس وجل الأراضي التي احتلها الصليبيون في ذلك الوقت.
وأفاد الباحث في التاريخ بجامعة محمد الخامس، عبدالمحسن القدميري، بأن "القدس كانت محتلة من قبل الصليبيين منذ عام 1099 ميلادية طوال حقب طويلة من الزمن، وهو ما راكم نوعاً من الشعور بضرورة التحرك ضد هؤلاء المحتلين".
وأكمل الباحث ذاته أنه "تم تحرير بيت المقدس من قبضة الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي، وذلك بفضل جيش جرار من الجنود ومن المتطوعين أيضاً، وكان من بينهم المغاربة الذين دعموا جيش الأيوبي من أجل تحرير القدس".
ووفق المتحدث عينه، فإن المغاربة كانوا يشكلون أحد أعمدة جيش الأيوبي من ناحية العدد والكفاءة والمشاركة في المعركة، وهو ما فسر تشبثه بهم بعد الانتصار التاريخي في "حطين"، ليقرر استقرارهم في محيط القدس، وعرفت المنطقة بحي أو حارة المغاربة.
واستحضر القدميري اهتمام السلطة المركزية في المغرب ـ بعد حصوله على الاستقلال ـ بحي المغاربة في القدس، وذلك من خلال تجهيز الحارة بمستشفى حديث وعصري هناك عام 1956، وكان مستشفى عصرياً بمقاييس ذلك الوقت، يستفيد من خدماته الصحية المتنوعة ليس فقط المغاربة بل جميع ساكني المنطقة المجاورة.
وشكل عام 1967 حدثاً مفصلياً في تاريخ حي المغاربة التاريخي، ذلك أنه عقب حرب الستة أيام الشهيرة، حين عمدت جرافات الجيش الإسرائيلي إلى هدم عشرات المباني في هذه الحارة العتيقة، وتم إجلاء السكان وتشريدهم.
التنقيب والتهويد
وبعد عملية الهدم التي تمت عام 1967، لم يعد حي المغاربة يحظى بأية مظاهر أو آثار إسلامية أو آثار تدل على أن المغاربة استوطنوا وعمروا تلك الحارة طوال عقود طويلة من الزمن.
وتواصل السلطات الإسرائيلية أشغال الحفر والتنقيب عن الآثار في ساحة حائط البراق (حائط المبكى) في القدس الشرقية، الشيء الذي جعل ناشطين يدقون ناقوس الخطر في شأن ضرورة دفاع المغرب عن تراثه التاريخي في القدس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد، قال الباحث المغربي إدريس الكنبوري إن حي المغاربة مثل كل أحياء المدينة المقدسة الأخرى، مهدد بالهدم منذ سنوات طويلة بسبب أعمال الحفر والتنقيب التي تقوم بها إسرائيل، بهدف البحث عما يسمونه الآثار التي تدل على وجودهم القديم في المدينة لإثبات شرعية الاستيلاء عليها، والبحث عن "هيكل الملك سليمان كما يزعمون".
وأردف الكنبوري أن "هذه الحفريات مستمرة منذ عشرات السنين لكنها لم تؤد إلى نتيجة، لأن جميع الآثار التي تم العثور عليها لا تؤكد وجود اليهود فيها تاريخياً"، مذكراً بأنه "خلال حرب 1967 تم هدم أجزاء كبيرة من حي المغاربة الذي تحول اسمه إلى حي اليهود، وتم إسكان اليهود فيه بهدف التهويد التدرجي لمدينة القدس ومحو معالم الحضارة الإسلامية أو المسيحية فيها".
وسجل المتحدث بأن إسرائيل لا تحترم القرارات الدولية التي صدرت حول مدينة القدس، ومنع تهويدها وهدم الآثار التاريخية فيها، إذ إنها مستمرة في الحفريات على رغم جميع التحذيرات والقرارات الصادرة عن القمم العربية والمؤتمرات الإسلامية.
ولفت الكنبوري إلى أنه "باعتبار المغرب هو الذي يترأس لجنة القدس، يمكنه الدعوة إلى اجتماع لبحث السياسة الإسرائيلية في المدينة واتخاذ موقف موحد بمنع المساس بالمآثر التاريخية وعدم تغييرها".
واستدرك الكنبوري بأن "قضية الآثار المغربية والإسلامية في القدس مرتبطة بالمفاوضات النهائية حول وضعية القدس، ونظراً إلى جمود هذه المفاوضات بسبب الأوضاع الحالية فمن الطبيعي تجاوزها في الوقت الراهن، وهو ما قد يمكن إسرائيل خلال هذه الفترة من العمل على تهويد القدس"، ليخلص إلى أن "المغرب يمكن أن يحول تلك القضية إلى قضية إسلامية - مسيحية مشتركة، باعتبار أن الوجود المسيحي أيضاً في القدس مهدد وليس الوجود الإسلامي فحسب".
التمسك بالجذور المغربية
وعلى رغم هدم حارة المغاربة فلا تزال للمغاربة حقوق في بعض أوقاف القدس، وهو ما جعل المشرف على الوقف المغربي في القدس، أشرف جندوبي المغربي، يدعو أحفاد سكان الحي الأصليين إلى "الحفاظ على ما تبقى من الوقف"، مشدداً على ضرورة أن تعلم "الأمة المغربية أن لديها حقوقاً في القدس".
ولم تنقطع علاقة المغاربة بهذه الحارة وأزقتها ومبانيها وزوايا الصوفية وأوقافها ومساجدها، على رغم مرور سنوات طويلة، كما أنهم ظلوا يعلنون ارتباطهم بأصولهم المغربية وهويتهم المقدسية.
في دراسة سابقة نشرتها وكالة مغربية في الرباط على 38 في المئة من ذوي الأصول المغربية في القدس، كشفت عن أنهم يعتبرون أنفسهم "مقدسيين مغاربة"، و32 في المئة يعتبرون أنهم "فلسطينيون مغاربة"، و20 في المئة رأوا أنهم "فلسطينيون" فقط، وستة في المئة اعتبروا أنفسهم "مقدسيين" فقط.
ووفق الاستطلاع ذاته، فإن 37 في المئة من ذوي الأصول المغربية في القدس يمتلكون وثائق رسمية مغربية، و63 في المئة من العينة البحثية قالوا إنهم لا يملكون وثائق رسمية مغربية، لكنهم علموا بأصولهم المغربية عن طريق آبائهم وأجدادهم وكتب الأنساب، كما عبر زهاء 58 في المئة من المستجوبين عن وجود أقارب لهم في المغرب. وقال 42 في المئة منهم إن لا أقارب لهم في المملكة.
وخلصت الدراسة إلى أن مجموع 70 في المئة (أي 38 في المئة مقدسيون مغاربة و32 في المئة فلسطينيون مغاربة)، من ذوي الأصول المغربية في القدس، ما زالوا متمسكين بهويتهم وجذورهم المغربية، وهو ما يعني أنه على رغم ثقل السنوات ومحاولة محو الذاكرة في القدس، ما زال أحفاد سكان حي المغاربة في القدس يرتبطون بوطنهم الأصلي.