استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 1/4/2024 ميلادي - 22/9/1445 هجري
الزيارات: 36
♦ الملخص:
فتاة ثلاثينية، وقعت لها حادثة تحرش في صغرها، أثَّرت فيها، لكنها تحاول تجاوزها، لكنَّ أمرًا جعلها تفكر في الانتحار؛ وهو أنها تحرشت وهي في الثانية عشرة من عمرها بأختها الصغرى، فتشعر – من ثَمَّ – بالذنب لتدميرها حياة أختها، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
أنا فتاة في منتصف الثلاثينيات، تعرضتُ للتحرش في سن الحادية عشرة، من رجل مسنٍّ، جارٍ لخالتي التي كنت أزورها باستمرار، أثَّرت فيَّ هذه التجرِبة، واجتهدتُ لتجاوزها، وما زلت والحمد لله على كل حال، لكن الذي يؤذيني كثيرًا في الوقت الحالي أني قبل ثلاث سنوات تقريبًا، تذكرت أني قد لامست أختي التي تصغرني بسبع سنوات تقريبًا بطريقة غير لائقة، ولا أتذكر عمري وقتئذٍ تحديدًا، ربما كنتُ في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وقد حاولت أن أعرف هل تتذكر هذا الأمر أو لا، فلمَّحت لها، لكنها قالت: إنها لا تتذكر شيئًا كذلك، والآن لا أستطيع أن أعفوَ عن نفسي؛ لعلمي بأني حقًّا قد آذيتها، وتسبَّبت لها بأثر شنيع، قد يبقى معها طوال حياتها، فإذا كان تحرُّش شخص غريب بي قد آذاني كثيرًا، فكيف يكون تأثير التحرش من شخص من العائلة، يُفترض أنه شخص موثوق؟ لا أستطيع التفكير بأي شي غير هذا الأمر، ونفسيتي مدمَّرة، حتى إني أفكر في الانتحار؛ فإني لا أرى مخرجًا لي من هذا الشعور بالذنب، فقد دُمِّرت حياتي، ودمَّرتُ حياة أختي معي، أتمنى أن يكون لديكم حلٌّ لهذا الأمر، وجزاكم الله خيرًا.
يرتاح الإنسان ويهدأ كثيرًا، عندما يعرف جيدًا حقيقة الدنيا، وأنها دار ابتلاء، ولا بد أن يُصاب كل منا بهذه الابتلاءات، ومن رحمة الله تعالى بعباده أن رتَّب على الصبر عليها أجورًا عظيمة؛ فالله عز وجل قال: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، ولم يحدد جزاءً بعينه، ومن هنا قال العلماء: إنه سبحانه أخفى العطاء لعِظَمِهِ.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَودُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهلُ البلاء الثوابَ، لو أن جلودهم كانت قُرِضت في الدنيا بمقاريضَ)).
ونهدأ كثيرًا وتطمئن قلوبنا، حينما نعرف أن كل ألمٍ، صغيرًا كان أم كبيرًا، لا يضيع سُدًى، ولا يذهب هباءً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكةُ يشاكُها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))، فألمُ الشوكة الذي قد يكون يسيرًا لا يضيع عند الله سبحانه، فما بالكِ أختي الكريمة بما هو أعظم من ذلك؟ وأنتِ مررتِ بابتلاء ليس بهين، وما زال يؤثِّر فيكِ منذ سنوات.
أسوق لكِ هذه الكلمات حتى تهوِّني على نفسكِ، وتعلمي أن ما مررتِ به رِفْعَةٌ لكِ في الدرجات، أو تكفير للسيئات، فلا تحزني على الماضي، ولا تُكْثِري من التفكير فيه، فكثرة التفكير فيه تؤدي إلى الحزن، وما من شيء أحب إلى الشيطان من حزن المسلم، وهذا أمر مضى عليه سنوات، ولعلكِ لم تتعالجي نفسيًّا في وقتها من أثر الصدمة؛ لذلك فهي تؤثر فيكِ الآن، أما ما ذكرتِهِ عن أختكِ، فالحمد لله هي قالت: إنها لا تذكر شيئًا، ولربما يكون هذا الفعل مجرد تهيؤات منك ليس على سبيل الحقيقة، أو لربما كان في حُلُمٍ من أثر ما تعرضتِ له، أو مجرد حديث نفسٍ، فلمَ تُكثرين اللوم على نفسكِ، وترهقينها بالعتاب؟ ولماذا تهوِّلين الأمر، وتقولين: إنكِ دمرتِ حياتها، وإنكِ لا تسامحين نفسكِ؟
الأمر ليس كذلك حبيبتي، أنا أراه من تهويل الشيطان لكِ؛ ليزيدكِ حزنًا فوق حزنكِ، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ولا تلتفتي لتلك الوساوس.
الشعور بالذنب وجلد النفس الدائم يوصِّل للقنوت من رحمة الله، ويصيب الإنسان باليأس.
هذه المشاعر السلبية التي تعانيها سببُها الأفكار الخاطئة؛ لذا إن أردتِ التخلص منها، فالواجب عليك تعديل طريقة التفكير فيما حدث، وهذه خطوات موجزة لتجاوز هذه الأزمة:
اجلسي مع نفسكِ، وحاوريها حوارًا هادئًا، ويا حبذا لو كان بالقلم والورقة؛ فالكتابة مهمة جدًّا، ولها تأثير طيب في تفريغ المشاعر السيئة.
أولًا: التصالح مع ما حدث؛ فهو قد وقع بقدر الله وانتهى منذ سنوات، فإلى متى التفكير فيه؟
ثانيًا: ما النتائج التي تعود من التفكير فيما حدث؟ هل نستطيع تغييره؟
ثالثًا: ما الذي يترتب إذا عشتِ طوال حياتكِ وأنتِ تفكرين فيما حدث؟
رابعًا: ماذا لو تجاهلتِ هذا الحدث السيئ، وفوضتِ أمركِ لله؟
خامسًا: ماذا لو شغلتِ نفسكِ بما ينفعكِ من أمور الدنيا والآخرة؛ فالفراغ مفسدة عظيمة؟
سادسًا: دائمًا ردِّدي في نفسكِ: الحياة نعيشها مرة واحدة، ومهما مرت علينا ابتلاءات شديدة، وأحداث مؤلمة، فلا بد من تجاوزها، ولا بد من التركيز في اللحظة الحالية، فماذا يفيد البكاء على الماضي الذي انقضى؟
سابعًا: اعلمي أن من ظلمكِ واعتدى عليكِ سيأخذ جزاءه لا محالة من ذلك، وهذا يهوِّن كثيرًا؛ فالله سبحانه عدل لا يحب الظالمين المعتدين، وكوني على ثقة من ذلك.
ثامنًا: التفكير في الانتحار عواقبه تعود عليكِ، أنتِ تظنين أنكِ سترتاحين بعدها؟ كيف ذلك وأنتِ بهذا تُقبِلين على ربكِ بمعصية من أشنع الكبائر؟ لا نعالج الخطأ بخطأ، إنما نَرضى بما قدَّر الله، ونأخذ خطوات نحو التعافي من هذه المشاعر السيئة.
أكْثِري من الدعاء، واشغلي نفسكِ قدر الاستطاعة بما ينفعها، وأي وساوس تأتِكِ بخصوص هذا الأمر، فاستعيذي بالله منها، بعد هذه الخطوات إن لم تتمكَّني من التعافي، وظلت حالتكِ كما هي، أنصحكِ بالتوجُّه لمعالِجَةٍ نفسية ثِقَةٍ، تساعدكِ على تخطي هذه الأزمة.
أسأل الله أن يهديكِ لِما فيه الخير، وأن يصرف عنكِ الشر كله.