جيل غزة المفقود: 96% من أطفال القطاع يشعرون باقتراب الموت بسبب الحرب

منذ 1 ساعة 13

تشهد غزة كارثةً إنسانية لا تقتصر على الدمار المادي فحسب، بل تمتد إلى تداعيات نفسية خطيرة تترك جراحًا غائرة في نفوس الناجين، خاصة أولئك الذين فقدوا أعزاءهم تحت القصف الإسرائيلي. 

تقارير محلية ودولية تُنذر بموجة من الاضطرابات النفسية بين السكان، تتراوح بين صدمات ما بعد الحرب واكتئاب حاد، في ظل غياب موارد الدعم النفسي وانهيار النظام الصحي. فكيف يواجه الغزيون هذه التحديات، وهل ستكون الآثار النفسية للحرب هي المعركة الأطول؟

كشفت دراسة حديثة أجراها مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات الفلسطيني، بدعم من "تحالف أطفال الحرب"، عن تدهور كارثي في الصحة النفسية لأطفال قطاع غزة بعد أكثر من عام من الحرب والنزوح المتواصل. وأظهرت النتائج أن 96% من الأطفال يشعرون بأن الموت وشيك، بينما يعاني 87% منهم من خوف شديد، و79% يواجهون كوابيس متكررة بسبب الصدمات اليومية.

وشملت الدراسة، التي أجريت على 504 أسر تضم أطفالاً من ذوي الإعاقة والمصابين والمنفصلين عن عائلاتهم، مؤشرات مروعة تظهر حجم المعاناة النفسية، حيث رصدت أن 92% من الأطفال لا يستطيعون تقبل الواقع، و77% يتجنبون الحديث عن الأحداث الصادمة، بينما ظهر 73% منهم سلوكيات عدوانية. والأخطر من ذلك، أن 49% من الأطفال المشاركين في العينة عبّروا عن رغبتهم في الموت هرباً من الحرب.

النزوح القسري والحالة النفسية

وأكدت الدراسة أن النزوح المتكرر زاد من حدة الأزمة، حيث تعرضت 88% من العائلات للنزوح القسري أكثر من مرة، فيما اضطر 21% منها إلى الفرار ست مرات أو أكثر بحثاً عن الأمان.

وفقاً لتقرير لليونيسف، فإن 60% من ضحايا الحرب البالغ عددهم أكثر من 50 ألف قتيل فلسطيني هم من النساء والأطفال، بما في ذلك أكثر من 17000 طفل قتلوا بسبب الحرب، وفق إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية. أما الناجون، فلم يجدوا ملاذاً آمناً، حيث نزح 1.93 مليون مدني (85% من سكان القطاع) مراراً وسط تدمير المستشفيات والبنى التحتية.

فيما أكد فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن عدد الأطفال الذين قتلوا جراء الحرب المستمرة على قطاع غزة تجاوز عددهم مجموع ما خلفته 4 سنوات من النزاعات في جميع أنحاء العالم.

آثار نفسية مدمرة على أطفال يواجهون مخاطر الجوع والتشرّد

كشفت الأخصائية النفسية إيمان سالم عن تدهور حاد في الصحة النفسية لأطفال ونساء قطاع غزة، بعد أكثر من عام من الحرب التي خلفت آثاراً نفسية صادمة نتيجة ظروف النزوح القسري، وانعدام الأمن، وفقدان المسكن والأحبة.

وأوضحت سالم أن فرق الدعم النفسي تواجه عوائق جسيمة في أداء مهامها بسبب استمرار القصف الإسرائيلي المكثف، خاصة بعد تصاعد الهجمات منذ أواخر مارس الماضي، مما يحول دون توفير مساحات آمنة لمساعدة الضحايا على تجاوز الصدمات.

وأضافت: "نحاول تقديم الدعم النفسي والمساندة، لكن استمرار الحرب يجعل جهودنا غير كافية في ظل تزايد عدد المصابين بصدمات نفسية تحتاج لرعاية عاجلة".

وحذرت من أن استمرار الأوضاع الراهنة دون حلول سياسية أو إنسانية عاجلة سيخلف جيلاً يعاني من اضطرابات نفسية مزمنة، داعيةً لوقف الحرب وتمكين الكوادر الطبية والنفسية من أداء دورها في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

"نحاول حماية صغارنا من الكوابيس والليل هو كابوسنا الأكبر"

تحاول أمهات غزة، وسط دوي القصف المستمر، خلق عالم موازٍ لأطفالهن، حيث تتحول القنابل إلى "ألعاب نارية"، ومخيمات النزوح إلى "أماكن للعب"، لكن الحرب تفرض واقعها الدامي بلا رحمة.

أم أنس عياد، النازحة من حي الشجاعية، تصف كيف تحوّلت حياتها إلى سباق مع الموت: "عندما يبدأ القصف، يهرول الأطفال إلى الخيمة، أحاول احتضانهم جميعاً، وأطلب منهم تغطية آذانهم". تضيف: "الليل هو كابوسنا الأكبر، حيث يتحول صوت الطيران المنخفض إلى رعب لا يُطاق، ويستغرق الأطفال ساعات ليناموا بسبب الخوف".

أما أم محمد حسان، النازحة من المغراقة، فتحاول خداع أطفالها بأن أصوات الانفجارات هي "ألعاب نارية"، لكنها تعترف: "لم يعد الأطفال يصدقوننا، لقد كبروا قبل الأوان". وتشير إلى معاناة جديدة: "عندما يشاهدون مقاطع القصف على الإنترنت، يعود الخوف ليضربهم من جديد، وأنا عاجزة عن تفسير هذا الجنون".

أم مجدي العجرمي تروي كيف تحوّلت ابنتها إلى ضحية للكوابيس الليلية بعد النزوح من رفح تحت القصف: "كل ليلة تستيقظ مرعوبة، نحاول العثور على مساعدة نفسية، لكن الحرب لا تترك مجالاً للعلاج". تختصر معاناة الآلاف بقولها: "نريد لهذه الحرب أن تنتهي.. بأي ثمن".

أرقام صادمة

يعيش أكثر من 85% من أطفال غزة مع اضطرابات نفسية حادة، وفق منظمة اليونيسف، فيما تحاول أمهاتهم، بكل ما تبقى من قوة، أن يكنّ آخر خط الدفاع عن طفولة تُسلب حقوقها يومياً.

وكشفت الإحصائيات الرسمية الأخيرة عن أرقام صادمة تعكس حجم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث بلغ عدد الأطفال الضحايا 17,818 طفلاً، تشمل هذه الحصيلة 238 رضيعاً ولدوا وقتلوا تحت القصف، و853 طفلاً لم يكملوا عامهم الأول، و44 طفلاً قضوا بسبب سوء التغذية والمجاعة المتعمدة.

وتكشف الأرقام عن مآس متعددة، حيث يعيش 35,060 طفلاً بدون أب أو أم بعد أن فقدوا ذويهم في الحرب، بينما يواجه 3,500 آخرون خطر الموت الوشيك بسبب المجاعة ونقص الغذاء في ظل استمرار الحرب واغلاق المعابر.