خلال جولتها في باريس للترويج لفيلمها الجديد، أدلت جينيفر أنيستون ببعض التعليقات حول الوضع الراهن للكوميديا. قالت أخيراً لوكالة الأنباء الفرنسية إن "الكوميديا تطورت والأفلام تطورت... صار الأمر صعباً بعض الشيء الآن إذ عليك أن تكون شديد الحذر، ما يصعّب الأمر حقاً على الكوميديين، لأن جمال الكوميديا يكمن في سخريتنا من أنفسنا ومن الحياة".
ثم ذكرت أنيستون مسلسل "فريندز" Friends على وجه التحديد - أعتقد أنكم سمعتم به – وهو العرض الذي دفعها إلى الشهرة العالمية عندما بدأت بتجسيد شخصية ريتشل غرين قبل حوالي 30 عاماً. قالت: "هناك جيل كامل من الناس والأطفال الذين يشاهدون حلقات "فريندز" ويجدونها مسيئة... هناك أشياء لم تكن مقصودة أبداً وأخرى... حسناً، كان يجب علينا أن نفكر بذلك ملياً - لكنني لا أعتقد أن الحساسية في ذلك الوقت كانت كهذه الموجودة الآن".
أشعر بشيء من الاستفزاز عندما يبدأ فنان كوميدي بالتحسر على حال الكوميديا هذه الأيام، ويقترح أن التضييق بات أشد مما كان عليه من قبل. لكن لكي نكون منصفين بحق أنيستون (وأعتقد أن الإنصاف هو الشيء الوحيد الذي تستحقه أنيستون، الناجية من بعض ماكينات أخبار فضائح المشاهير الأكثر طحناً في عصرنا) فإنها لم تتبن تماماً عقلية "أولاد هذه الأيام"، بل هناك دقة في تعليقاتها: كان من الممكن، وكما اعترفت هي، التمعن أكثر في بعض الأشياء التي وردت في "فريندز". لم تشر أنيستون إلى أي أمثلة محددة على ما يبدو، لكن سبق وأعربت مارتا كوفمان، التي شاركت في كتابة المسلسل، عن أسفها للطريقة التي تم بها تصوير والد شاندلر بينغ العابر جنسياً، ولافتقار العمل إلى التنوع.
لا شك في أن "فريندز" خضع للتدقيق خلال السنوات القليلة الماضية، ربما لأنه عمل عمره 30 عاماً ولا يزال الناس يشاهدونه حتى يومنا هذا، ودعونا لا ننسى أن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة: فالغالبية العظمى من إنتاجنا الثقافي تنسى مع مرور الوقت. لكن عندما يصمد عمل إبداعي مثل "فريندز" ويتجاوز دورة الحياة الطبيعية هذه، إذن، نعم، سيكون لدى الناس آراء حوله. قد يلاحظون وجود تناقضات بين العالم الذي يصوره العرض وبين عالمهم، وقد تشعرهم بعض العناصر بعدم الراحة، أو قد يركزون على تطور الأعراف الاجتماعية بشكل صارخ.
وهكذا، أنيستون ليست مخطئة: الكوميديا تتغير دائماً. تتطور الأشياء التي نجدها مضحكة معنا ومع اهتماماتنا وتوقعاتنا. لكن لا أعتقد أن هذا يشير إلى نهاية الكوميديا. لا أعرف كيف أعبر عن الفكرة بطريقة أخرى: فالناس مضحكون للغاية وبطرق كثيرة. لقد أمضيت ساعات طويلة من حياتي أنعم بالحس الفكاهي للآخرين بينما كان علي القيام بأشياء أخرى.
يمنحني التلفزيون خياراً بين السخرية في مسلسل "التوريث" Succession، والحماقة في الرسوم المتحركة "برغر بوب" Bob’s Burgers، والملاحظات اللاذعة في "تظاهر بأنها مدينة" Pretend It’s a City، السلسلة التي يخرجها مارتن سكورسيزي لمصلحة "نتفليكس" وتضم محادثات مع آني ليبوفيتز. بمناسبة الحديث عن "نتفليكس"، نحن نعيش في العصر الذهبي لعروض الكوميديا الخاصة. أرغب في مشاهدة من اليوم؟ واندا سايكس؟ إليزا شليزنغر؟ بيت دافيدسون؟ ديفيد سبيد؟ هناك عروض لهم جميعاً! حتى ذلك الرجل الذي كنت معه في المدرسة نفسها، كيف آدامز، كان لديه عرض السنة الماضية بعنوان "أنا الحقيقي" The Real Me. إنه يقدم محتواه الكوميدي بالفرنسية، ولكن فجأة، ها هو هنا حيث ترجمت مقاطع الفيديو الخاصة به إلى الإنجليزية، وبات الوصول إليها متاحاً أمام مشتركي "نتفليكس" في جميع أنحاء العالم.
حتى الإنترنت يوفر لنا كوميديا من الدرجة الأولى، أنا لا أمزح. تصفح منصة "إنستغرام" واضحك إلى ما لا نهاية. غالباً ما تكون الأشياء التي ينتقيها "تويتر" لي مضحكة، وذلك بفضل خوارزمية مدربة جيداً من المفترض أن تتحول إلى أشلاء عندما يبدأ تنفيذ خطط إيلون ماسك لتحويل المنصة إلى مكان يستطيع فيه الأشخاص المستعدون لدفع 8 دولارات شهرياً قول ما يشاؤون. قادني قضاء ساعات على هاتفي إلى استنتاج نهائي مفاده أن الناس حاذقون حقاً. إنهم لا يتسمون بالوقار وأذكياء ومرحون، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، يعملون ضمن إطار يتوسع دائماً من الإشارات الدارجة التي تخلق فرصاً لمزيد من النكات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك لازمة نسمعها غالباً في المناقشات حول الكوميديا في مواجهة الزمن: "لا يمكنك عمل [المسلسل أو الفيلم الفلاني] اليوم". غالباً ما يُقصد بها هو التحسر، ووسيلة للإيحاء بأننا نعيش في مثل هذه الأوقات العصيبة التي قد تحرمنا من الأشياء التي كنا نحبها ونستمتع بها. لكن كل إبداع ثقافي هو نتاج عصره. عبارة "لا يمكنك عمل [المسلسل أو الفيلم الفلاني] اليوم" هي تأكيد صحيح دائماً وأقل درامية مما تبدو عليه.
خذوا، على سبيل المثال، مسلسلاً معروفاً على نطاق واسع، بدأت بمشاهدته للمرة الأولى وبحماسة خلال الأسابيع القليلة الماضية. سأكون أول من يقول: لا يمكنك صناعة "آل سوبرانو" The Sopranos اليوم. يمكنكم إنتاج عمل عن بعض رجال العصابات في نيو جيرسي، لكن لن تكون له نكهة "آل سوبرانو" نفسها ولا لغته ولا شخصياته.
أحد الأسباب، هو أن "آل سوبرانو" يستخدم كلمات قررنا منذ ذلك الحين أنه لا ينبغي استخدامها في مجتمع مهذب. ولكن أيضاً، كان "آل سوبرانو" عملاً يدور حول حداثة من نوع معين - نوع عادة ما نشير إليه الآن بـ "الماضي". كانت المخاوف التي يتطرق إليها المسلسل حول دخول الألفية، والحلم الأميركي، والأمور التي كان الناس مستعدين للقيام بها كي يعيشوا ما كان يُعتبر إلى حد ما أسلوب عيش الطبقة المتوسطة. (بصفتي شخصاً دخل سوق العمل بعد عام 2008، أضحك كثيراً على المفهوم القائل إن المنازل الفخمة التي أفرزتها السوق الواسعة، مثل المنزل الذي يشتريه كريستوفر مولتيسانتي في الموسم السادس، يمكن اعتبارها منازل للطبقة المتوسطة، لكنني أغض الطرف).
هذه التناقضات لم تمنع "آل سوبرانو" من كسب جيل جديد من المعجبين. في عام 2020 أطلق نجما المسلسل مايكل إمبيريولي وستيف شيريبا، مدونة صوتية مخصصة له بالكامل تحمل اسم (دردشة حول آل سوبرانو)، وفي عام 2021 نشرا كتاباً كاملاً عن السلسلة بعنوان (استيقظت هذا الصباح: التاريخ الشفوي النهائي لـ آل سوبرانو).
وهذا ما يعيدني إلى تعليق أنيستون بأن "هناك جيلاً كاملاً من الناس والأطفال، الذين يشاهدون الآن حلقات "فريندز" ويجدونها مسيئة". ملاحظة هامشية، أتساءل عما إذا كان الأشخاص الذين يفعلون ذلك هم في الواقع "أطفال" أم أنهم، مثلي، من المولودين في الثمانينيات والتسعينيات ويكبرون في السن ويعودون الآن لمشاهدة الأشياء التي استمتعوا بها في سنوات شبابهم مرة أخرى. أياً كان هؤلاء الأشخاص، نعم، أنا متأكدة من أنني إذا جلست لمشاهدة عمل قديم مع طفل سأضطر إلى شرح بعض الأشياء. لكنني أفضل الاعتقاد بأن تلك المحادثات التأملية ستثري التجربة، كما أنها لن تنتقص من جوهر "فريندز"، العرض الذي كان في أبهى صوره عندما لم يكن مسيئاً.
عندما أفكر في لحظاتي المفضلة في "فريندز"، أتذكر روس وهو مختبئ في الحمام في منزل صديقته بينما كان سرواله المصنوع من الجلد عالقاً أسفل ساقيه ويغطي جسده مزيج منحوس من البودرة والكريم. أفكر في شاندلر وريتشل وهما يحاولان إصعاد أريكة على الدرج بينما ينصحهما روس بـ "الاستدارة" التي لا طائل منها. أتذكر روس وهو يعزف بشكل رهيب على مزمار القربة قبل حفل زفاف مونيكا وشاندلر، بينما كانت فيبي "ترافقه بالغناء". أفكر بـ ريتشل وفيبي وهما تتظاهران بأنهما تقفزان صعوداً وهبوطاً في ترقب لحركة روس بينما تحاولان في الواقع إخفاء حقيقة أن مونيكا وشاندلر كانا يمضيان وقتاً معاً، فينضم إليهما روس.
ليس من المفترض أن تصمد كل لحظة من لحظات "فريندز"، ولكن هذا أمر متوقع، أما اللحظات الخالدة فستبقى.