لبنة تلو الأخرى، أصبح الخلاف بين الزميلين السابقين في فرقة بينك فلويد، روجر ووترز وديفيد غيلمور، إحدى أعظم المآسي الكوميدية في تاريخ موسيقى الروك، هذا الأسبوع، احتدم الخلاف الذي كان يطفو إلى السطح بين الحين والآخر (المستعر في الغالب) منذ منتصف الثمانينيات، حيث اتخذ منعطفاً مثيراً جديداً لما وجهت زوجة غيلمور، الروائية والشاعرة الغنائية بولي سامسون، اتهاماً إلى روجرز بأنه "مدافع عن بوتين".
تعرض ووترز لانتقادات بسبب دعواته المتكررة للغرب لوقف تسليح أوكرانيا في حربها مع روسيا، وادعاءاته بأن اسمه مدرج على "قائمة المهدرة دماؤهم" الأوكرانية. وكي لا يساور أحداً أدنى شك تجاه موقف غيلمور، أكد عازف الغيتار لاحقاً كلام زوجته من خلال تغريدة تقول: "يمكن إثبات أن كل كلمة صحيحة".
لم يتأخر الرد من ووترز الذي اتهم سامسون في عام 2020 باستخدام موقع بينك فلويد كمنصة لمسيرتها الأدبية، حيث جاء في بيان على حسابه الرسمي على "إنستغرام": "روجر ووترز على دراية بالتعليقات المثيرة وغير الدقيقة التي أدلت بها بولي سامسون عنه على (تويتر)، والتي يدحضها بالكامل... إنه يحصل الآن على مشورة حيال موقفه". الأمر برمته غريب وفظيع وجنوني بطريقة تبعث على الكآبة. إنه بمثابة تحدٍ بين فرقة موسيقى ميتال وشكسبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم تقم بينك فلويد بأي شيء بفتور على الإطلاق، لذلك من المنطقي بشكل فظيع أن تفرز الفرقة واحداً من الخصومات الأكثر مرارة في الموسيقى الشعبية. في الواقع، يتحلى هذا النزاع بين المواهب صاحبة الرؤية هذه بأعظم صفات موسيقى الروك وأكثرها صخباً. تلك التي جعلت فلويد مرادفاً لموسيقى الروك لما كانت في أوجها في أواخر السبعينيات.
لو تمت صناعة ألبوم موسيقي مستوحى من هذا الصراع، كم سيكون رائعاً! يتغلب موسيقيان على أشرس الصعوبات ليغزوا العالم بأعمالهما، ثم يشب النزاع فجأة بينهما مشتعلاً بالمرارة والتفاهة. عند وصولهما إلى سن الشيخوخة، يعجزان عن التسامح (يبلغ ووترز من العمر 79 سنة وغيلمور 76). أخيراً، تهدد كراهيتهما بالقضاء عليهما.
تغلب ووترز وغيلمور على العقبات من قبل، وأبرزها مغادرة نجم الفرقة الأصلي سيد باريت. لقد كان القوة الدافعة في الأيام الأولى لـ"فلويد"، صاحب رؤية مستقبلية فريداً من نوعه في جيله اجتذب عمله كتاباً مثل ألكسندر الآن ميلن وجيه آر آر تولكين، لكن انحرافه الذي يغذيه الإدمان على المخدرات أجبره على الخروج من الفرقة وهي على أعتاب النجاح.
ووترز، الذي شارك في تأسيس بينك فلويد عام 1965، تولى قيادة الفرقة، أو كان يرى نفسه في ذلك الموقع على الأقل. كان لا يزال يعتقد ذلك في عام 1985 عندما دفع بينك فلويد لإكمال ألبوم "النسخة الأخيرة" The Final Cut الذي ما زال حياً اليوم ليس بسبب موسيقاه، ولكن بسبب أغنية تضمنها أنذرت بالتعاسة التي ستليه. كان ووترز وغيلمور شخصين عنيدين صمدا في وجه الضربات لمدة طويلة. على كل حال، انهارت علاقتهما إلى الأبد مع "النسخة الأخيرة". خلص غيلمور إلى أن غرور ووترز قد تغلب عليه أخيراً، وأن زميله في الفرقة مصمم على عمل أغنية منفردة عظيمة.
ما زاد الأمر سوءاً تصميم ووترز على تحويل بينك فلويد إلى منبر لآرائه السياسية. صور "النسخة الأخيرة" على أنه عمل سياسي بلا خجل، هجوم على مارغريت تاتشر وحرب فوكلاند. قال لاحقاً: "كانت النسخة الأخيرة حول الطريقة التي شعرنا بها، تزامناً مع إدخال دولة الرفاهية، أننا نتقدم نحو شيء يشبه دولة ليبرالية، حيث يمكننا جميعاً الاعتناء ببعضنا البعضاً، لكنني رأيت كل ذلك يمحى، ورأيت عودتنا إلى مجتمع يشبه تقريباً ذلك الذي وصفه تشارلز ديكنز في كتاباته، لكن تحت قيادة مارغريت تاتشر. شعرت حينها، وما زلت إلى الآن، أنه كان على الحكومة البريطانية اتباع السبل الدبلوماسية، بدلاً من التسرع في اللحظة التي وصلت فيها قوانا العاملة إلى جنوب المحيط الأطلسي".
أزعجت مثل هذه الشعارات زملاءه في الفرقة. بعد مرور عقود، اعترف غيلمور بأنه ربما كان يستطيع فعل مزيد لدفع المشروع أكثر. مع ذلك، فقد اتهم ووترز أيضاً بإقحام أعمال لا قيمة لها في بينك فلويد بينما كان بقية أعضاء الفرقة يحثونه على التمهل. قال، "بالتأكيد كنت مذنباً أحياناً بسب كسلي، أوصلني ذلك إلى لحظات قال فيها روجر "حسناً، ماذا لديك؟"، فأجيبه، "حسناً، ليس لديَّ أي شيء الآن. أحتاج إلى قليل من الوقت لتسجيل بعض الأفكار"، وفقاً لكتاب "مرتاحة في خدرها: القصة الداخلية لـبينك فلويد الذي أصدره مارك بليك عام 2008.
وأضاف، "هناك جوانب في كل تلك الأحداث تجعلك تقول عندما تنظر إليها بعد كل هذه السنوات "حسناً، كانت لديه وجهة نظر في ذلك"، لكنه لم يكن محقاً في رغبته في تضمين بعض الأغنيات الرديئة في "النسخة الأخيرة". قلت لروجر: "إذا لم تكن تلك الأغاني جيدة بما يكفي لإدراجها في ألبوم "الجدار" The Wall [الذي سبق "النسخة الأخيرة"]، فلماذا هي جيدة كفاية الآن؟".
لقد كان الألبوم حقاً "النسخة النهائية". شعر ووترز أن بينك فلويد استهلكت إبداعياً، واستفاد من بند في عقده يمكنه من الانسحاب من المشروع. افترض أن بينك فلويد ستنتهي بمغادرته. على كل حال، كانت لدى غيلمور وعازف الدرامز نيك ميسون أفكار أخرى. رفع ووترز دعوى قضائية لمنعهما من المواصلة تحت اسم بينك فلويد، تاركاً جميع المعنيين في حالة شلل لمدة عامين. سمحت تسوية غير قضائية لغيلمور وميسون بالاستمرار بالعمل باسم بينك فلويد في عام 1987، في صفقة وقعت عشية عيد الميلاد في قارب أستوريا الذي يتخذه غيلمور منزلاً له.
سيعبر ووترز لاحقاً عن ندمه على هذا النزاع اللعين، حيث قال لـ"بي بي سي" في عام 2013: "كنت مخطئاً، بالطبع كنت كذلك"، لكنه أضاف، "من يكترث لذلك؟ إنها واحدة من المرات القليلة التي تعلمت فيها شيئاً مفيداً من مهنة المحاماة".
اكترث غيلمور لذلك، واستمر النزاع في التفاقم. أقنع بوب غيلدوف أعضاء بينك فلويد بإحياء حفل لم شمل مذهل بعنوان "لايف 8" في عام 2005، ولكن حتى عندما اختتموا الحفل بأداء حماسي لأغنية ووترز "مرتاحة في خدرها" Comfortably Numb، كان من الواضح أن هناك نوعاً من الاستياء. تزامناً مع التصفيق الحار، وضع ووترز ذراعه حول غيلمور الذي كاد جسده يصرخ "ابتعد عني". لوح عازف الجيتار للجمهور، لكنه لم يحيي زميله في الفرقة.
بعد "لايف 8"، عرض على بينك فلويد مبلغ 150 مليون دولار مقابل جولة لم شمل موسيقية، لكن غيلمور رفض أي تعاون مع ووترز. في عام 2014، كاد يفقد صوابه لما أثارت مجلة رولينغ ستون الموضوع. قال، "لا أستطيع فهم لماذا قد يعتقد أي شخص في هذا العالم أن ما نفعله الآن سيكون له علاقة بـ[روجر]. سئم روجر من كونه في فرقة غنائية. إنه معتاد جداً على أن يكون القوة المحركة الوحيدة لمسيرته".
تابع أن روجرز ببساطة لم يكن قادراً على الأداء جيداً مع الآخرين، قائلاً، "إنه لا يجيد التعامل حتى مع فكرة عمله في شيء ينطوي على أي شكل من أشكال الديمقراطية. علاوة على ذلك، كنت في الثلاثينيات من عمري عندما غادر روجر. أنا الآن في الثامنة والستين، لقد مضى أكثر من نصف العمر. لم يعد لدينا كثير من القواسم المشتركة بعد الآن".
قد يكون عداؤهما ملحمياً، لكنه اتسم بالسخافة المذهلة أيضاً. في عام 2021، غضب الاثنان لأقصى الحدود على إعادة إصدار ألبوم "حيوانات" Animals الذي أطلقته بينك فلويد عام 1977 على أسطوانات، بسبب اختلاف رأيهما حول... الملاحظات المرافقة لإعادة الإصدار.
قال ووترز في مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي: "عارض غيلمور إصدار الألبوم ما لم تتم إزالة تلك الملاحظات... هذا جزء صغير من حملة مستمرة من قبل معسكر غيلمور/ سامسون للمطالبة بنسب مزيد من الفضل إلى ديفيد على العمل الذي قدمه لـبينك فلويد في الفترة ما بين عامي 1967 و1985 يتجاوز ما يستحقه". وادعى أن غيلمور استمر في المبالغة في مساهمته في بينك فلويد، قائلاً، "نعم، لقد كان - ولا يزال - عازف غيتار ومغنياً جيداً، لكنه كان يقول على مدى السنوات الـ35 الماضية كثيراً من الأكاذيب الضخمة حول من فعل ماذا في بينك فلويد عندما كنت لا أزال أتولى قيادتها".
جاء رد زميله السابق في الفرقة عن طريق مجلة "رولينغ ستون"، قائلاً، "تم عمل ريمكس رائع لألبوم "حيوانات"، لكن شخصاً ما حاول فرض إرفاقه ببعض الملاحظات التي لم أوافق عليها، إنه شخص متشبث بموقفه بعناد ولا يسمح بإصداره".
كما اتهم ووترز غيلمور بإدارة بينك فلويد كإقطاعية خاصة به. في عام 2020، توجه إلى منصة "تويتر" للشكوى من أنه لا تمكن مشاهدة نسخته الخاصة من أغنية "أم" Mother لـبينك فلويد على الموقع. يمكنكم تخمين على من ألقى باللوم. قال، "لا يوجد شيء من أعمالي على الموقع، لقد منعني ديفيد غيلمور من الموقع... يعتقد ديفيد أنه يمتلكه. أظن أنه يعتقد، لأنني تركت الفرقة في عام 1985، يملك بينك فلويد، وأنه هو بينك فلويد، وأنه لا علاقة لي بها ويجب أن أصمت".
اتسعت هوة الخلاف بين الثنائي عندما غزت روسيا أوكرانيا. كنة غيلمور من أوكرانيا، وكان لديه شعور ملح بأن بينك فلويد يجب أن تبدي رأيها صراحة. ومن هنا جاءت الأغنية المنفردة "هيه، هيه، انهضوا" Hey Hey Rise Up، وهي تعاون مع الموسيقي المقيم في كييف أندريه كليفينيوك، والتي جمعت الأموال لصالح صندوق الإغاثة الإنسانية الأوكراني.
قال في ذلك الوقت: "الجوانب العملية لامتلاكي أسرة ممتدة أوكرانية هي جزء من هذا... أحفادي نصف أوكرانيين، وزوجة ابني جانينا أوكرانية، كانت جدتها في خاركيف حتى قبل ثلاثة أسابيع. إنها مسنة جداً ومعاقة وتستخدم كرسياً متحركاً وتحتاج إلى شخص يرعاها، تمكنت جانينا وعائلتها من نقلها عبر أوكرانيا إلى الحدود البولندية، والآن استطاعوا إيصالها إلى السويد".
كانت لدى ووترز وجهة نظر مختلفة، حيث قال إن شيطنة روسيا في وسائل الإعلام الغربية كانت كلها "أكاذيب، أكاذيب، أكاذيب". وهو ما يقودنا إلى هذا الأسبوع وانتقاد سامسون موقف ووترز من الصراع.
إلى أين سيفضي كل هذا؟ كلما طالت فترة الخلاف، كلما زادت عبثية الأمل بأن محاربي موسيقى الروك المتقدمين هذين سيضعفان مع العمر. على الغالب، أصبحا أكثر عداوة مع مرور العقود.
في عام 2018، قال نيك ميسون، عازف الدرامز في بينك فلويد، لمجلة "رولينغ ستون": "أعتقد أن المشكلة تكمن في أن روجر لا يحترم ديفيد حقاً". وأضاف أن ووترز لم يغفر أبداً لزملائه في الفرقة مواصلة العمل من دونه في عام 1985، موضحاً:
"من المزعج حقاً أنه لا يزال يشير إلى الأمر دائماً. من المحبط فعلاً أن هؤلاء السادة المتقدمين في السن ما زالوا على خلاف".