تحول جسر عبدون المعلق، أحد أبرز المعالم الهندسية والمرورية في العاصمة عمّان، إلى محطة لمن يقدمون على الانتحار خلال الآونة الأخيرة.
ويأتي ذلك وسط ارتفاع مقلق في نسبة حوادث الانتحار في الأردن بخاصة بين الشباب والمراهقين، وفق التقرير الإحصائي الجنائي الصادر عن "إدارة المعلومات الجنائية" في الأردن، إذ سجل العام الحالي 17 محاولة حتى الآن.
أسباب مالية واجتماعية
وفي أحدث تجليات هذه الظاهرة نجح أفراد من الأمن الأردني أمس السبت في ثني سيدة خمسينية عن محاولة الانتحار، بعدما هددت بإلقاء نفسها من أعلى الجسر الذي يرتفع عن أدنى نقطة في الوادي 45 متراً.
وقبل أسابيع فقط ألقت فتاة عشرينية بنفسها من أعلى جسر عبدون تاركة خلفها رسالة نصية تشرح فيها أسباب اتخاذها هذا القرار، مشيرة إلى أنها حاولت التخلص من حياتها مراراً.
وبحسب رئيس المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن رائد المومني فقد بلغت معدلات الانتحار في الأردن العام الماضي 65 حالة، منها 45 حالة من الذكور و20 من الإناث.
ويؤكد المومني أن معظم الحالات لجأت إلى وسيلة الشنق، فيما جاءت حالات السقوط في المرتبة الثانية بواقع 10 حالات.
وحول أسباب الانتحار في الأردن تشير دراسات إلى أن 25 في المئة من المقدمين عليه يعانون أمراضاً نفسية، و20 في المئة يعانون خلافات عائلية داخل الأسرة، فيما يعاني 20 في المئة أزمات مالية.
لماذا جسر عبدون؟
يقع جسر عبدون الذي أنجز بناؤه عام 2006 في واحدة من أكثر مناطق غرب العاصمة الأردنية ثراء ورفاهية، إذ توجد أغلب السفارات الغربية والعربية، ويربط الجسر الشهير بين منطقة الدوار الرابع حيث مبنى رئاسة الحكومة ومنطقة عبدون على طول 450 متراً.
ووفق تقديرات غير رسمية فقد سجلت العشرات من حالات الانتحار من أعلى الجسر منذ افتتاحه وحتى يومنا هذا، ومنذ سنوات تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي مطالبات بحلول جذرية تمنع استخدام هذا المعلم كوسيلة للانتحار، وتركزت المطالب على اتخاذ إجراءات فنية وهندسية، فيما طالب آخرون بطلائه باللون الأخضر أسوة بتجربة جسر "بلاك فرايار" في العاصمة البريطانية لندن، الذي كان يعرف بجسر الانتحار إلى أن تغير لونه إلى الأخضر، وعندها انخفضت نسبة الانتحار بشكل ملحوظ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محاولة للفت الأنظار
ويرى مراقبون ومتخصصون أن محاولات الانتحار في الأماكن العامة في معظمها غير جادة وهدفها إيصال رسالة احتجاج، ومن بين هؤلاء مستشار الطب الشرعي والخبير في الوقاية ومواجهة العنف هاني جهشان الذي يقول إن الانتحار في الأماكن العامة محاولة لجلب الانتباه ولفت الأنظار، بسبب شيوع أجهزة التواصل الرقمية الحديثة.
ويضيف، "لا يمكن استبعاد أن تكون أية محاولة انتحار مجرد تهديد لجلب الانتباه لقضية شخصية أو اقتصادية أو سياسية، إلا أنه يصعب التفريق بين محاولات الانتحار الجدية ومحاولات لفت النظر إلا بعد استقصاء كل حال على حدة من قبل فريق متعدد التخصصات الطبية والنفسية والاجتماعية والقانونية".
ويقول إن ثمة دراسات بحثية تشير إلى أن "إحداث محاولة انتحار" بقصد جلب الانتباه أو تحقيق مطلب ما هي إلا حال نفسية بحد ذاتها تستوجب الدعم النفسي.
ويلفت جهشان إلى مسؤولية وقائية تقع على عاتق البلديات والدفاع المدني في ما يتعلق بالأبنية المهجورة أو قيد البناء والأبنية والمنشآت الشاهقة مثل الجسور وأعمدة وقواعد توصيل الكهرباء، إذ لا بد من أن تحكم معايير السلامة ويصعب الوصول إليها.
العقوبات لا تردع
من جهتها تعول الحكومة على خفض نسب الانتحار بعدما سن مجلس النواب الأردني عقوبات غير مسبوقة ومثيرة للجدل العام الماضي، طاولت كل من يحاول الانتحار في مكان عام بالحبس أو الغرامة.
ونصت العقوبات على "الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على 150 دولاراً أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من شرع في الانتحار في مكان عام أو أتى أياً من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة، وتشدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك باتفاق جماعي".
لكن هذه العقوبات لم تردع الراغبين في إنهاء حياتهم أو حتى أولئك الباحثين عن لفت الانتباه إلى قضاياهم الخاصة.
يذكر أن الأردن طوال العقد الماضي لم يتم تصنيفه ضمن الدول العربية الـ 10 الأكثر تسجيلاً لحالات الانتحار.