جزائريون يبكون البصل ويبكيهم

منذ 1 سنة 173

حلقت أسعار البصل في الجزائر عالياً خلال الأسابيع الأخيرة وألهبت جيوب الرجال في الأسواق، بعد أن كانت تسيل دموع النساء في المطابخ، لتتحول إلى قضية رأي عام في الشارع الجزائري بسبب ارتفاعها التاريخي، حتى أصبحت هذه المادة تصنف في خانة المواد الكمالية أو الفواكه.

ويبدو أن البصل كان ينتظر حلول شهر رمضان ليتغول على المواطنين مستغلاً مكانته كمادة أساسية في المطابخ لتحضير مختلف الأطباق. وارتفع سعره في بورصة الخضراوات إلى مستوى قياسي بلغ 300 دينار جزائري للكيلوغرام الواحد (2.2 دولار أميركي)، بعد أن ظل محافظاً طوال السنوات الأخيرة على أسعار في المتناول لم تتجاوز 40 ديناراً جزائرياً للكيلوغرام الواحد (0.29 دولار أميركي) على رغم موجة الغلاء التي مست معظم الخضراوات والفواكه.

وتشير تقديرات الهيئات الدولية المتخصصة إلى أن الجزائر واحدة من بين أهم الدول الـ20 المنتجة لمادة البصل، إذ يقدر معدل الإنتاج فيها بنحو 1.525 مليون طن. وتحتل المرتبة 13 عالمياً والثالثة عربياً بعد مصر والسودان، إذ يبلغ متوسط الإنتاج بحسب الفرد 35.98 كيلوغرام للفرد الواحد، أما بالنسبة إلى المساحة المزروعة المخصصة لمادة البصل فإنها تبلغ 49,896 هكتار، بمردود يبلغ 30,583.4 كيلوغرام في الهكتار.

وتقلصت المساحات المزروعة من مادة البصل بفعل التقلبات المناخية ونقص المياه، ولم يعد المخزون المتوفر في غرف التبريد يغطي الطلب بصورة كافية، مما دفع إلى التخزين بطرق مغايرة في الهواء الطلق، إضافة إلى المضاربة التي رفعت أسعار المادة لتبلغ مستويات قياسية.

أزمة متوقعة

ويقول الحاج الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين إن ارتفاع أسعار البصل في الأسواق كان متوقعاً منذ أسابيع، بعد أن عرف الإنتاج في الموسم السابق كساداً كبيراً في الأسواق.

وأوضح أن الفلاحين تكبدوا خسائر فادحة خلال موسم جني البصل السنة الماضية، وأجبرهم ذلك على بيع المنتوج بأسعار زهيدة ووصل الأمر إلى حد رمي المنتوج.

وأضاف أن غياب دراسة علمية لتحديد المنتجات المطلوبة والأكثر استهلاكاً في الجزائر ساهم في وجود زراعات عشوائية لا تراعي حاجات السوق المحلية مما يؤدي إلى مثل هذه الأزمات، ناهيك عن ضعف شبكة التخزين لتسويق الكميات الفائضة.

ومن بين الأسباب التي رفعت أسعار البصل في الجزائر، بحسب المتحدث نفسه، ضعف الإنتاج المحلي في مقابل الطلب المتزايد، إذ لا يتجاوز الإنتاج 1.5 مليون طن سنوياً بينما طلب السوق يفوق مليوني طن.

وأشار بولنوار إلى وجود أزمة عالمية بخصوص إنتاج البصل وارتفاع أسعاره في الدول المصدرة له، على غرار الصين والهند وباكستان، مما انعكس بكل مباشر على الدول المستهلكة.

وقال المستشار بالأمانة الوطنية للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائيين الرئيس السابق للاتحادية الوطنية لأسواق الجملة للخضراوات والفواكه مصطفى عاشور، إن "قلة الإنتاج وكثرة الطلب على مادة البصل خلال أيام رمضان ألهب الأسعار بشكل فاق التصورات".

ويرى أن "سعر 250 ديناراً للكيلوغرام الواحد (1.8 دولار) غير معقول تماماً، ومهما ارتفع السعر ومهما اختلفت الأسباب لا يمكن أن يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من البصل سقف 100 دينار"، مشيراً إلى أن "الوسطاء الذين صاروا يحترفون المضاربة، هم من دفعوا بالأسعار إلى الارتفاع في ظل نقص الإنتاج مقارنة بالطلب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "البصل المتداول في الأسواق حالياً هو محصول الموسم الفلاحي الماضي، تم تخزينه في غرف التبريد، وبما أننا في آخر الموسم تجد أغلب البصل جافاً من الماء ويكاد يكون فاسداً، وعلى رغم ذلك يباع بأكثر من 250 ديناراً (1.8 دولار)".

وتوقع عاشور أن "أن يعود البصل الجاف إلى سعره العادي بعد 15 يوماً، تزامناً مع بداية إدخال إنتاج الموسم الجديد إلى المناطق الغربية والمتيجة".

ولفت المتحدث إلى أنه "في السنوات الثلاث الماضية، تكبد الفلاحون خسائر كبيرة في إنتاج البصل بسبب شح الأمطار، مما دفع بكثيرين منهم إلى التحول نحو زراعات أخرى كالقمح الذي يحظى بدعم الدولة، وهو ما قلص من الكمية المنتجة للبصل خلال هذا الموسم، وبالنتيجة ارتفع سعره ووصل إلى مستويات خيالية".

حلول مستعجلة

ويرى مراقبون أن غياب آليات التخطيط والخريطة الأساسية للمنتجات وحاجات الأسواق يجعلها تعيش على وقع حال من التذبذب. ففي المواسم التي تسجل فائضاً يتم إتلاف المنتوج وتكبيد الفلاح خسائر كبيرة، وفي مواسم أخرى يكون الإنتاج قليلاً وغير كاف، فترتفع أسعاره وتحوم حوله الندرة، ليعود إليه المزارعون في مواسم أخرى على أمل الاستفادة من الطفرة، وهكذا دواليك.

ويلفتون إلى أن الإدارة الزراعية والتجارية في الجزائر ما زالت دون مستوى الضبط والتنظيم، فوفرة الإنتاج لا تقابلها إمكانات تخزين وتسويق متدرج، وحتى التخطيط والاستشراف غائبان، في ظل غياب البيانات الحقيقية حول الحاجيات الدقيقة للاستهلاك، وكيفية توزيع الإنتاج أو طلبه من المزارعين لتلبية الحاجات الداخلية أو حتى التوجه إلى التصدير.

ويقترح الحاج الطاهر بولنوار جملة من الحلول لضبط أسعار البصل، منها استيراد كميات محدودة من مادة البصل وبصفة موقتة إلى حين حلول موسم الجني المقبل الذي يبدأ في شهر مايو (أيار) المقبل، متوقعاً أن تواصل الأسعار الارتفاع بعد شهر رمضان بسبب زيادة الطلب من قبل المطاعم.

كما اقترح إصلاح مساحات فلاحية إضافية واستغلالها في زراعة مادة البصل وتطوير شبكة التخزين والتبريد، وإنجاز عدد كاف من الأسواق لتصريف المنتوج بشكل منتظم.