جر الطائرات والمشي على الجمر ممارسات احتيالية أم قدرات خارقة؟

منذ 1 سنة 159

من النادر أن نصادف أشخاصاً يتمتعون بقدرات جسدية خارقة قد تميزهم عن البقية، وذلك لأن الإنسان العادي بطبيعته البشرية، له طاقة محددة على تحمل الألم أو رفع كيلوات زائدة من الأثقال وغيرها من الأمور التي تبدو غير مألوفة للغالبية.

البعض يصنفهم على أنهم "أبطال الخوارق" وآخرون يعتبرونهم ممارسين لـ"رياضات التحدي"، التي تتطلب شروطاً ومواصفات بدنية معينة لا تتوفر في الجميع، غير أن البعض الآخر يربطونها بممارسات احتيالية ترتبط بالسحر والشعوذة.

يجرون شاحنات أو حافلات أو حتى طائرات بشعر رؤوسهم، تمر السيارات على ظهورهم المثبتة فوق مسامير أو آلات حادة، يمضعون الزجاج مضغاً أو يشربون الماء المغلي، كلها ممارسات يعجز الفكر عن تفسيرها، وإنما هي حتماً لها تفسير علمي أو طبي.

"شمشون"

أسماء مغربية عدة اشتهرت في هذا المجال المتعلق بممارسات الخوارق ورياضات التحدي، مثل عزيز صالحي، وعبد السلام دخانة، ومحمد خليل، والحسين تيكنت، وإسماعيل البهاوي، وإدريس كوراد، ومحمد الفايز وآخرون كثيرون.

وعرف كل واحد من هؤلاء ومن غيرهم بأنهم يقومون بعروض لممارسات تظهر قوى غير طبيعية، مثل الذي يجر طائرة أو شاحنة ثقيلة بشعر رأسه، أو أنهم يتمددون أرضاً لتمر فوقهم مركبات ثقيلة الوزن من دون أن يطالهم سوء أو أذى.

عزيز صالحي على سبيل المثال سبق له جر شاحنات بشعر رأسه، كما نجح ذات مرة في جر باخرة بوزن يفوق 260 طناً بحبل مربوط في وسطه من البحر في ميناء الدار البيضاء، كما حملته طائرة من شعره من ميناء مدينة طنجة في الشمال إلى ميناء جزر الخالدات.

أما محمد خليل فقد جرب أكثر من مرة مرور عشرات الدراجات النارية على جسده، كما شوهد في عروض علنية يحضرها آلاف الناس وهو يدفع سيارة بالاستناد على سيف.

من جهته، يقدم إسماعيل البهاوي عروضاً خاصة بجر سيارات عبر حبل بواسطة أسنانه وقوة جسده، بينما حطم إدريس كوراد الملقب بـ"دالاس"، الرقم القياسي العالمي بالصمود ساعة ونصف تحت مياه جامدة، ونجح في الصمود أمام تكسير 350 لبنة على رأسه.

من جانبه، جرب عبد السلام دخانة جر القطار بصنانير مثبتة في جلد ظهره، وقضبان في بطنه، ووضع العقارب والأفاعي على جسمه من دون أن يطاله أذى، بينما خاض محمد فايز مغامرات جر مركبات ثقيلة الوزن بحبل مثبت في رأسه.

قوى غير عادية

وبدأت مسيرة "بطل الخوارق" عزيز صالحي (47 سنة) مبكراً عندما كان في الـ13 من عمره، منذ صغره كان يتدرب على هذه الممارسات المتسمة بالتحدي، خصوصاً لما اكتشف لديه قدرة بدنية وصفها بـ"الهائلة وغير العادية".

وبحسب صالحي، فإن "جر شاحنة تزن أطناناً فقط بشعر الرأس أو بالأسنان، أو بمحيط الخصر عبر حبل يتدلى من المركبة ليس شيئاً يسيراً، إذ يتطلب كثيراً من التركيز والإعداد، من أجل ضمان نجاح العملية التي تكون محفوفة بالمخاطر إذا عمد إلى القيام بها شخص هاو أو غير متمرس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته يعتبر محمد الفايز، الذي يمارس ألعاب الخوارق منذ عشر سنوات، أنه من الخطأ الاعتقاد بأن جر شاحنة بشعر الرأس، أو المشي فوق جمر النار دون إحساس بالألم، هو أمر يستطيع أي إنسان القيام به بالتدريب فقط.

وتابع شارحاً "يجب أن يتمتع الشخص الممارس للخوارق بقوى بدنية وروحية غير اعتيادية، يمكن اعتبارها هبة ربانية خاصة، وليس كما يعتبر البعض بأنها من تأثير السحر والشعوذة، فالسحر لن يمنعه من الشعور بالألم"، كما يقال.

واستطرد المتحدث عينه بأن كل ما في الأمر أن هناك أشخاصاً بعينهم يتوفرون على هذه القوى الخارقة، التي عادة تظهر منذ الصغر عبر إشارات أو أحداث تقع، لكن بالتدريب والتطوير يعزز الشخص قوته ليقوم بأشياء يراها الناس أموراً خارقة عن العادة.

مشكلات ومعيقات

ويبدو أن كل ممارسي هذه الحركات والرياضات الخارقة يميلون إلى انتقاد ما يعتبرونه إهمالاً لهم من قبل المجتمع والسلطات المعنية، بدليل أنهم لا يتوفرون على أية مكاسب من هذه الممارسات سوى شهادات تقدير أو هدايا رمزية يتسلمونها في مناسبات أو استعراضات عابرة.

في هذا الصدد، يقول صالحي إن "من يمارس الخوارق يحتاج إلى عناية فائقة لتطوير كفاءاته ومهاراته، من أجل الاستمرار في إنجازاته وخوارقه، ومن ذلك توفير تدريب خاص وأنواع معينة من الطعام، وذلك يحتاج مصاريف ونفقات".

من جهته، يقول الفايز إن أكثر التحديات التي تواجه هذه الفئة من الأشخاص في المغرب، هي أولاً عدم العناية بهذه الممارسات والألعاب التي تستوجب طاقة وجهداً وقوة كبيرة.

وتابع "ثاني المشكلات هي عدم وجود هيئة أو تنظيم مقنن يجمع هؤلاء الممارسين، إذ تكثر العشوائية في هذا المجال، بل هناك من حول هذه الخوارق إلى طريقة لكسب المال من طريق خداع الناس وادعاء قوى خفية أو علاج أمراض مستعصية".

وأما ثالث المشكلات التي تعرقل مسار صاحب الخوارق، وفق المتحدث، هي "عدم الاستمرارية وغياب من يرث تلك الممارسات، بسبب عدم وجود أي رؤية محكمة لتدبير هذا المجال، فضلاً عن نظرة الشك والريبة من قبل البعض تجاه ممارسي الخوارق".

عطايا ربانية أم طقوس احتيالية؟

وإلى جانب جر الشاحنات والطائرات وتحمل الألم وغير ذلك من خوارق، فهناك أشخاص يعمدون إلى أكل الزجاج بأسنانهم من دون أن يحصل لهم أي مكروه، ومنهم من يشرب الماء الساخن المغلي وتبقى أمعاؤهم سليمة معافاة.

ويسمي المغاربة الأشخاص الذين يمارسون هذه الطقوس الغريبة الخارقة "عيساوة"، وعيساوة في الواقع طائفة معروفة بالجذب الصوفي والغوص في ما يسمى الارتقاء بالروح فوق الجسد.

ويقول أحد العيساويين، الذين يمارسون طقوس شرب الماء الساخن المغلي، ومضغ الزجاج بسهولة وتقطيع الجلد بالسكين دون ظهور جروح، وترويض الأفاعي السامة، إن "الأمر يتعلق بعطايا ربانية تتيح للعيساوي عدم الشعور بألم الجسد، وتجعله ينتشي بالألم لذة جسدية وروحية غريبة".

وتبعاً للمتحدث عينه، فإن العيساوي عند ممارسة هذه "الخوارق" والطقوس إنما يعكس قدرات فوق العادة لا تتاح لأغلب البشر، ولهذا فهي أشبه بالكرامات التي يجب على الناس أن يقدروها، بالتالي أن يجلوا ويحترموا أصحاب هذه الخوارق.

ويرد على هذا الكلام الباحث في علم النفس الاجتماعي، عبد اللطيف رغيب، قائلاً إن أصحاب هذه الممارسات أحد صنفين، الأول يمارس الشعوذة والسحر الذي ينطلي على الناس من خلال إيهامهم بكونهم مثلاً يشربون الماء المغلي من دون مشكلات أو يمشون فوق النار أو يأكلون الزجاج، والفئة الثانية تركز على إظهار قدرات غريبة، مشدداً على أهمية "عدم استغلال هذه الممارسات لكسب المال والاحتيال"، وفق تعبيره.

ويعلق بدر الدين قباج، أخصائي الطب الفيزيائي والتأهيل البدني، على هذه الخوارق، بالقول إن "كل جسم يختلف عن الآخر بطريقة أو بأخرى، فهناك من تكون درجة تحمله أعلى من غيره، وهناك من لديه مؤهلات بدنية أكبر من غيره، لكن بالمقابل لا يمكن تفسير ذلك بقِوى غير طبيعية أو قوى خارقة".

وتابع الأخصائي ذاته موضحاً بأنه "يمكن للشخص بالفعل أن يجر شاحنة بحبل مثبت في شعر رأسه أو بواسطة صدره، فذلك يتوقف على مدى تمتعه بمؤهلات بدنية خاصة تكون أعلى من غيره، لكنها أيضاً بحاجة إلى تدريب وتأهيل وتطوير".

وبخصوص حالات شرب الماء الساخن أو أكل الزجاج، أوضح أنها أعمال خطيرة ومؤذية للجسم بكل تأكيد، حيث إنه إذا لم تضر صاحبها في الحال لسبب أو لآخر، فلا شك أنه سيخرب وظائفه الحيوية لاحقاً، الشيء الذي يعرضه للهلاك والموت.