يسارع الرسام جاد للوقوف أمام جدار في شوارع غزة وحجزه قبل أن يصله فنانو الغرافيتي، وعلى الفور يبدأ في تجهيز رشيته ودهاناته ذات الألوان الجذابة ليخطط على الحائط رسمته التي تحث سكان القطاع على إعادة تدوير النفايات والحفاظ على نظافة الأماكن العامة.
ويلتقط جاد فرشاة الزاوية ويغمس شعيراتها في الدهان الأخضر ويبدأ بالرسم على الحائط، يحرك يده بطريقة انسيابية فهو يدرك ماذا يرسم، وباستمرار يبدل الفنان بين أكوام ريشاته والألوان التي تحيطه ليبدع في تخطيط الزوايا والحواف.
اختارت هيئة الشباب في غزة جدران الشوارع وسيلة تخاطب مع الجمهور (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
حملة توعية
أنجز جاد لوحة فنية على الحائط تضم رجالاً وأطفالاً ونساء وعمال نظافة، وجميعهم يسهمون في جمع النفايات من شوارع المدينة بطريقة الفرز، ويحرصون على وضع البلاستيك في الحاويات ذات اللون الأخضر المخصصة لذلك النوع من القمامة لإعادة تدويره من جديد.
يعود الفنان بضع خطوات إلى الوراء وينظر إلى لوحته بتمعن شديد ليتأكد من جهوزية الرسمة ويقول، "الشكل الجمالي النهائي للوحة مهم، فهو يحمل رسائل مجتمعية يقرأها السكان وتؤثر فيهم، ويدركون معنى الألوان المستخدمة لأن لغة الريشة لا تحتاج إلى شرح، ويفسرها كل شخص بحسب عقليته لكن في النهاية نصل إلى رسالة مجتمعية مهمة".
وبعناية اختار جاد ألوان لوحته الغرافيتية، فلكل لون تأثيره ودلالته ويتم اختياره وفق قواعد مدروسة، مضيفاً "وضع برنامج الأمم المتحدة للبيئة سياسة صفر نفايات، وطلب من الدول تخصيص حاويات بألوان مختلفة مع وضع إشارة إعادة التدوير عليها، وخصص الأخضر للبلاستيك والأزرق للورق والأحمر للزجاج وهكذا، وبات ذلك متعارفاً عليه، فدلالات الألوان لا تحتاج شرحاً لإيصال الرسالة، ولها تأثيرات أخرى أيضاً على نفسية المارة".
شعار توعوي على جدار في أحد شوارع غزة المكتظة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
اهتمام بالفئات الهشة
ويعمل الرسام جاد على رسم لوحات غرافيتي على جدران غزة ضمن مبادرة مجتمعية تنفذها بلديات القطاع بإشراف مباشر من هيئة الشباب (مؤسسة حكومية)، وتهدف إلى نشر رسائل توعية لسكان غزة في مجالات مختلفة.
وتقول منسقة مبادرة اللوحات الفنية الاجتماعية رنا جودة إن "الهدف تفعيل الأماكن العامة عبر الاهتمام بجميع الشرائح المجتمعية، بمن فيهم النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه لفتة مجتمعية تحمل رسائل توعية حول ضرورة وحق هذه الفئات في الحصول على الخدمات والوصول إلى هذه الأماكن".
وفي شارع مكتظ بالمارة من سكان غزة، بدأ الرسام معتصم بتخطيط شعار توعوي يتوجه فيه إلى النساء، وطلى جداراً ضخماً باللون الرمادي يوحي بالحزن، ثم غمس شعيرات الفرشاة بالطلاء الأبيض وأخذ يخط كلمات على الحائط.
كتب معتصم "لأنك أساس الحياة، والحياة بك أجمل، الكشف الباكر خير لك من العلاج"، وهي رسالة توعية لنساء غزة يحثهن فيها على الكشف الباكر عن سرطان الثدي، وحرص عند تخطيطه كلمات لوحته على استخدام اللون الأبيض ليدلل على السلام والمحبة، والأصفر ليوحي بالسعادة والطاقة.
لوحة تنبذ تعنيف الصغار (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
نبذ العنف
وعلى رغم أن لوحة معتصم عبارة عن كلمات فقط إلا أنها تحمل رسائل مهمة، يقول "توعية النساء مهمة ولا بد من مخاطبتهن بصورة مباشرة في القضايا التي تخصهن، فهن جزء من المجتمع وسواسية مع الفئات الأخرى، ولذلك خصصنا في مبادرتنا المجتمعية جزءاً كبيراً من لوحات الغرافيتي تخاطب النساء وتحث على إجراء الفحوص اللازمة كل عام".
وعند بوابة إحدى المدارس استغلت الفنانة ريتا جداراً غير ملون وعملت على طلائه باللون الزهري ليجذب الأطفال، ورسمت لوحة تنبذ فيها تعنيف الصغار وتدعو إلى حمياتهم ومعاملتهم بلطف لبناء جيل قوي مستقر نفسياً.
كانت لوحة ريتا غالبة على الكلام ومكانها مميز جداً، فهي عند بوابة المدرسة التي يرتادها الأطفال مع أولياء الأمور كل صباح لتوصيلهم إلى مقاعدهم التعليمية، وتهدف من اختيارها ذلك الموقع إلى أن يشاهدها الآباء والأمهات كل يوم ليثبت في عقولهم أن العنف من الممنوعات في تربية الأطفال.
لوحة تحث سكان غزة على إعادة تدوير النفايات (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
وقد رسمت ريتا الشخصيات بطابع فلسطيني واستخدمت الزي المتعارف عليه في الأسرة، فهي تحاول أن تكون قريبة جداً من طبيعة المجتمع.
وتقول، "حتى تكون اللوحة أقرب إلى الواقع رسمت الأم وهي تلبس الحجاب والأب يرتدي عبقة محلية، وهذا يجعلها تلامس عقول الأطفال وأهاليهم، وحينها يدركون أنها تخاطبهم، وفي البداية كنت أفكر بلوحة فيها شخصيات ترتدي زياً مختلفاً عما رسمته، لكني أدركت أنها لن تصل إلى عقول المارة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجدران وسيلة تثقيف مستمرة
وتقول مدير دائرة الفنون الثقافية في هيئة الشباب أحلام الشاعر إنهم ينفذون باستمرار حملات لرسم لوحات غرافيتي على جدران غزة حتى باتت غالبية شوارع القطاع والجدران العامة مرسوماً عليها، مضيفة، "أخيراً عملنا على تجديد اللوحات الفنية وقمنا بطلاء الجدران ورسمنا عليها من جديد رسومات تحمل دلائل مجتمعية في إطار حملة لحماية الفئات الهشة من الأطفال والفتية والنساء، إضافة إلى توعية المجتمع حول ملفات بيئية وصحية واقتصادية".
وتتابع، "كما الحملات الإعلامية فإن لوحات الغرافيتي باتت وسيلة للتثقيف وتوعية الناس في قطاع غزة، وعادة ما نعتمدها أسلوباً فعالاً في الوصول إلى أكبر عدد من المجتمع، خصوصاً مع محدودية الوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى قطاعات واسعة من المواطنين، كما نلاحظ أن لها فعالية وتأثيراً في سكان غزة".