♦ الملخص:
فتاة تُحب الفقراء، وتشارك في العمل التطوعي منذ كانت في الجامعة، لكنها لَمَحَتْ من الفقراء جحودًا ونُكرانًا بعد أن ينتهي المشروع الذي تخصِّصه لهم، والشيطان يوسوس لها بأن تترك الأعمال الخيرية، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
أنا فتاة في منتصف العشرينيات، أحب مساعدة الفقراء، وأشفق عليهم كثيرًا، وكنت متطوعة أثناء الفترة الجامعية في إحدى الجمعيات الخيرية لتقديم المشروعات الصغيرة للأسر الفقيرة، وتعلقت بالحالات الفقيرة كثيرًا، وكنت أتابع أحوالهم باستمرار، وأساعدهم، ولكن بعد أن تتسلم الأسرة المشروع، وتتحسن أحوالهم المادية، تتغير معاملتهم معي، كأنهم أخذوا مني ما يريدون وانتهى الأمر، حتى إنني في إحدى المرات زرت منزل أحدهم للاطمئنان عليهم، وقاموا بتقديم الغداء لي، وما إن بدأت أتناول الطعام، حتى لاحظت أنهم ينظرون إلى طعامي؛ فتركت الطعام، وشكرتهم، وانصرفت، ومن بعد هذا الموقف قررت أن أترك العمل التطوعي، وأن أركز في دراستي، وبعد التخرج انشغلت بالبحث عن وظيفة، وفي إحدى المرات حدثني أحد الأشخاص عن أسرة فقيرة، فقمت بزيارتهم، وقدمت بحمد الله مساعدات كثيرة لهم، وبعد فترة كان رب الأسرة مريضًا، ويحتاج إلى عملية جراحية، فتواصلت مع العديد من الأطباء، وتمت العملية بالمجان والحمد لله، وقررت أن أتواصل مع الجمعية التي كنت متطوعة بها في السابق؛ من أجل مساعدتهم على توفير مشروع لهم، ولكن ما يضايقني أنني لاحظت أن الزوجة لا تحبني، وعندما أذهب لإعطاء مبلغ ماليٍّ لهم، تكون غير سعيدة، وتتعمد أن تنسب الفضل للجمعيات ولأشخاص آخرين، وتنكر أي شيء أفعله، أقسم بربى أني لا أفعل ما أفعل إلا لله، ونيتي أن يرزقني ربي في الدنيا والآخرة، ولكن الجحود والنكران يؤلمانني كثيرًا، لا أعرف لماذا أصبح البشر بهذه القسوة، مع أني أعامل الفقراء والأغنياء نفس المعاملة، وبمنتهى الاحترام، وأحيانًا يوسوس لي الشيطان أن أتخلى عن هذه الأسرة، ولا أوفر لهم المشروع، أشعر بالضيق وبكراهية البشر، خاصة أني تعرضت لصدمات كثيرة من أصدقائي، وها أنا أتعرض لصدمات أخرى من الفقراء أيضًا، أرجو نصيحتكم، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- تعرُّضكِ لصدمات من نكران الجميل لأعمال طيبة، قمتِ بها؛ لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
٢- ثم تقولين: إن الشيطان يوسوس لكِ أن تتركي مجالات الأعمال الخيرية.
٣- وأنكِ تشعرين بضيق وبكراهية للبشر؛ بسبب تعرض لصدمات من صديقاتكِ، ومن الفقراء أيضًا.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: اعلمي يقينًا أن ما وُفِّقتِ إليه من أعمال خيرية هو رزق وتوفيق عظيم من الله سبحانه؛ لأن سبحانه الرزاق قال: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، ومن الواجب عليكِ استشعار فضل الله عليكِ بهذه النعمة، ومن ثَمَّ شكر الله سبحانه عليها بقلبكِ ولسانكِ وجواركِ؛ حتى تزيد وتقوى، ويُباركِ الله فيها؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
ثانيًا: الشكر الحقيقي النافع لكِ هو شكر الله سبحانه لكِ، وليس شكر البشر، وشكر الله تعالى لكِ يعني قبول عملكِ والبركة فيه والثواب العظيم عليه، إما في الدنيا وفي الآخرة معًا، أو في الآخرة فقط، وهو الأعظم.
ثالثًا: ما حصل لكِ من نكران وجحود هو نوع من الابتلاء لكِ، ولصبركِ، ولإخلاصكِ، ولا تدرين لعل الله جعل في هذا النكران نعمة كبيرة لكِ لا تُقدَّر بثمنٍ، كفَّر به خطايا عظيمة عنكِ، وأنتِ لا تعلمين، ولو علمتِ بذلك لفرحتِ بذلك فرحًا عظيمًا.
رابعًا: من تمام إخلاصكِ ألَّا تربطي حماسكِ للعمل الخيري أبدًا بشكر الناس لكِ، بل اربطي إخلاصكِ برغبتكِ في نفع الناس وكسب الأجر العظيم من لدن الرب الكريم سبحانه، وانظري وتأملي الحديث الآتي لتعرفي عظم فضل الله عليكِ، وعظم أجركِ مع الإخلاص؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله))، وأحسبه قال: ((وكالقائم الذي لا يفتُر، وكالصائم الذي لا يُفطِر))؛ [متفق عليه].
خامسًا: نصيحتي لكِ ألَّا تلتفتي أبدًا لوساوس الشيطان المثبطة عن العمل الخيري، وألا تربطي محبتكِ للناس أو كرهكِ لهم بما قد يصدر عنهم من شكر أو نكران.
سادسًا: البشر فيهم الشكور الذي يعرف قدر فضل الناس عليه بعد فضل الله سبحانه، ويشكرهم كثيرًا، وفيهم من بطبيعته الناقصة المتناقضة لا يشكر، بل قد يجحد ويضر المحسن، والمُحسن يحمد الله على شكر من شكره، ويصبر على أذى من جحد واستكبر، متذكرًا فضل الله عليه بالتوفيق للإحسان، وما يترتب عليه من الثواب.
سابعًا: أنصحكِ بأن تكثري من سؤال الله سبحانه الإخلاص والتوفيق؛ لأن الله سبحانه هو الموفق وحده، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجه الله عز وجل، صوابًا على سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].
حفظكِ الله، ورزقكِ الإخلاص والثبات.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.