وسط ازدياد معاناة السكان اليمنيين في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية جراء نقص الكهرباء ورداءة الخدمة المقدمة وارتفاع الأسعار، أججت الجبايات المفروضة في هذا القطاع الخلاف بين قادة الميليشيات، وصولاً إلى الصف الأول.
وبحسب مصادر مطلعة في صنعاء، أعلن القيادي محمد البخيتي المعين وزيراً للكهرباء في حكومة الانقلاب الحوثي غير المعترف بها أن الأول من الشهر الحالي هو موعد بدء سريان التسعيرة الجديدة للكهرباء التجارية، وسط اعتراض نائبه القيادي عبد الغني المداني الذي ينافس مع آخرين للحصول على حصة الأسد من العائدات.
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الصراع لا يزال في تصاعد مستمر بين القياديين البخيتي والمداني عقب قرار الأول بفرض تسعيرة جديدة بلغت 310 ريالات للكيلواواط الواحد (الدولار نحو 560 ريالاً)، وإلغاء رسوم الاشتراك الشهري من فواتير الكهرباء التجارية، ورفض الثاني تطبيق ذلك القرار.
وأشارت المصادر إلى أن التسعيرة الجديدة التي أقرها البخيتي قوبلت برفض من قبل ملاك محطات الكهرباء التجارية في صنعاء (جلهم حوثيون ويتلقون التوجيهات والدعم من المداني)، لافتة إلى أن التسعيرة الجديدة تُعدّ الثالثة التي أعلنت عنها الميليشيات خلال الأشهر الماضية دون تطبيقها على أرض الواقع.
وأفادت المصادر بأن المداني المتحدر من صعدة (معقل الميليشيات)، الذي ينتحل حالياً صفة مدير عام مؤسسة الكهرباء، إضافة إلى منصبه نائباً للوزير في الحكومة الانقلابية، لجأ إلى عقد سلسلة لقاءات علنية وسرية مع معظم ملاك محطات توليد الطاقة التجارية، خصوصاً الموالين للجماعة، من أجل تحريضهم على رفض أي قرارات يصدرها البخيتي.
ويشرف المداني (بحسب المصادر) على عشرات المحطات الكهربائية التابعة للانقلابيين والدفاع عنها وتذليل جميع الصعاب والعراقيل أمامها، لكونها استثمارات لها ارتباط خاص ومباشر بمكتب زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتصاعد فيها النزاع داخل أروقة الانقلابيين في هذا القطاع؛ فقد سبق نشوب صراع مماثل في أواخر العام قبل الماضي بين القيادي أحمد العليي، ونائبه المداني، على خلفية إصدار الأول قراراً بخفض التسعيرة وإلغاء الاشتراك الشهري في الكهرباء التجارية.
ويأتي احتدام ذلك الصراع بين قادة الميليشيات في وقت لا يزال فيه سكان في صنعاء يشكون من ارتفاع رسوم الاشتراك الشهري لخدمة الكهرباء التجارية إلى أضعاف ما كانت عليه قبل صدور أي قرارات حوثية بتخفيضها.
ويصف السكان قرارات الميليشيات السابقة والحالية بالتخفيض وإلغاء الاشتراكات بـ«الكذبة التي تضاف إلى كذبات الميليشيات السابقة»، لافتين إلى وجود ضعف كبير في الكهرباء المزودة لهم عبر شركات تجارية، وإلى الانقطاع المتكرر للتيار.
وكان القيادي الحوثي محمد البخيتي أعلن قبل أسابيع قليلة عن تحديد سعر الوحدة المبيعة من قبل ملاك المولدات الخاصة بـ310 ريالات، في حين أن تسعيرة المؤسسة العامة بـ300 ريال.
وسبق ذلك إعلان القيادي الانقلابي أحمد العليي بمنتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2021 عن تخفيض سعر الكيلوواط الحكومي إلى 200 ريال، والخاص إلى 260 ريالاً، بمناسبة احتفالات الجماعة بـ«المولد النبوي»، وهو القرار الذي لم يُطبَّق بسبب الصراع بين قادة الميليشيات على موارد هذا القطاع.
ويقول السكان في العاصمة اليمنية صنعاء إن الميليشيات تتعمد في كل مرة خداع السكان من خلال اتخاذها سلسلة قرارات تزعم أنها تراعي مصالحهم وتخفف من معاناتهم، وهي في حقيقة الأمر قرارات «وهمية» لا تُطبَّق على أرض الواقع.
وبما أن القيادي في الجماعة، المداني، يملك نفوذاً كبيراً، فقد سبق له أن نجح على مدى فترات سابقة في التخلص من ثلاثة وزراء سابقين بحكومة الانقلابيين، بعد تعمده إشعال خلافات حادة معهم انتهت بإقالتهم من مناصبهم.
وفي مطلع يونيو (حزيران)، العام قبل الماضي، أقالت سلطة الانقلابيين في صنعاء وزير الكهرباء في حكومتها، عاتق عبار، ويتحدر من شبوة، وذلك عقب يومين من خلافات على النفوذ والمال نشبت بينه وبين القيادي المداني.
وذكرت حينها وكالة «سبأ»، بنسختها الحوثية، أن الميليشيات في صنعاء أصدرت قراراً يقضي بتعيين أحمد محمد العليي وزيراً للكهرباء بحكومة الجماعة غير الشرعية.
وسبق ذلك اقتحام المداني برفقة مسلحين من صعدة مكتب عبار، ومنعه من دخول مكتبه في مبنى الوزارة، ثم تصاعد الخلاف لاحقاً ليصل إلى درجة إقالة الوزير الآخر العليي من منصبه، وإصدار حكومة الميليشيات قراراً بتعيين محمد البخيتي خلفاً له.
وكانت مصادر مطلعة في صنعاء كشفت، في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، عن استعدادات تجريها الجماعة الحوثية لإنشاء ما يسمى «مجلس تنظيم أنشطة الكهرباء التجارية»، وذلك ضمن مساعيها الرامية إلى بسط كامل نفوذها على ما بقي من أعمال هذا القطاع.
ويأتي استعداد الجماعة لاستحداث هذا الكيان الجديد متوازياً مع شن لجان ومسلحين تابعين لها حملات ميدانية طالت بالتعسف والإغلاق خمس محطات كهرباء تجارية من أصل 29 محطة بمديرية شعوب في صنعاء بزعم مخالفتها للتعليمات.
وشكا حينها مالك محطة كهرباء خاصة بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من ابتزاز وجور الميليشيات وبطشها، على خلاف تعاملها مع الموالين لها ممن أنشأت لهم محطات بصورة مخالفة، وحتى دون تراخيص رسمية.
وتأتي الممارسات الانقلابية المتكررة بحق مالكي مولدات الطاقة الكهربائية الخاصة وغيرهم، في وقت لا تزال فيه خدمة التيار الكهربائي الحكومية منعدمة في صنعاء والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الجماعة، منذ مارس (آذار) 2015.