تعد جبال اللوز في تبوك (شمال غربي السعودية) قرب الحدود الأردنية واحدة من أروع التحف التي خلقتها عبقرية الطبيعة، وتتجلى تفاصيل مشاهدها البديعة مع بدء فصل الشتاء، إذ تظهر تضاريسها الجبلية وهي تتأنق بهندسة تداخل الصخور الشاهقة مع الوديان الخضراء وأشجار اللوز الخصبة في مشهد يتوشح بطبقة من الثلوج اللامعة.
وتعتبر تبوك وجبال اللوز وثلوجها واحدة من الوجهات السياحية المفضلة لدى السعوديين في فصل الشتاء، إذ تكتسي في شهرَي يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) برداء أبيض يخطف الأنظار وهي المنطقة الوحيدة في السعودية التي تشهد تساقط للثلوج سنوياً، ويقصدها هذه الأيام عدد كبير من السياح الخليجيين والمتنزهين في عطلة تمتد لأسبوع.
ويعزو خبراء المناخ والأرصاد في السعودية ذلك البياض الثلجي الموسمي إلى ارتفاع المنطقة الذي يعد جبلها الشهير "جبل اللوز" أحد أعلى القمم الجبلية في المملكة، "مما يجعل المنطقة عرضة لاستقبال تأثيرات المنخفضات الجوية القطبية والتيار النفاث القطبي"، وبحسب الخبراء "تحمل الكتل الهوائية الباردة من القطب الشمالي درجات حرارة فائقة البرودة وتصل هذه الكتلة الباردة إلى ارتفاع 5500 متر عن سطح البحر، وتتجاوز درجات الحرارة فيها -40 إلى -45 درجة مئوية". ويكون هذا التأثير أكثر وضوحاً في الطبقات القريبة من سطح الأرض، وحين تدنو الكتلة من قمم الجبال السعودية الشمالية.
ويشير الخبراء إلى عوامل أخرى ومنها درجات الحرارة حين تكون دون الصفر عند ارتفاع 1500 متر، إضافة إلى الرطوبة العالية في طبقات الجو المختلفة وتتوافر هذه الظروف بفضل تأثير المنخفضات القطبية القوية.
ويوضح المتخصص في علم الطقس عبدالعزيز الحصيني عبدالعزيز الحصيني أن أجواء المنطقة "تتسم خصوصاً في أوقات الفجر بدرجات حرارة تنخفض إلى الصفر وما دون الصفر، مع ارتفاع الجبل (جبل اللوز) الذي يصل إلى 2580 متراً ويقوم بدور محوري في هذا السياق، إذ إنه أعلى القمم الجبلية الموجودة هناك".
ويضيف أن النماذج العددية للطقس تشير إلى احتمالية تساقط الثلوج في يناير وفبراير بإسهام قوي من هبات الرياح القطبية.
بياض يكتسح التاريخ
وتتسامى القمة الجبلية كشاهد تاريخي حي على عمق الحضارة القديمة، إذ تتجسد تلك الحضارات من خلال النقوش التي ترتسم على صخورها، مما يجعلها محطة في خريطة التراث الثقافي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، يقول الباحث في علم الآثار مالك السليمي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن البحوث التي أجراها فريق من وكالة الآثار والمتاحف التابعة لوزارة المعارف، الهيئة الوطنية للتراث حالياً، أظهرت وجود آثار تشهد على تاريخ الاستيطان البشري في المنطقة، بينها بناء حجري من الغرانيت في أعلى الجبل يتميز بأعمدته الدائرية وعدد من الغرف حيث اكتشفت قطع فخارية ملونة تعود للألف الأول قبل الميلاد.
ويلفت السليمي إلى وجود فنون صخرية تمثل أشكالاً بشرية وحيوانية، إذ تبرز أشكال الأبقار ذات القرون المقوسة والقرن الواحد كتحف فنية تعود للعصر الحجري الحديث، مما يعكس الإبداع الفني للإنسان في شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة، إضافة إلى وجود نقوش عربية قديمة وإسلامية، مما يثبت استمرارية الحضارة البشرية في المنطقة حتى العصور الإسلامية المتأخرة.
وتبوك التي تحيط بها مع الثلوج مرابع التاريخ والآثار يعود تاريخها لما قبل الميلاد بـ500 سنة، كما تشير آثارها إلى أنها كانت موطناً لأمم عدة قبل الإسلام كالعرب البائدة مثل ثمود والأراميين والأنباط، وهي البوابة الشمالية للمملكة وطريقاً حيوياً يعبره الوافدون من الشام وما وراءها.