ضجة وتساؤلات في أوساط أدباء العراق وفنانيه وصحافييه. والسبب هو إعلان وزارة الثقافة عن إطلاق المنحة المخصصة لهم والمُستحقة عن العام الماضي، 2022. إن المستفيدين، حصراً، هم المنتمون لاتحاد الأدباء وجمعيتي التشكيليين والشعراء الشعبيين ونقابتي الفنانين والصحافيين. يحصل كل واحد على بطاقة ماستر كارد تتيح له تسلم المنحة، صادرة عن مصرف الرافدين.
يعيش الأديب العربي، عموماً، حالة مزرية. يشتغل الكاتب في مهن مختلفة ويتشبث بحلم الكتابة فلا تنضب موهبته. وفي العراق الأمر أنكى. وفي مرحلة سوداء يذكرها الجميع باع أدباء وأساتذة جامعيون مكتباتهم لكي يشتروا الطعام والدواء لعائلاتهم. شمّر السماسرة عن سواعدهم وتسرّبت آلاف المخطوطات الثمينة إلى دول الجوار. وصلت آثار بلاد الرافدين إلى مزادات باريس ولندن ونيويورك. جرى تهريب لفائف التوراة التاريخية إلى إسرائيل، تلك التي كُتبتْ في بابل قبل قرون وحُفظت في صناديق من الفضة. الفلوس لا تشتري العروس فحسب، بل والنفوس.
لماذا الأمر أفدح في العراق؟ لأن الطيبين الذين أدركتهم حرفة الأدب يسمعون في الأخبار ويقرأون في الصحف عن سرقات بمليارات الدولارات. يهرب اللصوص وتُلفلف القضايا ويعودون أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم. كم تبلغ منحة الأديب والفنان والصحافي الذي يجاهد لكي يعيش؟ قبل سنوات قلائل تقرر منح مليون و200 ألف دينار لكل واحد منهم. ثم تقلصت المنحة السنوية إلى مليون. ثم انقطعت لتعود في العام الماضي بمبلغ 600 ألف دينار. وبما أنها لا تُصرف إلا بعد انقضاء السنة المالية فقد جاء الإعلان المشار إليه عن توزيعها هذا الأسبوع. ومرة أخرى تقلّصت المنحة إلى 317 ألف دينار. يعني 240 دولاراً. الشغالة المنزلية تتقاضى هذا المبلغ في الشهر، لا في السنة، في دول عربية نفطية مثل العراق.
يتخرج الشبان والشابات في كليات الآداب والفنون وغيرها ولا يجدون وظيفة. الوظائف تباع بمبالغ محددة وتفتح باب التكسّب. كانت الشهادات المزورة تُشترى في العهد السابق من سوق «مريدي»، واليوم تباع الدكتوراه على النت من جامعات خلبيّة لا يعرف أحد لها درباً. هل تجدي الشهادة العلمية في تحسين معيشة الكاتب؟ كنا، في الأيام الخوالي، نتسلم مرتباتنا وفوقها نسبة إضافية تحت بند «غلاء المعيشة». وكان دينارنا المحترم يشتري 3 دولارات والغلاء مقدوراً عليه.
تقرأ تعليقات الأدباء والصحافيين في وسائل التواصل وتتفهم مرارة ما يشعرون به. يقول أحدهم إن المنحة وفق التعليمات تُحسب «للشخص الواحد»، أي على الرأس، مثل الماشية. لا يؤخذ في الاعتبار الوضع الاجتماعي للمتلقي ولا عدد أطفاله والأفراد الكفيل بإعالتهم. وكتب الشاعر العراقي نصيف الناصري الذي يعمل جامع قمامة في السويد: «لا أتذمر من عملي في الزبالة لأنني أعيل نفسي بنفسي. أُحاول الكتابة والإخلاص لمشروعي الأدبي ولا أَتورطُ في العمل مع سياسيين طائفيين حرامية».
ثم يأتيك من يعيّر آلاف الأدباء والفنانين العراقيين المقيمين في الخارج بأنهم يتلقون معونات مالية من جهات غريبة. ينسى الوزير الفلاني والنائب العلاني أنه يحمل جنسية أوروبية أو أميركية وبأنه كان معارضاً يتلقى معونة اللاجئ وعطايا من جهات أخرى. واليوم تفتح الدول الغربية ملفات العشرات الذين احتفظوا بتلك المساعدات الشهرية ومزايا الضمان الصحي رغم أنهم عادوا للجلوس على كراسي الحكم في البلد الأم. ساق هنا وساق هناك. بهلوانات.
من المحزن أن ميزانية وزارة الثقافة هي الأقل بين الوزارات. كما أن أسلوب المنح أو المكارم لا يحلّ مشكلة. جاء في تعليمات الوزارة: «يستثنى من صرف المنحة الأشخاص المتوفون».