ثلاثية بدل ثلاثية... ويسْلم الجميع

منذ 1 سنة 253

المألوف اتخاذه عندما تكون هنالك حالة على درجة من التعقيد ويتأثر بتداعيات مفاعيلها وأفعال ممَن في حوزتهم فائض قوة وسلاح أولئك الذين في حوزتهم حقوق وطنية مشروعة مقرونة بمخاوف على هذه الحقوق، أن يصار إلى جولات من الحوار في شأن هذه الحالة. إنما لتحقيق ذلك يتجرد المسلح من سلاحه، ما دام الطرف الآخر غير مزنِّر خاصرته بجناد فيه من القذائف ما يحشو بها مسدساً أو بندقية أو رشاشاً. وعندما يتوافر هذا المشهد، تصبح تجربة الحوار قابلة للتنفيذ، ويسجل الذي في يديه ورقة السلاح على أنواعه النية الطيبة إزاء البدء بجولات من الأخذ والرد وتبادُل الرؤى والاقتراحات، وماذا سيأخذ هذا الطرف مقابل ما سيحصل عليه الطرف الآخر.
وحيث إن الحالة متعثرة في لبنان؛ فإن الحوار الذي دائمةٌ المطالبةُ به من جانب الذين هم مستملكو السلطة ضمناً ومكاسبها على أنواعها المعلَن منها والمستور، لا يلقى التجاوب، لأن كفة مَن يملك شأن القوة العسكرية تبقى الراجحة، من دون أن تكون في نهاية المطاف المرجحة عند صياغة الحلول. وهذا يتبدل إذا ارتأى الممسك بورقة السلاح تسجيل وقفة نوعية تكتسب تلقائياً عند التنفيذ صيغة الموقف. أما الوقفة، فهي إذا أعلن أنه من أجل مصلحة الجميع تتقدم على مصلحة طيف دون سائر الأطياف يعلِّق شرط الإقرار بثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة»، ويستبدل بها ثلاثية «الوطن والشعب والتنمية» وإرفاق ذلك بعهد لا مجال لاختراق جوهره ومضمونه؛ بأن سلاح «حزب الله» ليس للاستعمال ولا للخروج من مخازنه إلا عندما يداهم الخطر حدود الوطن وما بعد الحدود من محاولة اجتياح، ويتطلب جيش البلاد مساندة من أفراد الشعب قاطبة يؤدي فيها الجميع الواجب الوطني؛ كل في حدود خبرته وإمكاناته، إلى جانب مَن هو القادر على استعمال السلاح.
وأما إذا كان الوطن في منأى عن التهديد، فإن هوية المقاومة هنا تكون مجتمعية، إلى جانب ممارسة مهمات أمنية داخلية بتكليف أو تنسيق من السلطة الرسمية. هنا نستحضر، على سبيل المثال لا الحصر، حالات في استطاعة المقاومة، وتحديداً المقاومة التي أنشأها «حزب الله»، تأدية المهمة الناجحة في حال القيام بها. ونجزم القول على أساس أن منطقة البقاع - بعلبك - الهرمل، خصوصاً بعض البلدات والجرود تشهد باستمرار نشاطاً بالغ الخطورة أحياناً على صعيد الاستيلاء على السيارات ونزع أرقامها ثم المتاجرة بها، ومن دون أن يكون في استطاعة الأمن الرسمي وضع حد لهذه الظاهرة البشعة. كما هنالك تجارة المخدرات إلى جانب زراعة الحشيش الذي قننت الدولة إجازة استثمار زراعية له. وما يعزز انتشار الظاهرة البشعة أنْ لا تنمية من جانب الدولة لهذه المنطقة المترامية الأطراف من لبنان، مع أنها صالحة للاستثمارات على أنواعها. وفي غياب تنمية الدولة، فإن «حزب الله» شق الطريق إلى معظم مفاصل المنطقة، وبات مسؤولاً عنها في نظر الدولة، فضلاً عن أنها باتت بمثابة الخزان للحزب عند الحاجة إلى مجندين، وليست بعيدة عن المشهد المأساوي حالات التدخل عند الطلب في القتال السوري - السوري إلى جانب النظام، بل إن وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب «حزب الله» تعلن، بين الحين والآخر، وبالصورة، أسماء شبان بقاعيين وبعلبكيين وجنوبيين ذهبوا للقتال في سوريا نصرةً للنظام، ثم جاءت كارثة الزلزال تعطي فكرة عما نشير إليه، وهي أهمية أن تكون المقاومة مجتمعية.
قبل بضعة أيام حدثت واقعة مؤلمة، تتمثل في أن ثلاثة من أفراد الجيش اللبناني استُشهدوا في عملية مداهمة لمطلوبين يمارسون العمل غير القانوني وغير الحضاري والمحرَّم دينياً. وهؤلاء ما كانوا لينشطوا وتصل بهم الحال إلى حد إطلاق الرصاص من أسلحتهم الرشاشة ضد جنود الوطن لو أنهم ليسوا في حِمى، وإن غير معلَن من «حزب الله». وإذا جاز القول، فإن المهمة التي قام بها الجنود المأسوف عليهم كان من واجب «حزب الله»، لو أنه يعتمد «المقاومة المجتمعية»، القيام بها. وهو في ذلك يسجل مأثرة تُحسب له عند رب العالمين؛ ذلك أن المخدرات التي هي إحدى الهنات غير الهينات التي يمارس تجارتها أولئك الذين طاردهم جنود الوطن، تمعن أفدح الأذى بأطياف من أبناء الأمة، خصوصاً إخواننا الخليجيين الذين يتم تهريب المخدرات لهم.
وإلى ذلك، فإن اعتماد المقاومة المجتمعية يتيح المجال أمام إنشاء صناعات صغيرة على أنواعها في تلك المنطقة التي جرت المطاردة فيها. وهذه الصناعات تغني عن البطالة المستشرية، كما أنها، إضافة إلى تنشيط الزراعة، ستجعل المنطقة التي يتباهى «حزب الله» بأنها نوع من الإقطاع الإيماني له، مزدهرة.
وإلى ذلك أيضاً، فإن الأخذ بالمقاومة المجتمعية، بحيث تترسخ وتكتسب مع الوقت صيغة التجربة الرائدة، تشكل حالة استباقية في التعامل مع مفاجآت ستحدُث ولو بعد حين ليس دهرياً. وزيادة في التوضيح، يمكن القول إن ما هو قائم في سوريا لن يدوم، وبالتالي لن تعود الخاصرة السورية على ما هي عليه منذ أن وضعت الثورة الإيرانية بعض أصابع يديها على الصدر السوري، بحيث بات، بعد ست سنوات بشارية، يشكو من ضيق تنفس افترض أن إشراك أصابع مماثلة بوتينية كفيل بتخفيف الوطأة.
لكن النظام البشَّاري في الطريق إلى إعادة نظر ينتهي بموجبها النظام بعد العودة إلى الحضن العربي، وفق النصح العماني واللهفة المصرية والإماراتية والجزائرية والأردنية، إلى صيغة الحُكم بالمشاركة. وفي ضوء ذلك، تُطوى صفحة الاحتضان الذي بلغ أدق درجات التحالف، بل حتى إن تحالف «حزب الله» على مدى السنوات البشارية، الذي أثمر تحالف «حزب الله» مع الطيف المسيحي الماروني الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون، كان عبئاً غير معلَن عنه من النظام البشاري، وكان في المقابل قطفاً لزرع لم يتمكن النظام الإيراني من جنيه على النحو المأمول، بدليل التعامل من جانبه مع الغارات الإسرائيلية ضد مواقعه ومخابئ أسلحته وصواريخه وذخائره في سوريا المرسَلة إلى «حزب الله» في لبنان، حيث إنه لا يرد على هذه الغارات ويجاريه النظام البشاري في عدم الرد، ولا يطلب من «حزب الله» الرد والاكتفاء بالاحتجاج مرفقاً في استمرار بكيل القدح والذم بأميركا وتعبئة جمهوره في هذا المنحى.
وأهمية المقاومة المجتمعية، في حال التغيير الآتي في سوريا، أن مَن سيتولون المناصب السيادية (أي السُنة في أكثر المناصب السياسية والأمنية) ربما يفضلون من الطيف الشيعي اللبناني ألا يكون كالذي هو عليه، خصوصاً من أجل الزيارات المقامية.
يطول التأمل في تداعيات ما هو آتٍ من مفاجآت صاعقة. لكن صيغة المقاومة المجتمعية قد تكون سفينة، مثل سفينة نوح، يُنجِي الصعود إليها، كما كان طوال سنوات لبنانية - سورية يتمنى المرء عدم حدوثه... وفي التبصر السلامة للبنان الرئاسي والمصرفي، إلى جانب الازدهار المتواري. والله المعين.