جاسوس يستقر في كفّك نهاراً وينام تحت وسادتك ليلاً. والمقصود الهاتف الذكي. وقد ورد هذا الوصف في تقرير عن الجهود المبذولة لتأمين الاتصالات الهاتفية ومنع التطفل عليها. كان مواطنو الدول ذات الأنظمة البوليسية يمارسون التقية حين يتحدثون في الهاتف. جهاز أسود كبير يربض في صالون البيت، أو على مكاتب الموظفين. يؤمن الكل بأن الأجهزة السرية، أي آذان الدولة، تسمع كل شيء.
يحدث في أكثر الأنظمة ديمقراطية أن يجري التنصت على هواتف المواطنين، أيضاً. والفرق هو أن الأمر في هذه الأخيرة لا يمرّ مرور الكرام. تكشفه الصحافة ويُساق جواسيس الهاتف إلى المحاكمة، حتى لو كانوا من عظام رقبة رئيس الدولة.
قبل 40 عاماً تورط الرئيس ميتران في قضية شهيرة للتنصت على هواتف مجموعة من الصحافيين والناشطين. والسبب كاتب وصحافي يدعى جان أدريان هالييه، اكتشف وجود ابنة غير شرعية للرئيس وراح يثرثر ويهدد بنشر كتاب عنوانه «شرف فرانسوا ميتران الضائع». يحدث أن تراقب الجهات الأمنية بعض الهواتف في إطار السلامة العامة ومكافحة الإرهاب. ويمنع القانون التلصص خارج ذلك الإطار. خاف ميتران على ابنته الصغيرة مازارين، ودخل في رأسه أن خصومه قد يخطفونها لكي يضغطوا عليه. سأل جهاز أمن الدولة، فرفض رئيسه تنفيذ طلبات التنصت. استعان بصديقه المقرب رولان دوما، وزير الشؤون الخارجية، لكن دوما قال إن مراقبة هالييه خارج نطاق عمله. وهو قد كتب في مذكراته أن الرئيس قال له: «إنه يهدد بخطف مازارين يا رولان. يقول إنها ابنة الخطيئة. ماذا تفعل لو كان الأمر يتعلق بابنتك؟».
جرى تأسيس خلية داخل القصر الرئاسي وشراء المعدات اللازمة. تم فرز 40 خطاً هاتفياً وضعت تحت المراقبة. وراح فريق من العاملين يتابع التسجيلات ويدون الخطير منها. ثم تسربت المعلومات إلى الصحافة واندلعت فضيحة كبرى أدت إلى محاكمة 12 شخصاً من كبار العاملين في القصر.
في شتاء 1997، كان هالييه يركب دراجة هوائية في منطقة النورماندي فسقط عن الدراجة ومات. ولم يشهد الحادث شاهد. ثم تعرضت خزانة غرفته في الفندق للسطو، وفيها وثائق تخص ميتران ودوما. مات الرجل وبقيت شخصية واحدة تثير تساؤلات المحققين، من بين كل الذين تنصت عليهم القصر. إنها الممثلة كارول بوكيه، أجمل جميلات الشاشة الفرنسية. ما علاقتها بالموضوع كله؟ بعد سنوات صدر كتاب كشف أن المقصود بالتجسس على الممثلة هو شريك حياتها، المنتج السينمائي العراقي الأب، اللبناني النشأة، جان بيير رسام. فقد كانت له اتصالات بالجزائر وبالقذافي.
آخر أخبار كارول بوكيه اتهامها الرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان بالتحرش بها. ذكرت في مقابلة تلفزيونية أنه طرق عليها باب شقتها، ذات مساء من أواخر 1981، من دون موعد مسبق. كان قد غادر الحكم حديثاً بعد خسارته الانتخابات أمام ميتران، وأخبرها أن صديقاً له كان يقيم في المكان نفسه، وهو يودّ زيارة المنزل ليعرف ما حلّ به. تقول: «استغربت الزيارة، وكنت أرتدي روب المنزل، ومعي طفلي ديمتري ذي الثلاثة أسابيع. وتركت الرئيس يتجول في البيت وكنت لطيفة معه وقدمت له كأساً من الشراب».
بعد 20 عاماً من تلك الزيارة، تقابل الاثنان في سهرة بالأوبرا. وفوجئت كارول بوكيه بجيسكار يقول لها إنه كان محبطاً بعد لقائه بها في بيتها، لأنها أساءت معاملته ولم تتجاوب معه. إن النساء يقعن أسيرات الرجل الذي يملك السلطة. وهي قد ردت عليه: «غلطان بالنمرة... لست منهن».