«توب تن» من القمامة

منذ 1 سنة 146

> في بيروت السبعينات ولدت منافسة بين هذا الناقد، الذي كان جديداً في المهنة، وآخر سبقه في الميدان أدت، فيما أدّت، إلى التسابق والمنافسة في مجال الكتابة والإتيان بالنقد السديد والخبر الجديد. منافسة قوية، وفي الوقت نفسه ضرورية، لأنها وحدها تشحذ الهمم وتبلور الأفكار وتُفيد المتلقي في أي عمل، أكان سينمائياً أو سواه.

> ذات يوم، توجهت إلى شركة مترو - غولدوين - ماير في بيروت لكي أحصل على صور لبعض أفلامها الجديدة. في ذلك الحين، لم يكن هناك كومبيوتر خارج المؤسسات العلمية والعسكرية في الدول الكبرى، والحصول على صور من فيلم كان يمر عبر طلبها من شركات التوزيع وتأتي على شكل صور فوتوغرافية إما على ورق مقوّى أو بحجم A4

> كان الوقت ظهراً، والباب مغلق. قررت العودة في اليوم التالي وشرعت في مغادرة المكان في الطابق الرابع من مبنى على أطراف شارع الحمرا. لكن ما استوقفني فجأة برميل قمامة موضوع عند باب الشركة، نظرت إلى المحتوى بفضول وشاهدت ورقة غير ممزقة تحمل نتائج «التوب تن» في بيروت موجودة فوق كمٍّ كبير من الأوراق والملفات المهملة.

> حينها كانت إيرادات الأفلام المعروضة في صالات بيروت، من أسرار شركات التوزيع وصالات السينما، لكنها ها هي الآن تقع بين يدي. فرحت بذلك وما هي إلّا 24 ساعة ونُشرت كما هي بالعناوين والأرقام غير القابلة للنقض.

> في الأسبوع التالي، ذهبت إلى الشركة نفسها لأطلب تلك الصور. كان الباب مفتوحاً وقابلني الشاب المسؤول قائلاً: «كيف حصلت على التوب تن الذي نشرته؟». أجبته: «من زبالتكم في صندوق القمامة».

> ضحك وقال: «سنُبقي صندوق القمامة داخل المكتب حين نغادره». ترك مكتبه ليحضر الصور المطلوبة وحين عاد سألني: «هل تود الحصول على توب تن الصالات كل أسبوع؟»، قلت: «يا ريت». قال: «لا تبحث عنها في الزبالة بل تعالَ هنا واطلبها مني كل يوم اثنين على شرط ألّا تقول لأحد من أين حصلت عليها».

> ربحت جولة ضد منافسي وداومت نشر «التوب تن»، إلى أن نشبت الحرب الأهلية وكانت صالات السينما من أولى الأهداف التي دمّرها المتقاتلون، كونها كانت ملتقى لكل الفئات والأديان والتوجهات السياسية. وأقفلت معظم شركات الأفلام الأميركية مكاتبها ورحل عن البلد من رحل وأنا من بين أوائلهم.

> لم تصبح قوائم «التوب تن» متاحة للنشر إلا بعد سنوات عديدة وكان (ولا يزال) غريباً أن تنشر محطات التلفزيون عموماً «التوب تن» الأميركي (المُشاع لمن يرغب) عوض «التوب تن» المحلي. هل لا يزال ذلك مهمّاً اليوم؟ فقط للراغبين والمتخصصين وبعض صانعي الأخبار.