يُجري العاهل البحريني الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة زيارة مهمة إلى مصر، التقى خلالها والوفد المرافق له بالرئيس عبد الفتاح السيسي. وترتبط أهمية الزيارة الحالية بجملة من الاعتبارات الرئيسة، خصوصًا المكانة الرمزية للزيارة باعتبارها تأتي في بداية الحقبة الجديدة للرئيس السيسي، ما يؤكد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، فضلًا عن السياق والتطورات الإقليمية التي تأتي في ظلها الزيارة، خصوصًا ما يتعلق باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتطورات التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وهي اعتبارات أكسبت هذه الزيارة وما يترتب عليها من تنسيق أهمية كبيرة.
سياقات مهمة للزيارة
تحظى زيارة ملك البحرين إلى مصر بأهمية كبيرة، في ضوء جملة من الاعتبارات، وذلك على النحو التالي كما رصدت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات :
1– الحقبة الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي: تأتي زيارة العاهل البحريني إلى مصر في أعقاب حلف الرئيس السيسي اليمين الدستورية لولاية جديدة، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الأمر الذي يحمل دلالات رمزية سياسية تعبر عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين، ويؤكد على حجم الإسناد والتضامن والدعم الثنائي بين البلدين.
الجدير بالذكر أن العلاقات بين البلدين راسخة ومتجذرة تاريخيًا، على اعتبار أن مصر من أوائل الدول التى اعترفت بدولة البحرين بعد حصولها علي الاستقلال عام 1971، ومع ذلك كان مُلاحظًا أن العلاقات الثنائية بين البلدين أخذت دفعة قوية في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 بمصر والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وذلك في ضوء كون البحرين من أوائل الدول التي رحبت بثورة يونيو، جنبًا إلى جنب مع اعتبارات أخرى وعلى رأسها المقاربة الخارجية المصرية والتي ركزت بشكل رئيس على توطيد العلاقات مع الدول العربية والخليجية الشقيقة، هذا بالإضافة إلى وجود العديد من المشتركات السياسية بين البلدين، خصوصًا ما يتعلق بقضايا مكافحة التطرف والإرهاب، وما يتعلق بنهج السياسة الخارجية تجاه قضايا المنطقة.
2- توالي الزيارات: يحتفظ البلدان بنسق متواصل من الزيارات بين قيادتهما، فكانت آخر زيارة أجراها الشيخ حمد بن عيسى إلى القاهرة في أكتوبر ٢٠٢٣ للمشاركة في قمة القاهرة للسلام، فيما أعقبتها زيارة مهمة لمستشار الأمن الوطني البحريني الفريق الركن ناصر بن حمد آل خليفة، مستشار الأمن الوطني وقائد الحرس الملكي وأمين عام مجلس الدفاع الأعلى بمملكة البحرين في 5 مارس الماضي، والتقى خلالها بالرئيس عبد الفتاح السيسي. ولعل تكثيف الزيارات البحرينية عالية المستوى إلى مصر في الآونة الأخيرة يكشف عن حجم التنسيق الاستراتيجي الثنائي بين البلدين على كل المستويات.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الزيارة السابقة للشيخ “ناصر” أن لمصر والبحرين علاقات ود ومحبة وأخوة تاريخية بين الدولتين والقيادتين والشعبين فهناك تعاون واسع ومتنوع، كما أن هذا لا يمكن أن ينفصل عن علاقات مصر المتميزة بالخليج العربي مؤكدًا أن دول الخليج العربي دائمًا في عقل وبال مصر والمصريين، وهموم الخليج هي هموم مصر وشواغله شواغل مصر والآمال والطموحات مشتركة، والتعاون دائم.
3- نظرة مصر إلى أهمية تعزيز التعاون العربي: لا يمكن فصل الزيارة الحالية لملك البحرين عن المقاربة المصرية في ملف السياسة الخارجية، والتي يُنظر فيها إلى ملف العلاقات المصرية الخليجية، والعلاقات المصرية العربية، كأحد الأولويات والثوابت الرئيسة بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية. وبشكل خاص، تدور العلاقات المصرية الخليجية حاليًا في فلك يتسم بالتغيرات المتسارعة والمعقدة عالميًا وإقليميًا، الأمر الذي يُولد العديد من التحديات المشتركة، ويخلق في المقابل المزيد من فرص التعاون، بما ينعكس على منظومة التعاون العربي بشكل عام.
4- استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: تفرض القضية الفلسطينية، وفي ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نفسها على أجندة التنسيق الثنائي والمشترك بين مصر والبحرين، وذلك مع التركيز الثنائي على بعض الأولويات والتطورات الرئيسة، أولها استمرار المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير الشعب الفلسطيني قسرًا أو طوعًا، وثانيها تكثيف المساعي والتحركات الإسرائيلية وأحيانًا الأمريكية من أجل فرض أمر واقع جديد في قطاع غزة بما يخلق أوضاعًا أمنية وسياسية جديدة في القطاع، وثالثها هو توظيف إسرائيل للملف الإنساني ضد الشعب الفلسطيني وتنامي معدلات الكارثة الإنسانية بقطاع غزة، ورابعها هو تنامي وطأة التحركات العسكرية الإسرائيلية في الضفة وزيادة حجم الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بالضفة؛ وهي كلها تطورات تفرض نفسها على أجندة التنسيق المشترك بين الجانبين.
5- التصعيد في منطقة الشرق الأوسط: تأتي زيارة العاهل البحريني إلى مصر في ظل سياق وبيئة إقليمية تشهد اضطرابات واسعة على وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفي اللحظة الراهنة بات شبح “الحرب الإقليمية” أقرب من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، تنطلق رؤية كل من مصر والبحرين من قناعة راسخة أولًا بضرورة إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وثانيًا من ضرورة احتواء التصعيد المترتب على هذه الحرب، خصوصًا في أعقاب الهجمات الإيرانية الأخيرة ضد إسرائيل، ورد الفعل الإسرائيلي المحتمل على هذه الهجمات. وفي هذا السياق، يفرض التصعيد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط نفسه على أجندة مباحثات الدولتين وتحركهم في الفترات المقبلة، خصوصًا وأن مسارات التوتر التي تشهدها المنطقة تؤثر بشكل مباشر على الدولتين وتحمل تداعيات سلبية بالنسبة لهما.