تقرير: الشعب الصيني سيعيش عامين أطول بفضل "الحرب على التلوث"

منذ 1 سنة 150

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل عشر سنوات، كان ضباب دخاني كثيف أصفر ورمادي اللون يحجب رؤية كل شيء تقريبًا في العاصمة الصينية. وبهدف أن يحمي السكان أنفسهم عمدوا إلى إغلاق نوافذهم، ووضع أقنعة الوجه، وأجهزة تنقية الهواء هربًا من "التلوث الهوائي الكارثي" (air-pocalypse) في بكين.

وكانت جودة الهواء سيئة للغاية، وذاع صيتها على مستوى العالم، ما دفع بقادة الصين إلى إعلان "حرب على التلوث" بلغت كلفتها مليارات الدولارات.

وبعد مرور عقد من الزمن، بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها. فقد سجّلت مستويات التلوث بالصين في عام 2021، انخفاضًا بنسبة 42% مقارنة بعام 2013، بحسب ما ذكره تقرير جديد صدر الثلاثاء.

تلوث الهواء في الصين سماء الصين في ديسمبر/كانون الأول 2016. Credit: GREG BAKER/AFP via Getty Images

وأشاد تقرير مؤشر جودة الهواء السنوي الصادر عن معهد سياسات الطاقة في جامعة شيكاغو، "بالنجاح المذهل الذي حققته الصين في مكافحة التلوث".

كما سُجّل تراجع طفيف بمستويات التلوث على مستوى العالم بين عامي 2013 و2021، وردّ التقرير السبب "إلى التقدم الذي أحرزته الصين". مشيرًا إلى أنّه لولا التحسينات التي حقّقتها الصين، لكان متوسط ​​التلوث في العالم ارتفع.

وذكر التقرير أيضًا أنّ التحسّن يعني أنّ متوسّط ​​عمر المواطن الصيني أصبح الآن أطول بمقدار سنتين وشهرين (2.2 سنة).

وكانت المدن الصينية اعتادت على تَصدُّر التصنيف العالمي لأسوأ نوعية هواء في العالم. وفيما لا يزال بعضها مدرجًا ضمن تلك القوائم، إلأ أنّ العديد من المدن تجاوزتها بجنوب آسيا والشرق الأوسط.

وفي عام 2021، حققت بكين أفضل جودة شهرية للهواء منذ الأرقام القياسية المسجّلة في عام 2013، وحينها قال وزير البيئة، بحسب ما تناقلت وسائل الإعلام الرسمية: "أصبحت سماء بكين الزرقاء، تدريجيًا الوضع الطبيعي الجديد".

لكنّ التقرير حذّر من أنه لا يزال على الصين القيام بالكثير من العمل، لأنّها ما برحت تحتل المرتبة الـ13 ضمن قائمة الدول الأكثر تلوثًا في العالم. ولا يزال التلوث الجزيئي في بكين، أي الملوثات الصغيرة لكن بالغة الخطورة التي يمكنها الإفلات من دفاعات الجسم البشري المعتادة، أعلى بنسبة 40% منها في المقاطعة الأكثر تلوثا بأمريكا.

وأفاد التقرير أنّه رغم أنّ مستويات التلوث الجزيئي في الصين تقع ضمن معاييرها الوطنية، إلا أنها "تتجاوز بشكل كبير" إرشادات منظمة الصحة العالمية.

لكن التقدّم الذي تم إحرازه في الصين يُظهر أنّ التغيير ممكن، إذا كانت الحكومة وشعبها لديهما الرغبة والقدرة على مباشرة العمل.

وورد في التقرير أنه منذ عام 2014، حدّدت الحكومة الصينية عدد السيارات على الطرق في المدن الكبرى، وحظرت إنشاء مصانع جديدة تعمل بالفحم في المناطق الأكثر تلوثًا، وخفّضت الانبعاثات أو أغلقت المصانع القائمة، وحدّت من النشاط الصناعي عالي التلوث مثل صناعة الحديد والصلب.

ولفت التقرير إلى أنّ "أساس هذه الإجراءات عناصر مشتركة تتمثّل بالإرادة السياسية والموارد البشرية والمالية التي تعزّز بعضها. فعندما يمتلك الجمهور وصناع السياسات هذه الأدوات، يصبح تحقيق الهدف أكثر احتمالا".

الهواء القاتل في جنوب آسيا

ولا يقتصر هذا الواقع على الصين بل ينسحب على أماكن أخرى حيث أصبح فيها الوضع أسوأ.

فقد ورد بالتقرير أنّ منطقة جنوب آسيا أصبحت الآن "مركز التلوث العالمي"، فهي موطن الدول الأربع الأكثر تلوثًا: بنغلاديش، والهند، ونيبال، وباكستان، التي تشكل مجتمعة نحو ربع سكان العالم.

وأضاف التقرير أن من يعيش فيها يفقد خمس سنوات من عمره بسبب التلوث. وهذه الحصيلة أعلى في المناطق الأكثر تلوثًا.

وبينما انخفض تلوث الهواء بشكل مضطرد في الصين على مرّ السنين، إلا أنّه ارتفع في جنوب آسيا إلى مستوى يؤثر على متوسط ​​العمر المتوقّع أكثر من تأثير تعاطي التبغ أو المياه غير الآمنة.

وفي الهند، يُعتبر الخطر أكبر بسبب الكثافة السكانية والعدد الهائل من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية شديدة التلوث.

وشهدت هذه البلاد نمواً سكانياً هائلاً، ونموًا اقتصاديًا وصناعيًا على مدى السنوات العشرين الماضية. ونتيجة ذلك، ارتفع الطلب على الطاقة واستخدام الوقود الأحفوري بشكل كبير. وفي بنغلاديش، تضاعف عدد السيارات على الطريق ثلاث مرات في الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2020.

وأشار التقرير إلى أنّ الحكومات في هذه البلدان بدأت بتشكيل مبادرات وسياسات لخفض التلوث، لكنها قد تواجه مهمة أكثر صعوبة بسبب الاختلاف في القوة الاقتصادية والبنية التحتية.

ولفت إلى "أنّ البلدان التي تعاني من أسوأ معدلات التلوث اليوم لا تملك الأدوات التي تحتاجها لسد هذه الثغرات الأساسية في إدارة جودة الهواء"، مثل إنشاء بيانات موثوقة حول جودة الهواء يمكن الوصول إليها بشكل عام.

وتواجه إفريقيا التي تشكل نقطة ساخنة أخرى للتلوث، صعوبات مماثلة. فرغم وجود أموال عالمية ضخمة لمساعدة الدول الإفريقية على مكافحة المخاطر الصحية مثل فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، والملاريا، والسل، لكن ما من دعم مماثل مخصص لمكافحة التلوث.

وأضاف التقرير أن المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية والجهات المانحة من القطاع الخاص قد تقطع شوطًا طويلًا في بناء البنية التحتية اللازمة، لكنه أوضح أن "هذا لن يحدث راهنًا".