ليس في الذاكرة تسارع في العمل على تفكيك المشاكل العربية، كمثل الورشة القائمة الآن. وتوحي هذه السرعة وكأننا أمام مواضيع سهلة وطرق بلا حواجز وعقبات. لكن الحقيقة أننا أمام عقبات حادة وإرادة عازمة. والأسلوب كما هو واضح، هو طابع الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر التلكؤ هدراً للوقت، وهدر الوقت أكبر الخسائر.
لا شيء سهلاً فيما هو مطروح. لا عودة سوريا «إلى محيطها العربي»، وليس فقط إلى الجامعة، ولا في الأزمة اللبنانية، ولا في إعادة النازحين، ولا في إعادة إعمار سوريا، ولا في إعادة ترتيب الجو العربي الإيراني، ولا في كل جو ثنائي أو جمعي آخر. لكن الحيوية التي جعلها الأمير محمد مقياساً لتفكيك الأزمات وتراكماتها، تنبئ وكأن العرب سوف يصلون إلى قمة الرياض في الشهر المقبل، وقد اتفقوا على حل لمعظم القضايا العاجلة والشديدة الخطورة. صحيح أن هناك خلافات في وجهات النظر والمواقف، لكن المبادئ العامة لا نزاع عليها.
ولكي نأخذ فكرة أكثر وضوحاً عن طبيعة ما يجري، الأفضل أن نقرأ بيان جدة في دقة، لا وجود للتعابير العمومية المكررة ولا للمجاملات المعهودة، بل مشروع والتزامات مفصلة في مستوى التحديات التي تمزق المنطقة منذ سنين.
ديناميكية واحدة حرّكت الدبلوماسيات في الجغرافيا السياسية على مداها: الصين وروسيا وأنقرة ومسقط والقاهرة ودمشق وطهران. وشغلت واشنطن وباريس ولندن. لم يسبق أن كانت ورشة الشرق الأوسط على هذا الاتساع وهذه الجديّة. وقد يحين موعد قمة الرياض، والعالم العربي أمام مشهد غير مسبوق من المصالحات وعودة العلاقات الطبيعية، والدخول في شراكة حقيقية نحو التنمية، بعيداً عن المواضيع الإنشائية والمحسنات اللفظية التي لا تقول شيئاً إلا ما فاض به الأرشيف.
بيان جدة منعطف تاريخي في معالجة القضايا وإطلاع الشعوب على ما يجب أن تعرفه. أي أن تشارك في معرفة ما يصنع باسمها وما يبذل وبأي طريقة. وهي حالة صحية أيضاً أن تطلع على نقاط الخلاف تماماً مثل نقاط الاتفاق.
لا وقت للإضاعة. خلال برهة قصيرة، تبادل السفارات الأسرى، تبادل المبادرات. هذه ثقافة جديدة في العمل السياسي العربي، سواء بين العرب أنفسهم أو بينهم وبين القوى الدولية، ما قدم منها وما استجد.
كانت القمم العربية في الماضي ترسخ الخلافات والمهاترات. سوف نشهد قمّة عقدت من أجل أن تعمل وأن تنجح.