السؤال:
السلام عليكم،المسجد عندنا كبير و فيه اعمدة، و قد يصلي بينها حوالي اربعون مسلم، و على اطراف الصف المتقطع يصلي سبعة، طيب في الظهر و العصر لا يوجد كثير من المصلين ومع ذلك بعض الناس مصرّين على الصلاة بين الاعمدة وعند الكلام معهم بأدب يبدؤون بالصراخ هل اتمم الصف الذي بين الاعمدة مع العلم ان المسجد فيه فراغ، او اترك الصف المتقطع و اصلي مع ناس اخرين قد انشؤا صفا خلف الصف المتقطع وليس وحدي؟ ثم هل اصلي في الصف المتقطع لكن على اطرافه لا؟ و اخيرا هل الصلاة في الصف المتقطع لاجتناب المناوشات افضل رغم كراهة ?
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد
فقد دلت السنة المطهرة على كراهة الصلاة بين السواري (الأعمدة) حتى لا تتقطع الصفوف؛ فإذا لم تقطع الأسطوانة الصف فلا كراهة؛ كما روى ابن ماجه ن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: "كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عنها طردًا"، والحديث فيه ضعف.
ولكن روى أحمد أبو داود والنسائي والترمذي عن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس يوم الجمعة، فدفعنا إلى السواري، فتقدمنا أو تأخرنا. فقال أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ قال الترمذي: حديث أنس حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم: أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك.
وهذا الحديث ظاهر في الكراهة ولكن لا يفيد التحريم؛ لأن النهي عن هذا لا يصح.
جاء في " المغني " لابن قدامة (2 / 220) : "لا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين، لأنها تقطع صفوفهم، وكرهه ابن مسعود والنخعي، وروي عن حذيفة وابن عباس.
ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وبن المنذر؛ لأنه لا دليل على المنع.
ولنا ما روي عن معاوية بن قرة... ولأنها تقطع الصف فإن كان الصف صغيرًا قدر ما بين الساريتين لم يكره؛ لا ينقطع بها ". اهـ.
إذا تقرر تبين أن الصلاة بين الأعمدة مكروهة، فيجب النصح لأهل المسجد بلطف وعلم، فإن لم لم يتركوا ذلك أو ترتب على النصح شقاق ونفرة، فالواجب حينئذ ترك النصح، وعدم الإنكار على من يفعله؛ لأن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين؛ كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، ومن ثمّ يسوغ أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وخوفا من التنفير؛ كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية وخشي تنفيرهم بذلك؛ وقد بوب عليه الإمام البخاري فقال: "صحيح البخاري" (1/ 37): "بابٌ من ترك بعض الاختيار، مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه".
وما أعظم ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 407)
ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما. وقال الخلاف شر". اهـ.
وقال أيضًا (28/ 154): "... فيحتاج أن يحسن إلى ذلك الغير إحسانًا يحصل به مقصوده؛ من حصول المحبوب واندفاع المكروه؛ فإن النفوس لا تصبر على المر إلا بنوع من الحلو؛ لا يمكن غير ذلك؛ ولهذا أمر الله تعالى بتأليف القلوب؛ حتى جعل للمؤلفة قلوبهم نصيبا في الصدقات. وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} . وقال تعالى: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} فلا بد أن يصبر وأن يرحم وهذا هو الشجاعة والكرم. ولهذا يقرن الله بين الصلاة والزكاة تارة؛ وهي الإحسان إلى الخلق وبينهما وبين الصبر تارة. ولا بد من الثلاثة: الصلاة؛ والزكاة؛ والصبر. لا تقوم مصلحة المؤمنين إلا بذلك؛ في صلاح نفوسهم وإصلاح غيرهم؛ لا سيما كلما قويت الفتنة والمحنة؛ فالحاجة إلى ذلك تكون أشد؛ فالحاجة إلى السماحة والصبر عامة لجميع بني آدم لا تقوم مصلحة دينهم ولا دنياهم إلا به".
هذا؛ والله أعلم.