تفتح الحدود أو تغلقها... أسرار وتطورات جوازات السفر

منذ 1 سنة 143

في خاتمة أغنيته "تخيل" في ستينيات القرن الـ20 يقول مغني فرقة "البيتلز" جون لينون "‏تخيل أن كل الناس‏ يتشاركون كل العالم، ‏ستقول أنني أحلم، لكنني لست الوحيد‏ الذي يأمل أن العالم سيصبح واحداً للجميع".

ظهرت هذه الأغنية التي كتبها ولحنها وغناها لينون في فترة انتشار فكرة توحيد البشر في وطن واحد هو الكوكب بأكلمه، وكان تناول هذه الفكرة بأنواع كثيرة من وسائل التعبير الفنون والأدب والعلوم الجينية منها تحديداً.

استعيدت هذه الأغنية بين كبار السن وأحفادهم خلال فترة تفشي جائحة كورونا، لتبرهن أن الفيروس لا يعرف الحدود وجوازات السفر ولا يفرق بين البشر على أساس هويتهم الوطنية وجنسياتهم التي يحملونها، سواء أكانت ذات قوة فائقة تفتح كل الحدود أمام حاملها، أو كانت جوازات لا تساوي أية قيمة ولا يتمكن حاملها من التنقل عبر الحدود في أي مكان بالعالم.

الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش كتب قصيدة تحمل المعنى نفسه، وهي تشكو من جواز السفر الذي يمنح أو يمنع صاحبه من حق التنقل من مكان إلى آخر، على رغم أن هذا الحق يعتبر من حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في كل الشرائع الدولية والإنسانية منذ القدم، وهو حق طبيعي كالحصول على الغذاء والهواء.

جاء في قصيدة درويش، التي تغني ملحمة الشعب الفلسطيني المشتت "كل الحدود، كل المناديل التي لوحت، كل العيون، كانت معي، لكنهم قد أسقطوها من جواز السفر".

جواز السفر في العالم المعاصر

في التعريف العام يعتبر جواز السفر وثيقة رسمية أو شهادة صادرة عن حكومة وطنية تحدد المسافر كمواطن له الحق في الحماية أثناء وجوده بالخارج وله الحق في العودة.

من جهة ثانية هي خطابات عبور استخدمت لقرون عدة للسماح للأفراد بالسفر بأمان في الأراضي الأجنبية. وهو كتيب صغير يحتوي على وصف لحامله وصورة مصاحبة يمكن استخدامها لأغراض تحديد الهوية. ومصادقة جواز السفر تشير إلى أنه فحص من سلطات الدولة التي يدخل إليها حامله.

لكن مع تقسيم دول العالم إلى متقدمة ونامية ومتخلفة بات لجواز السفر سلطة البلد التي يمثلها، فإذا كان حامله من دولة أوروبية أو الاتحاد الأوروبي ومن بريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا يمكنه التنقل في أنحاء العالم من دون أية مشكلة تذكر إلا في حال الخلافات السياسية بين دولتين معينتين.

أما إذا كان حامل جواز السفر من دول العالم الثالث فسيحتاج إلى معاملات كثيرة قد تمنحه تأشيرة دخول إلى دولة أخرى وقد تمنعه منها.

متطلبات السياحة حلحلت بعض هذه التفاوتات العالمية في جوازات السفر ودفعت البلدان في أوروبا الغربية إلى تخفيف لوائح السفر الخاصة بها حتى يتمكن المسافرون من التنقل بينها من دون تأشيرات قبل أن يتوسع هذا الترتيب ليشمل المقيمين داخل الاتحاد الأوروبي.

 وكذلك قامت مصر ولبنان بالسماح لعديد من حاملي جنسيات الدول العربية الأخرى ودول أوروبا الشرقية والاتحاد الروسي بالدخول إلى أراضيها من دون تأشيرات تشجيعاً للسياحة ودعماً لاقتصادها.

وفي أحيان تسمح الحروب والزلازل للمنكوبين والمهجرين بالدخول إلى دول تفتح باب اللجوء لهم، كما فعلت ألمانيا في عهد أنجيلا ميركل مع المهاجرين السوريين حين استقبلت ما يزيد على مليون ونصف مليون شخص.

ولأن جواز السفر من الأوراق الرسمية المهمة أضافت إليه جميع دول العالم ميزات أمنية مثل الصور المجسمة والعلامات المائية الرقمية والرقائق الدقيقة المدمجة التي تخزن البيانات البيومترية، كما العلامات السرية التي تضمنها العملة الوطنية لمنع تزويرها.

فجواز السفر يحدد جنسية حامله وإلى أي بلد ينتمي وإلى أي بلد يجب أن يعاد في حال طرده، وقد يتم تزويره بطرق كثيرة ليباع بآلاف الدولارات في السوق السوداء للهجرة والمهاجرين.

في عام 2008 بدأت الولايات المتحدة بإنتاج بطاقة جواز سفر أقل كلفة من دفتر جواز السفر التقليدي وتسمح للمواطنين بدخول الولايات المتحدة عن طريق البر أو البحر من كندا والمكسيك وبرمودا وجزر البحر الكاريبي.

التصميم كعمل فني

تكتب هيفزيبا أندرسون في مقالاتها السياحية على شبكة الإنترنت أن قلة يتساءلون عن المعاني الوطنية التي تحملها الشعارات والحروف الذهبية المنقوشة على غلاف جواز السفر، فلو أخذنا على سبيل المثال جواز السفر التايواني ذا الغلاف الأخضر الغامق المزين بدائرة ذهبية معتادة تتوسطها شمس ساطعة، فإنه يعكس الطابع الإداري شديد التحفظ والرتابة، بل وجُدد لإبراز كلمة تايوان بعد أن راح موظفو المطارات يخلطون بين المسافرين التايوانيين وأقرانهم من الصين، لأن كلمة "تايوان" في وثائق السفر الحالية تأتي أسفل عبارة "جمهورية الصين".

تقول الكاتبة أندرسون إن جوازات السفر لم تكن دائماً على هيئة كتيبات كما الحال اليوم، فقد وردت عبارة وثيقة سفر في سفر نحميا، في عهد ملك فارس أرتحششتا الأول عام 450 قبل الميلاد. وورد في وثيقة "الإرثاشاسترا" القديمة التي تناولت فنون الحكم والسياسة بأن وثائق سفر صدرت في مقابل رسوم، ولا يمكن من دونها أن يغادر أي من المواطنين البلد أو يعود لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسهمت الحرب العالمية الأولى في جعل جواز السفر وثيقة ضرورية لكل مواطن كوسيلة لمنع الجواسيس الأجانب من عبور الحدود. وصدرت جوازات السفر البريطانية الأولى بمفهومها المعاصر عام 1915، وكانت عبارة عن ورقة واحدة مطوية مرات عدة داخل غلاف من الورق المقوى يحمل شعار المملكة المتحدة الملكي، وتضمنت هذه الجوازات صورة فوتوغرافية.

وظهر مؤلف شارلوك هولمز آرثر كانون دويل في صورة جواز سفره منذ 100 عام مع زوجته وطفليه على عربة خيل، إذ كانت العائلة بأكملها تسافر بجواز سفر واحد.

وفي رواية "جواز السفر الأميركي" يروي كرايغ روبرتسون قصة دان كث الشارب الذي قص شواربه الكثيفة لئلا يذكر الألمان بالقيصر فيلهلم، لكن عندما هم بالعودة أوقفه ضباط الجوازات ورفضوا مروره لأنه لم يعد يشبه الصورة في جواز السفر.

هذه المشكلة، أي ابتعاد الشبه بين الصورة وحاملها، كانت تواجه كثيرين قبل أن تظهر الصور البيومترية وطرق كثيرة تثبت هوية صاحب الجواز منها بصمة العين والوجه، فنزعت عن الصورة الفوتوغرافية أهميتها.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في عام 1920 فرضت عصبة الأمم معايير لجواز السفر الدولي في إطار دورها لحفظ السلام العالمي واشترطت أن يتضمن 32 صفحة إجمالاً، وأن يحرر بلغتين على الأقل ويحمل غلافه اسم الدولة في الأعلى، ويوضع الشعار في المنتصف، ثم تكتب كلمة "جواز سفر" في الأسفل.

هذه القواعد حددت تصميم جواز السفر الحديث، وتكاد ألوان جوازات السفر العالمية تنحصر في ثلاثة ألوان، الأحمر والأزرق والأخضر، وكل لون منها يدل على هوية سياسية ما، كالأحمر لدى الشيوعيين الصينيين وقبلهم السوفيات، والأخضر لبعض الدول الإسلامية، والأبيض والأزرق لموظفي الأمم المتحدة، والأزرق أو الكحلي لمعظم جوازات العالم.

لكن جواز السفر السلوفيني الأكثر تسلية من بين جوازات السفر العالمية، فإذا قلبت صفحاته سريعاً سترى فارساً يمتطي جواداً يقفز من جانب إلى آخر.

ويكتسب تصميم جواز السفر أهمية لا يستهان بها، إذ أثار تغيير المملكة المتحدة لون جواز سفرها ضجة كبيرة في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لاستعادة جواز السفر الأزرق، على رغم أنه لا يوجد أي قانون في الاتحاد الأوروبي يلزمها بتغييره في المقام الأول إلى اللون الخمري، ليتوافق مع ألوان جوازات السفر الأوروبية الأخرى.

وأضيفت بعض السمات الأكثر تطوراً إلى جوازات السفر الحديثة أيضاً لأغراض أمنية، فعلى صفحات جواز السفر الكندي الذي تغير تصميمه في عام 2015 إذا سلطت الضوء فوق البنفسجي سترى السماء التي تبدو باهتة وقد أصبحت مشرقة وستشاهد ألعاباً نارية مفعمة بالألوان الزاهية ونجوماً ساطعة وقوس قزح، لكن في التصميم الجديد لجواز السفر النرويجي الذي وضعته شركة "نيو ديزاين ستوديو" عام 2014 تبرز تضاريس الجبال النرويجية المسننة والبيضاء، لكن صفحاته حين تضاء بأشعة فوق بنفسجية تظهر أضواء الشفق القطبي المتمايلة والساحرة.

أنواع جوازات السفر

تصدر الحكومات في جميع أنحاء العالم جوازات سفر لأغراض مختلفة، الأكثر شيوعاً منها هي جوازات السفر العادية الصادرة للمواطنين، ويحق لهذه الفئة الحصول على جوازات سفر الطوارئ أو الموقتة للأشخاص الذين فقدت جوازات سفرهم أو سرقت في حال كان الشخص في الخارج ويحتاج إلى أن يعود إلى الوطن في غضون أيام.

هناك جواز السفر الدبلوماسي الذي بدأ العمل به وفقاً لاتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية واتفاق فيينا للعلاقات القنصلية، والحصانة الممنوحة للمسؤولين في دولة أجنبية بموجب القانون الدولي العرفي، ويحق للدبلوماسيين وغيرهم من الأفراد المسافرين في مهمات حكومية تقليل التدقيق عند نقاط التفتيش الحدودية. وهي تصدر للدبلوماسيين المعتمدين وكبار الموظفين القنصليين ورؤساء الدول أو الحكومات وكبار موظفي وزارة الخارجية. ويحق لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية التمتع بدرجة من الحصانة من عمليات التفتيش.

أما جوازات السفر الرسمية فتصدر لكبار المسؤولين الحكوميين المسافرين في أعمال حكومية وغير المؤهلين للحصول على جوازات سفر دبلوماسية، وعادة ما يحق لحاملي جوازات السفر الرسمية الحصول على حصانة مماثلة من عمليات التفتيش على الحدود.

وجوازات سفر العلاقات العامة تصدر للمواطنين الصينيين الذين يشغلون مناصب عليا في الشركات المملوكة للدولة، في حين أن جوازات سفر الشؤون العامة لا تخول حامليها عادة الإعفاء من التفتيش عند نقاط التفتيش الحدودية.