تواصلت الإثنين عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الأجانب من السودان حيث تقترب المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع من يومها العاشر، في غياب أي أفق لانهاء الاشتباكات.
غير أن الأمم المتحدة أعلنت في بيان الإثنين الإبقاء على عدد من موظفيها في السودان وعلى رأسهم المبعوث الخاص للأمين العام فولكر بيرتيس، فيما وصل 700 من موظفيها وموظفي السفارات والمنظمات غير الحكومية إلى ميناء بورتسودان لاجلائهم.
ومع استمرار أزيز الرصاص ودوي الانفجارات في الخرطوم ومدن أخرى، تمكنت عواصم غربية وإقليمية من فتح مسارات آمنة لإخراج الرعايا الأجانب بضمان الطرفين المتصارعين، أي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
وأدت المعارك التي اندلعت اعتبارا من 15 نيسان/أبريل، لمقتل أكثر من 420 شخصا وإصابة نحو أربعة آلاف، ووضعت نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل للتعامل مع حصيلة متزايدة للضحايا.
وفيما يشكل المطار الرئيسي في الخرطوم مسرحاً لاقتتال عنيف، مع سيطرة قوات الدعم السريع عليه، تجري عمليات إجلاء عدّة عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر الواقع على بعد 850 كيلومتراً من العاصمة.
وأعلن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن التكتل تمكّن من إجلاء ألف من رعاياه من السودان.
وقال لصحافيين الإثنين "كانت عملية معقدة وناجحة"، مؤكدا أن 21 دبلوماسيا من بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم أخرجوا فيما غادر سفير الاتحاد الأوروبي الخرطوم، وانتقل إلى منطقة أخرى من السودان.
ووجّه بوريل الشكر الى فرنسا التي تقود منذ الأحد عمليات إجلاء جوية الى جيبوتي باستخدام طائرات عسكرية.
في ما يأتي ملخص عن أبرز الجهود التي تقودها دول عدّة من أجل نقل مواطنيها وموظفيها إلى برّ الأمان.
الولايات المتحدة وكندا
أجلت الولايات المتحدة الأحد نحو مئة شخص، من موظفي سفارتها و"بعض الدبلوماسيين الأجانب من الخرطوم، في ثلاث مروحيات من طراز "ش-47 شينوك" أرسلتها من جيبوتي إلى اثيوبيا ثمّ إلى السودان، حيث بقيت على الأرض لأقل من ساعة. وشارك في العملية أكثر من مئة عنصر من العمليات الأميركية الخاصة.
ولا يزال في السودان آلاف المواطنين الأميركيين، يحمل بعضهم جنسية أخرى.
وأجلت كندا، وفق ما أعلن رئيس وزرائها جاستن ترودو، موظفي سفارتها من الخرطوم.
دول الاتحاد الأوروبي
أعلن مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الإثنين أن أكثر من ألف من رعايا الاتحاد غادروا السودان في عمليات إجلاء تمت خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقال لصحافيين "كانت عملية معقدة وناجحة".
وللاتحاد الأوروبي بعثة دبلوماسية في الخرطوم على غرار فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا واليونان وتشيكيا.
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية الإثنين إجلاء "388 شخصاً بينهم مواطنون فرنسيون أعربوا عن رغبتهم بذلك، فضلاً عن عدد كبير من رعايا دول أخرى، أوروبيون خصوصاً فضلاً عن أفارقة ومن القارة الأميركية وآسيا" من السودان، بعدما سيّرت منذ الأحد رحلات جوية عدّة بين الخرطوم وجيبوتي.
وأفادت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الأحد عن إجلاء جميع مواطنيها الذين طلبوا مغادرة السودان، بعد ساعات من إعلان وزير الخارجية أنطونيو تاجاني أن الجيش الإيطالي أجلى "نحو 200 شخص بينهم مواطنون سويسريون وأعضاء في السفارة الرسولية" عبر جيبوتي.
وقال وزير الخارجية الهولندي فوبكه هوكسترا إنه تم إجلاء "حفنة" من الرعايا الهولنديين في طائرة فرنسية، آملاً إجلاء مجموعة أخرى في طائرة هولندية في وقت لاحق، متحدّثاً عن "عملية معقدة جداً".
وأعلنت ألمانيا إجلاء 300 شخص، بينهم مواطنون وأفراد من جنسيات أخرى، في ثلاث طائرات، بعد محاولة فاشلة الأربعاء الماضي.
وأجلت طائرة إسبانية مئة شخص، هم ثلاثون إسبانيا وسبعون من أوروبا وأميركا اللاتينية، من السودان إلى جيبوتي الأحد، وفق ما أعلنت مدريد.
وأعلنت اليونان أنها أجلت الأحد مجموعة أولى من مواطنيها بينهم جريحان إلى جيبوتي "بمساعدة فرنسا"، وأن 10 مواطنين وعائلاتهم غادروا في عملية الإجلاء الإيطالية.
وقالت إيرلندا من جهتها إنها باشرت "عملية إجلاء" رعاياها البالغ عددهم 150 شخصاً من السودان.
وأرسلت السويد 150 عسكرياً لإجلاء دبلوماسييها ورعاياها من السودان على ما ذكرت وزارة الدفاع.
وأكدت فنلندا في تغريدة لوزير الخارجية بيكا هافستو أن "عمليات إجلاء الرعايا من السودان مضت قدماً ليلاً. وتم إجلاء ما مجموعه 10 فنلنديين من بينهم أطفال. ولا يزال عدد ممن طلبوا المساعدة في الخرطوم، وتستمر الجهود لإخراجهم. الوضع لا يزال صعباً وخطيراً".
من جهتها، اعلنت الأمم المتحدة في بيان الاثنين بقاء رئيس بعثتها في السودان رغم المعارك.
الدول العربية
أفادت وزارة الخارجية المصرية مساء الأحد عن إجلاء 436 مواطناً من السودان براً "بالتنسيق مع السلطات السودانية"، بعد إجلائها 177 عسكرياً الأسبوع الماضي.
وكانت السعودية التي قادت أولى عمليات الإجلاء الناجحة السبت، قد أفادت عن إجلاء 91 من مواطنيها فضلاً عن نحو 66 من رعايا 12 دولة أخرى، عبر البحر.
وأعلن الأردن السبت أنه باشر إجلاء نحو 300 أردني.
وأعلنت بغداد الأحد "إجلاء 14 عراقياً من الخرطوم إلى موقع آمن في منطقة بورتسودان" مؤكدة أن الجهود تتواصل لإجلاء آخرين بعدما أشارت السبت إلى أن موظفي السفارة العراقية غادروا الخرطوم.
وأعلنت وزارة الخارجية اللبنانية إجلاء 52 شخصاً فجر الإثنين من بورتسودان على متن سفينة للبحرية السعودية الى مدينة جدة.
وقالت السفارة الليبية في الخرطوم الجمعة إنها أجلت 83 ليبياً من الخرطوم ونقلتهم إلى بورتسودان.
وأعلنت السلطات الجزائرية بدء عملية الاثنين لاجلاء الدبلوماسيين والمواطنين.
الدول الإفريقية
أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن عدداً من 800 ألف لاجئ من جنوب السودان، فروا إلى السودان هرباً من الحرب في بلادهم، بصدد العودة بأنفسهم.
وتسعى تشاد لإرسال طائرات لإعادة 438 من رعاياها يغادرون الخرطوم على متن حافلات إلى بورتسودان، بحسب الحكومة.
وتعتزم نيجيريا المباشرة بإجلاء قرابة 3000 من مواطنيها، غالبيتهم طلاب على متن حافلات إلى مصر اعتباراً من "صباح الغد" الثلاثاء، وفق مسؤولين. ويقدر المسؤولون عدد الرعايا النيجيريين الساعين للمغادرة بنحو 5000 شخص.
وأعلنت دولة جنوب إفريقيا إنها بدأت إجلاء عشرات من مواطنيها العالقين في السودان. وكان الرئيس سيريل رامابوزا قد قال للصحافيين في جوهانسبرغ إن 77 مواطناً عالقون في ذلك البلد.
المملكة المتحدة والنروج وسويسرا
أكدت لندن على لسان متحدث باسم الحكومة، أن قواتها المسلحة "استفادت من نافذة فرصة ضيّقة" لانجاز الإجلاء.
وكان وزير الخارجية البريطاني قد دافع عن قرار إعطاء الأولوية في عملية عسكرية ليلية لإجلاء موظفي السفارة وعائلاتهم مشيراً إلى "تهديد محدد جداً للمجتمع الدبلوماسي".
وأعلنت النرويج من جهتها إجلاء دبلوماسييها من الخرطوم.
وأفادت سويسرا عن إجلاء سبعة من موظفي سفارتها وأفراد عائلاتهم بمساعدة فرنسا.
تركيا
بدأت أنقرة عملياتها فجر الأحد حيث نقلت نحو 600 من رعاياها براً من اثنين من أحياء الخرطوم ومدينة ود مدني الجنوبية.
لكن سفارة تركيا في الخرطوم أعلنت في تغريدة عن تأجيل موعد إجلاء الأتراك في حي كافوري شمال الخرطوم "حتى إشعار آخر" بسبب انفجار وقع صباح الأحد قرب مسجد مخصص كموقع للتجمع.
آسيا
تستعد دول أجنبية أخرى لعمليات إجلاء من بينها كوريا الجنوبية واليابان، بعد نشرها قوات في دول مجاورة.
وقالت وزارة الخارجية الهندية إن لديها طائرتين عسكريتين "على أهبة الاستعداد" في المملكة العربية السعودية، وأن سفينة تابعة للبحرية وصلت الى بورتسودان، لكن أي إجلاء "سيبقى رهنا بالوضع الأمني".
وذكرت إندونيسيا أن 43 من رعاياها لجأوا إلى مجمع السفارة في الخرطوم، مؤكدة أن الحكومة "تتخذ كل الإجراءات الضرورية لإجلاء الرعايا الإندونيسيين من السودان" على ما أفادت وزارة الخارجية وكالة فرانس برس.
وأعلنت الصين عن إجلاء أول دفعة من مواطنيها الذين يقدر عددهم بأكثر من 1500 في السودان.
وغالبية من تمّ إجلاؤهم من الأجانب هم من الطواقم الدبلوماسية، بينما ينتظر العديد من المدنيين دورهم للإجلاء جوا، ضمن قوافل من الحافلات والسيارات الرباعية الدفع التي تنتقل بمواكبة أمنية من الخرطوم نحو قواعد عسكرية خارجها، أو الى مدينة بورتسودان.
خوف على المستقبل
وتشكل جيبوتي محطة أساسية لعمليات الإجلاء الجوي، حيث تحط فيها طائرات عسكرية تنقل المدنيين من السودان.
وباتت هذه الدولة المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تستضيف العديد من القوات العسكرية الأجنبية التي يقوم أفرادها بتنظيم عمليات الوصول لعشرات من العائلات المنهكة.
ومنذ تسارع عمليات الإجلاء خلال نهاية الأسبوع، يثير مسؤولون ومحللون مخاوف متنامية حيال مصير السودانيين وسط خشية من احتدام المعارك مجددا متى انتهى إخراج الرعايا الراغبين بذلك.
وكتب السفير النروجي أندريه ستيانسن "أنا خائف على مستقبلهم".
وأضاف "الآن، الأسلحة والمصالح الشخصية هي أكبر أهمية من القيم والكلمات... كل السيناريوهات سيئة".
وباتت مغادرة الخرطوم هاجساً يؤرق سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي ونقص المواد التموينية والمياه.
الا أن المغادرة ليست سهلة خصوصاً في ظل الحاجة الى كميات كبيرة من الوقود لقطع المسافة نحو الحدود المصرية شمالا (زهاء ألف كيلومتر)، أو بلوغ بورتسودان (850 كيلومترا الى الشرق) على أمل الانتقال منها بحرا لدولة أخرى.
وبات الوقود عملة نادرة ومكلفة في الخرطوم التي كانت تعاني أصلاً من تضخم كبير يطال معظم المواد الأساسية.
وحذرت الأمم المتحدة من أنه "في حين يفرّ الأجانب القادرون على ذلك، يزداد تأثير العنف على الوضع الإنساني الحرج أساساً في السودان".
وكذلك قدرت مفوضية اللاجئين الأممية بأن 800 ألف لاجئ من جنوب السودان يعيشون في السودان سيعتمدون على أنفسهم في العودة إلى وطنهم الذي فرّوا منه هربا من الحرب.
واضطرت الكثير من وكالات المنظمة الدولية لتعليق نشاطها في السودان.