داخل أحد متاجر بيع الملابس في غزة، دار جدال طويل على طقم مؤلف من قميص وبنطال، وحاول عثمان جاهداً شراءه بالثمن الذي يناسب ظروفه المادية، إلا أن البائع رفض بيعه بخسارة.
وما بين المحاولة في استعطاف البائع، والشعور بالحسرة والاستياء، بات عثمان في حيرة من أمره، حتى خطرت في باله فكرة استئجار بدلة رسمية لقضاء يوم العيد فيها بدلاً من عملية الشراء، وفي اعتقاده أن هذا الحل الأمثل للتفلت من ارتفاع أسعار الملابس وقلة قدرته المادية على اقتناء ثياب جديدة.
10 دولارات ثمن الاستئجار
مباشرة، توجه عثمان إلى المتاجر الخاصة بتأجير البدل الرجالية الرسمية، وأخذ يقلب فيها بحثاً عن واحدة تناسبه، وما إن وجد طلبه سأل البائع "كم إيجار هذه لفترة يومي العيد"، فكان الثمن يقدر بحوالى 10 دولارات أميركية، وحينها ارتسمت البسمة على وجهه.
لم يفكر عثمان كثيراً حتى يبدأ في قياس البدلة الرسمية ذات اللون البني، وبعدها دفع للبائع كلفة استئجارها على أن يستلمها عشية ثبوت عيد الفطر في الأراضي الفلسطينية، ويقول "هذه أفضل حيلة أمام ارتفاع الأسعار والفقر، سأظهر هذا العيد بثياب أنيقة ورسمية، وبما يتناسب مع قدرتي المادية".
ثمن شراء بدلة رجالية في غزة يتراوح بين 70 إلى 150 دولاراً (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
ارتفعت أسعار الملابس 400 في المئة
في غزة، جرت العادة عند سكانها على شراء ملابس جديدة لعيد الفطر، بخاصة للأطفال والنساء، وعادة ما تضع الأسر خطة مالية وموازنة محددة لثياب العيد، وتكون في المتوسط نحو 10 دولارات للأطفال وتصل إلى 30 دولاراً للرجال والسيدات، بما يشمل الملابس والأحذية والكماليات الأخرى.
لكن هذا العام، شهد قطاع الملابس في غزة ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، وصل إلى نحو 400 في المئة عن الثمن الطبيعي للثياب، وأثار ذلك حالة من الصدمة وموجة تذمر كبيرة لدى السكان الذين يعيشون أوضاعاً مادية غاية في السوء.
ودفع ارتفاع أسعار الملابس سكان غزة للجوء إلى استئجار الثياب بدلاً من شرائها في محاولة للتحايل على طلة العيد، وتعد هذه الخطوة "حيلة جديدة" لجأ لها الرجال والأطفال الذكور.
متاجر لتأجير الملابس
وقبل خمس سنوات، أي مع اشتداد الأزمات الاقتصادية التي يعيشها سكان غزة، انتشرت في القطاع متاجر تأجير ملابس رجالية رسمية، ولقيت هذه المحال رواجاً جيداً، وعادة ما يقتني الرجال هذه الثياب في المناسبات الرسمية والأفراح.
وفي هذه المتاجر، وجد مئات الآلاف من سكان غزة فرصة لارتداء ملابس أنيقة خلال عيد الفطر مقابل مبلغ مادي محدود نسبياً، عوضاً عن شراء ملابس جديدة لا يملكون ثمنها، ومن بين هؤلاء عثمان الذي أكد أن "استئجار الثياب بدلاً من شرائها فكرة لا بأس بها في هذه الظروف".
لعثمان خمسة أطفال، ويعتزم هو وأمثاله من بقية الأسر، استئجار ملابسهم من المتاجر المخصصة لذلك الغرض، ويضيف "أعمل في حرفة تنجيد فرش المنازل بأجرة 10 دولارات في اليوم، وفي حال فكرت بشراء ملابس لأسرتي سأدفع راتب شهر كامل، لذلك فإن الإيجار الحل الأمثل لي". ويوضح أنه تحت وطأة الحاجة والغلاء المعيشي يضطر إلى التحايل على الواقع وإيجاد بدائل، وهذا ما طبقه على ملابس العيد.
من جانبه، يؤكد سليمان العبدالله صاحب محل لتأجير البدل الرجالية، أن هناك اهتماماً واضحاً من قبل الشباب لاستئجار البدل وارتدائها يوم العيد، مرجعاً السبب إلى قلة ذات اليد ومحدودية الدخل التي تعاني منها معظم الأسر في قطاع غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول إنه "لاحظ أن استئجار البدل الرجالية الرسمية يوفر على الشباب كثيراً، إذ يدفع الواحد منهم نحو 10 دولارات فقط لاستخدامها في هذه المناسبة، بينما لشراء بزة جديدة يحتاج المرء لمبلغ يتراوح بين 70 إلى 150 دولاراً، هذا يصعب تأمينه لأن معظم الشباب وأرباب الأسر بلا عمل بسبب الأوضاع".
وما دفع سكان غزة لذلك ظروفهم الصعبة، إذ يعيش 71 في المئة منهم بلا عمل بحسب بيانات وزارة العمل، وأيضاً هناك 81.8 في المئة منهم تحت خط الفقر وفق بيانات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
نقص في كمية الملابس
هؤلاء لا يستطيعون شراء ملابس جديدة في ظل ارتفاع أسعارها إلى نحو 400 في المئة، وحول ذلك يقول رئيس نقابة تجار الملابس محمد المحتسب، إن ارتفاع أسعار الملابس يعود إلى شح الكميات المتوفرة في الأسواق، إذ كان متفقاً أن يقوم 40 تاجراً باستيراد 80 في المئة من حاجات المواطنين من ملابس العيد، لكن في الموسم الحالي منعت وزارة الاقتصاد ذلك.
ويضيف المحتسب "من المفروض أن تعمل المصانع المحلية على تغطية حاجة القطاع، لكن نتيجة فتح باب التصدير سجل تراجع في الكميات ما تسبب بنقص في ملابس العيد داخل أسواق غزة حتى باتت أسعارها خيالية".
لا غلاء… هكذا ترى الجهات الحكومية
وبحسب الباحث في الشؤون الاقتصادية مازن العجلة، فإن تغييراً طبقياً كبيراً حصل في غزة، إذ انخفضت الطبقة المتوسطة إلى 15 في المئة من تشكيلة المجتمع، بعدما كانت نسبتها 40 في المئة قبل عامين، لافتاً إلى أنهم انضموا إلى صفوف الفقراء وذلك نتيجة انعدام رؤية الجهات الحكومية في تأمين عمل أو إيجاد حلول لمشكلات القطاع.
وفي المقابل، نفت نائبة مدير عام الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد رباب عاشور، وجود أي تغيير في أسعار الملابس هذا الموسم، مؤكدة أنهم يجرون حملات مراقبة وتفتيش مستمرة على المتاجر، ومن يثبت عليه رفع الثمن تحرر بحقه مخالفة ويحال إلى النيابة.
وتقول عاشور إن عدم الاستيراد جاء لإتاحة الفرصة للمصانع المحلية، ولكن لا نستطيع تحديد أسعار الملابس لأنها غير أساسية، ولكن ألزمنا التجار بإشهار الثمن على السلعة حسب القانون لإتاحة الفرصة للمنافسة.