♦ الملخص:
رجل متزوج رأى على زوجته بعض التصرفات الغريبة وقد ذكر له شيخ أن تلك التصرفات من فعل القرين، وهو يسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوج منذ عام من فتاة تحفظ من القرآن الكثير، وهي تحافظ على الأذكار وقيام الليل يوميًّا تقريبًا، وملابسها محتشمة، وقد كانت وما زالت تعينني على فعل الخيرات، ولكنني بدأت ألحظ عليها بعض الأشياء، وعند مواجهتها بها تنكرها، لا أعلم السبب، ومن هذه الأشياء أنها تطيل النظر إلى بعض الرجال، وعند سؤالي عن هذا، أنكرت، ولكن هذا كان واضحًا جليًّا بالنسبة لي، فظللتُ أذكِّرها بالله، وأعطي لها بعض النصائح، فقلَّ نظرها، لكنه لم ينقطع، ولحظتُ أيضًا أنها تريد أن تخفي نظراتها عني، وعندما أراها، ترتعد وتدير نظرها، وتنكر ذلك بشدة عند مواجهتها، وأيضًا مما لحظته أنها في أثناء العلاقة الزوجية تسرح بخيالها بعيدًا عني، خاصة في أوجِ متعتها، وتتعمد عدم النظر إليَّ، وعندما تنظر إليَّ، تقل متعتها، أو تزول، وعند مواجهتها تنكر أيضًا، أو تقول: إنها كانت تفكر في أي شيء، ولحظت أيضًا منذ شهر تقريبًا أو أكثر بقليل أنها تصدر قبل النوم وبمجرد غلق عينيها آهاتٍ وتنهيدات خفيفة مماثلة لتلك التي تصدرها خلال العلاقة، وأحيانًا تصدر تمتمات وأصواتًا وحركات خفيفة، وعند سؤالها عن ذلك، تقول: إنني أحلم، ولكنني ألحظ أنها ليست نائمة؛ حيث إنها تشعر بأقل الحركات والأصوات، وتظل على هذه الحالة بضع دقائق، إلى أن أنبهها، أو أتحرك، وظللت ذات يوم أقرأ القرآن، وأذكر الله، عندما انتابتها الحالة؛ فبكت ولم تستطع النوم، فتركتها وذهبت للنوم في مكان آخر؛ إذ لم أتحمل، وتكرر ذلك الأمر لأكثر من يوم على التوالي، وحتى الآن، ولا أعلم ما عليَّ فعله؛ حيث إنني أحترمها وأحبها، وأتمنى لها الهداية، ولقد ظننا أن في الأمر مسًّا أو سحرًا أو ما شابه ذلك؛ بسبب بعض الأحلام التي كنا نحلم بها، وبعض التصرفات التي كانت تقول بـأنها خارجة عن إرادتها، حتى إننا أتينا بشيخ في البيت، وقرأ بعض القرآن على الماء، وأسمعها بعضًا منه، وشكَّك في كون الأمر سحرًا، ورجح أن يكون بفعل القرين، وأيضًا هي الآن في حالة فتور من قراءة وحفظ القرآن، وهي دائمًا بالمنزل؛ إذ إنها لا تعمل، وأخيرًا فإني عند مواجهتي لها ببعض الدلائل، تسكت، أو تقول: "ماذا أفعل في رأيك؟"، وأنا أظن أنها لا تستطيع أن تتوقف عن هذه الأفعال، وأظن أنها بسبب البيئة التي نحن فيها بأفكارها المغلوطة، وبهذا العمه الذي يغمرنا بفعل التربية والتلفاز، والهواتف والإنترنت، أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأولًا: مشكلتك يبدو أنها واضحة جدًّا لا تحتاج لمزيد كلام.
ثانيًا: ولذا أقول باختصار: يبدو أن زوجتك حفظها الله مبتلاة بشيء ما يصرفها عن الاستعفاف بك.
ثالثًا: وأنا أكاد أجزم بأنها مُتضايقة جدًّا ومتألمة أشد الألم مما تُعانيه، وتتمنى الخلاص مما تُعانيه اليوم قبل غدٍ، ولكنها تحبس آلامها، وتكتم أسرارها؛ خشية من سوء الظن بها.
رابعًا: وأنصحك - حفظك الله - بأن تُشفق عليها، وأن تتألم لألمها، وأن تنظر لها على أنها مريضة، تستوجب العطف والرفق.
خامسًا: أنصحك ألَّا تشغل نفسك بإحراجها باستفسارات مُزعجة لها، بل اشغل نفسك بتلمُّس العلاج النافع بمشيئة الله لها.
سادسًا: ومن العلاجات النافعة لها بمشيئة الله سبحانه الآتي:
١- الدعاء بإلحاح وإخلاص لها.
٢- الاسترجاع.
٣- الصدقة.
٤- الاستغفار.
5- رقيتها بالرقية الشرعية.
سابعًا: واعلما أن ما أصابكما قضاء وقدر سابق لحكم يعلمها الله سبحانه؛ منها: تكفير خطاياكما، ورفع درجاتكما في الجنة إذا صبرتما واسترجعتما، مع ما يُرجى من العاقبة الحميدة في الدنيا؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
وتأمل كثيرًا الأحاديث الآتية، فهي تُسلي كل مكروب، وتزيد من صبره على المصائب:
عنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن، وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلا كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه))؛ [متفقٌ عَلَيهِ].
وعن ابْن مسْعُود رضي الله عنه قَالَ: ((دَخلْتُ عَلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُو يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّه، إِنَّكَ تُوعكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُم، قُلْتُ: ذلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْريْن؟ قَالَ: أَجَلْ ذَلك كَذَلك مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شوْكَةٌ فَمَا فوْقَهَا إلا كَفَّر اللَّه بهَا سَيِّئَاتِهِ، وَحطَّتْ عنْهُ ذُنُوبُهُ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجرةُ وَرقَهَا))؛ [متفقٌ عَلَيهِ].
وعنْ أَبي هُرَيرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ))؛ [رواه البخاري].
ثامنًا: أرى أن تجلس معها جلسة مصارحة ودية، وليست جلسة استجواب وتحقيق، فتظهر لها محبتك لها، وشفقتك عليها، ورغبتك في عمل كل ما يجعلها أسعد زوجة في العالم، وتُثني على ما فيها من صفات طيبة، وأنك لا تشك فيها أبدًا، ولا تفكر في تطليقها، ثم تقول لها بكل ودٍّ: أنتِ أفضل زوجة في العالم، وحبي لكِ لا يوصف، وقل لها: إننا زوجان متحابان؛ ولذا لا بد من المصارحة والصدق بيننا في أسباب ما لحظته عليها؛ لمعالجته والتخلص منه، وليدوم الوئام بينكما، والحياة الزوجية السعيدة، ثم اسألها بصراحة عن مدى حبها لك، وعن رأيها في أسباب ما تُعانيه: هل هو - مثلًا - نقص في حبها لك، أو نقص في قناعتها بشكلك، أو هو إعجاب بغيرك؟ وهل كانت تتمنى الزواج من رجل معين غيرك لم يتيسر لها، أو هو نوع من المس أو الحسد؟
تاسعًا: ما ذكرته من فتورها في قراءة وحفظ القرآن قد يكون لأحد سببين؛ هما:
١- إما تأثير ما يشتبه بوجوده؛ وهو المس.
٢- أو هو من تأثير تشتت ذهنها وخوفها من عواقب استجواباتك لها؛ لأن المرأة حساسة جدًّا، ويقلقها كثيرًا التفكير في مستقبلها، ويهمها ويُشغلها عن كل شيء حتى عن العبادات.
حفظكما الله، وصرف عنكما كيد الفجار والشياطين.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.