تشيكوف في الجحيم الأبيض: سيبيريا (2)

منذ 1 سنة 176

العاصفة تؤخر السفر وتعيقه، فالطريق موحلة ونهر إرتيش واسع. يضطر الكاتب إلى المبيت في منزل موجيك (من طبقة دنيا) آخر بسبب رداءة الطقس. هذا الفيضان بمنزلة قصاص! قيل له إن الشعب هنا جاهل وبلا موهبة. لا يجيد عملاً. شعب كئيب. بعد وصوله إلى الجزيرة يتحدث المثقف السجين المنفي الذي يجد نفسه متعاطفاً معه. يناقش مسألة النفي الرهيب بحد ذاته لأنه يستمر مدى الحياة. وهو يرى أن الإعدام في روسيا وأوروبا لم يُلغَ، بل تغيرت صورته (المواطن يموت إلى الأبد). «لدي قناعة أنه بعد 50-100 سنة سينظر إلى عقوبتنا المؤبدة بشيء من الحيرة والارتباك». في حديثه عن المرأة في سيبيريا، يرى الكاتب أنها بلا تلاوين، وباردة، ولا تجيد اختيار الملبس، ولا تغني ولا تضحك. بيوت الدعارة كثيرة، علنية وسرية.

الطريق العمومية السيبيرية هي ربما من أكبر وأحقر الطرق في العالم، يكتشف الكاتب. حذّروه من طريق كوزولوكا الخطرة وضرورة تغيير العربة والأحصنة. عربات البريد تتعرض للكثير من الحوادث، وتتضرر أكثر من غيرها. «إن سعاة البريد في سيبيريا شهداء، يعملون كثيراً ويقارعون الطبيعة. تصل القافلة إلى كوزولوكا الرهيبة، حيث تتأرجح العربات بعنف على الطرقات الوعرة»، ويسهب تشيكوف في وصف الطبيعة والغابات في «تايغا» ذات الأشجار العملاقة والطيور المهاجرة. المكان مهيب وجميل في مدينة نيقولايفسك، ونهر أمور عريض جداً، ونصف البيوت مهجورة «تتطلع إليك النوافذ المعتمة بلا إطارات وكأنها ثقوب العيوب في الجماجم». يتابع سفره على متن سفينة متوسطة الحجم لنقل البريد والجنود والسجناء والمسافرين والحمولات الحكومية. يصف بدقة جغرافية جزيرة ساخالين. فهي أكبر من اليونان بمرتين. ويعيش المنفيون في القسم الشمالي منها. يتجه نحو الساحل في زورق يسحب خلفه عبّارتين فيها سجناء. «لا خلجان هنا والسواحل خطرة». كل شيء في ألكسندروفسكي بُني من خشب. وهي بلدة هادئة يقطنها ثلاثة آلاف نسمة. ينصح الحاكم المحلي تشيكوف «الحياة هنا شاقة ومملة». يجول الكاتب في المدينة فيرى مجموعة من السجناء مكبّلة بالقيود. يحضر حاكم جديد الذي يسمح لتشيكوف بالاطلاع على كل شيء حتى الوثائق، ما عدا التعامل مع السجناء السياسيين.

يقوم تشيكوف بإحصاء للنفوس للسكان القاطنين في الجزيرة، حيث تعار أهمية كبيرة في ساخالين إلى الوضع الاجتماعي للشخص. وتنوعت الإجابات: عامل، جندي، حر، فلاح، «محكوم بالأشغال الشاقة اسمه نابليون. يكتشف الكاتب أن سكان الجزيرة نادراً ما يفصحون عن تاريخ وصولهم. «عام الوصول إلى ساخالين - عام التعاسة الشديدة». وغالباً ما يحكم على المتزوجات بالعيش بعزلة بلا زواج. أما العُزاب والأرامل فيعيشون حياة المتزوجين، ولديهم نصف دزينة أطفال. خلال تجواله في الجزيرة ومقابلة المنفيين يسأل تشيكوف أحدهم: «لِمَ يربط الكلب والديك عندكم بالسلاسل؟» فسمع الجواب: «الجميع عندنا مقيدون بالسلاسل».

إلى اللقاء...