حين تطأ قدم الزائر مدينة بورتسودان، يدرك منذ الوهلة الأولى، أنه أمام عالم مختلف مليئ بالنشاط والحيوية من خلال ارتفاع أصوات الباعة المتجولين وعبارات الترحيب التي ينادي بها أصحاب المقاهي والمطاعم بلهجة أهل الشرق "ايتانينا ودبايوا" وتعني أهلاً وسهلاً.
ويمثل الكورنيش الممتد على ساحل البحر الأحمر، أبرز معالم الجمال لسكان المدينة أو الزوار القادمين إليها بخاصة الأجانب الذين يكتشفون أنهم في أحضان الطبيعة البحرية الخلابة وجاذبيتها، فضلاً عن أن بورتسودان من المدن الشاعرية وإلهام لأهل الفن والإبداع، تعد مصدر رزق للنساء والرجال والشباب بمختلف أعمارهم ومزارات سياحية تعرض فيها ثقافة أهل الشرق إلى جانب عرض الأصداف التي تستخرج من البحر الأحمر بأشكال زخرفية مميزة تجذب السياح.
هذه الحيوية التي يزخر بها كورنيش النيل، جعلته ملجأ وملاذاً للنازحين الفارين من حرب العاصمة الخرطوم لقضاء بضع ساعات بجوار البحر على رغم ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، فضلاً عن أنه مصدر رزق للنازحين الذين يبيعون الشطائر والقهوة والشاي والعصائر الباردة والزلابية المحلاة بالشوكولاته، تغلباّ على ظروف الحياة القاسية التي باتت تلاحقهم أينما حطت رحالهم.
أصحاب مهن رفيعة
محمد حاتم طبيب قدم إلى مدينة بورتسودان ليتخذها مقراً له بسبب الحرب الدائرة في الخرطوم، وخروجهم قسراً من منزلهم بضاحية كافوري التي تقع شرق الخرطوم دون شهادات تثبت أنه طبيب، مما جعله يبيع الشطائر في كورنيش النيل الذي بات متنفساً ومصدر رزق تفادياً لمحنة الحرب التي أجبرت المواطنين على ترك منازلهم وأرزاقهم، مما انعكس سلباً على الوضع المعيشي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول حاتم "من خلال بيعي الشطائر لم أتضجر من وضعي الجديد باعتباره مخرجاً للحصول على المال وغيري كثر من أصحاب المهن الرفيعة يزاولون البيع صباحاً ومساء". ةويضيف الطبيب السوداني أن "البيع على كورنيش النيل لمختلف المهن يجد رواجاً وإقبالاً بخاصة الشطائر باعتبارها وجبات خفيفة وسريعة وسعرها مناسب".
لوحات على الكورنيش
يبدو أن للشدائد وجوهاً أخرى، حرب الخرطوم وما أفرزته من مواجع وكوارث ومآس وآلام باتت إلهاماً لكثير من المبدعين الذين اتخدوا كورنيش النيل ملاذاً يحظى بالمعارض المفتوحة واهتمام الأجانب والسودانيين الذين أصبح بوسعهم قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منطقة الرسم الحر والغناء والشعر وملجأ أيضاً للروائيين بعيداً من أخبار الحرب والقتل والنزوح.
يقول الفنان التشكيلي محمد يونس إن "الفكرة استطاعت تحويل مساحة الكورنيش إلى صالة عرض مفتوحة، يشارك فيها الفنانون الذين فروا من القتل وصوت الرصاص، الذي شتت الأهالي، فعرضوا لوحاتهم ورسوماتهم في واجهة الكورنيش".
ويضيف "يقام معرض الرسم الحر مرتين في الشهر بهدف نشر الوعي وترقية ذائقة الجمهور وتبادل الخبرات بين المحترفين والهواة وسعي المشاركين لإنتاج أعمال تدعو للسلام وإيقاف الحرب والتعريف بمآسيها وخطورتها البالغة على الأجيال الجديدة".
ويشير الفنان التشكيلي إلى أن معارض الرسم الحر تسهم في زيادة إقبال متذوقي الفن على عكس العرض في الغاليريهات المغلقة التي لا يصلها إلا أناس محدودون" أما العرض في الهواء الطلق يزيد من أعداد المتذوقين.
جلسات فنية
تشهد ليالي الكورنيش نشاطاً فنياً بغية الترفيه فتلتحم مجالس الغناء والمنابر الشعرية بحضور عدد من نجوم الفن والشعر هروباً من الصراع المسلح، وتقام جلسات استماع للغناء بآلات موسيقية وترية مثل العود والغيتار.
في السياق ذاته، يرى الموسيقي معاوية حامد أن"أمسيات الكورنيش أحدثت حراكاً فنياً ونشاطاً اجتماعياً، أسهما في خلق أجواء مختلفة بعيداً من كوارث حرب الخرطوم والتشرد والنزوح المتواصل مما خلق تنوعاً في الأعمال الفنية والأشعار التي تجمع بين الوطنية والعاطفية وأخرى تدعو إلى السلم المجتمعي" ووجد كثيرون ضالتهم في كسر روتين الحياة في ظل طقس بورتسودان الحار وقطوعات الكهرباء وعدم توفير المياه.
ولفت حامد إلى أن مثل هذه الفعاليات تكتشف من خلالها المواهب ويتحقق التواصل بين الأجيال المختلفة، إلى جانب أن بورتسودان كمنطقة لها خصوصية لارتباطها بعمالقة الفن في المجالات كافة.