تسوّل القرن الواحد والعشرين.. حين يصبح تيك توك وسيلة الشباب للحصول على المال

منذ 1 سنة 115

 تسوّل القرن الواحد والعشرين.. حين يصبح تيك توك وسيلة الشباب للحصول على المال.. فهل تدفعهم الحاجة أم ركوب الموجة؟

يجلس مسنون وشباب، تحت وطأة أوضاع مزرية، لساعات داخل خيم مقفرة، وأعينهم شاخصة أمام هواتفهم النقالة، بهدف الظهور في بث مباشر وممارسة آخر ابتكارات الذكاء الاصطناعي: التسول الافتراضي أو ما يمكننا تسميته "التسول عن بعد".

خلال تصفّح تطبيق تيك توك، تلك المنصة الشهيرة التي جذبت خلال السنوات الأخيرة ملايين المستخدمين وتحديدًا خلال فترة الإغلاق مع انتشار فيروس كورونا، تظهر عشرات المقاطع والفيديوهات المباشرة التي حوّلت الكثير من الشباب إلى متسوّلين.

بين التسوّل والإيحاءات الجنسية

بحالات يُرثى لها، يظهر بعض هؤلاء الشباب غير مبالين بنظرة المجتمع لهم، بل على العكس، فهم يحرصون بشكل خاص على إظهار أسوأ حياة قد يعيشها الإنسان، بغية الحصول على بضعة دولارات. يُمكن وصف هذه الاستراتيجية المتبعة من قبل هؤلاء بـ"عدة الشغل"، التي تتطلب إظهار كمٍّ عالٍ من البؤس لجني أموال أكثر.

هذه النماذج، التي لا تُعد ولا تُحصى، تأتي إلى جانب شريحة أخرى من صانعي المحتوى تعتمد على الإيحاءات الجنسية لجذب الانتباه. لكن هذه المشاهد الأخيرة ربما لم تعد صادمة، نظرًا لانتشارها الكثيف منذ فترة بعيدة، تحديدًا مع ظهور تطبيقات التعارف.

هذا الواقع بات يفرض سؤالًا محيرًا للكثيرين: هل كان زانغ يمينغ، مخترع هذا التطبيق، يعلم عند إطلاق مشروعه الذي هدف بالأساس لنشر الفيديوهات الراقصة، بأنه سيتحول إلى مكان افتراضي للتسول، وأن كرامة البعض ستكون بلا معنى مقابل المبالغ المالية الكبيرة؟

وجد العاطلون عن العمل ضالتهم في هذه المنصة كفرصة للحصول على المال، ودخلوا في تحديات مباشرة مهينة؛ فتارة تراهم يلطخون أنفسهم بالبودرة أو البن، وطورًا تجدهم يتحوّلون إلى كلاب أو يكسرون بيضة على رأسهم.

"بدنا أسد"

واللافت، أن أكثر ما تسمعه طيلة فترة النقل المباشر والتي لا تتعدى الخمس دقائق، كلمات تتفاوت بين شتم المتنافسين بعضهم البعض لزيادة الإثارة والتشويق، وكلمات مدح للداعمين لحثهم على الدفع، إضافة لعبارات مثل "الله يخليكم دعم"، و"بدنا أسد أسد". ووحدها كلمة "كفو" تظهر بوضوح بأن السمكة قد علقت في صنارة "التيكتوكر".

خلال مشاهدة هذه الجولات، تشعر وكأنك في أحد الشوارع واستوقفك محتاج يطلب المساعدة، إلا أن وقفة الأخير تحت أشعة الشمس أو زخات المطر بالتأكيد تتطلب تقديم المزيد من الجهد وقدرة أكبر على التحمل ممن يجلس في غرفته أمام هاتفه. لذا ستكون شحادة "تيك توك ألا مود" أفضل من البقاء طيلة اليوم سارحًا في الطرقات تطرق نافذة هذا او يتفضل عليك ذاك ببضعة قروش تخرج من جيبه.

الوضع على هذه المنصة مختلف، يكفيك أن تصيب أسهمك أحد أصحاب الثروات ممن يتلذذون برؤية الناس في أوضاع مذلة ومشاهدة هذه التحديات والمشاركة فيها وفي تأجيجها كوسيلة للتسلية ولن تبدل المئات وحتى الألوف التي تخرج من جيوبهم الأرقام المسجلة في حساباتهم المصرفية بل ستبذل واقع من يعيشون لا يجدون ما يقتاتون به.

الأفظع، كان وقوعي على بث مباشر لرجل سوري كان يجلس في خيمة والمياه تغمر قدميه.. بقي هكذا لساعات وهو مستمر على كرسي أمام كاميرته، لم يتحرك حتى لسحب المياه من الأرض بل كان واقعه المرير فرصة أراد استغلالها لكسب استعطاف الداعمين وتحقيق أرباح أكبر. كان سعيد بما حدث له، ولكن هل كان ليشعر بلذة المياه التي غمرت ما تبقى له من الحياة قبل ظهور هذا التطبيق وانتشار هذه الظاهرة الجديدة؟

ما يصعب تصديقه أن هذه التحديات لم تقتصر على من هم عاطلون عن العمل، بل انضم إلى هؤلاء ايضا اصحاب اعمال يأسوا من تعثر أعمالهم فقرروا هم ايضا اللجوء إلى تيك توك للحصول على نصيبهم من خير الداعمين وهداياهم، وكان لعدد من الممثلين العرب نصيب أيضا، بعد أن اكتشفوا أن التمثيل في دولنا لا "يطعم الخبز"..

بعد رحلة من الغوص في عالم تيك توك، تجد أن معظم هؤلاء الشبان هم من لبنان وسوريا وفلسطين ودولنا المتأزمة اقتصاديا… على عكس الدول الغربية التي يحسن ناسها استخدام هذا التطبيق لكثرة القيود التي أجبرت دولها الشركة الأم على وضعها والتي طبعا غير موجودة في عالمنا.

وأمام هذا المرض المستفحل أشعر بحاجتنا وحاجة مجتمعاتنا التي تفقد شيئا فشيئا قيمها ومبادئها إلى استئصال هذا الورم الخطير الذي يهدد كبارنا وصغارنا، وأخشى الا تلتفت السلطات والدول التي يناسبها فكرة أن ترانا "منشغلين" بكل ما يبعدنا عن المطالبة بحقوقنا ورفع الصوت،. بل على العكس أن تدعم انخراطنا أكثر في هذه التطبيقات.

ويجدر الذكر أن تيك توك، يسمح لك بشراء العملات من بطاقتك الائتمانية لإرسال الهدايا، وتبدأ هدايا التطبيق من وردة وهي الارخص ثمنها بضع سنتيمات و تساوي نقطة واحدة، وتنتهي بتيك توك يونيفرس وثمنه حوالي 500 دولار ويساوي 34999 نقطة ! أو أن تنتظر ان تجمع هذه النقاط من خلال مشاركتك في دردشات ولكن نادرا ما يمكنك تجميع عملات تساوي أسدا أو حوتا ...