"تقطعت السبل بآلاف الناس مع توقف شركات رحلات الطائرات المنخفضة الكلفة عن العمل".
شكلت العبارة السابقة عنواناً رئيساً في صحيفة "اندبندنت" خلال مارس (آذار) 2019 حينما أغلقت شركة "واو إير"، وفي هذا السياق عمدت إلى التذكير بالمصير العاثر للخطوط الجوية الأيسلندية الذي أدى إلى خسارة 150 مليون جنيه استرليني، إذ يبدو أن المغامرة الجديدة، "فلاي أتلانتيك"، تعتمد خطة عمل مماثلة. آنذاك تمثلت استراتيجية "واو إير" في نقل الركاب من نقاط في جميع أنحاء المملكة المتحدة والقارة الأوروبية إلى مهبط جوي في جزيرة على أطراف شمال غربي أوروبا، كي تحط فيه الطائرات الآتية من إدنبرة وغاتويك وأمستردام وليون وبرشلونة، وتفرغ الركاب في منطقة عبور (ترانزيت) ثم ينقلون إلى مدن أميركا الشمالية على غرار بوسطن ونيويورك وواشنطن العاصمة وشيكاغو ومونتريال وتورنتو.
وكذلك تخطط شركة "فلاي أتلانتيك" لأمر مشابه تماماً بدءاً من صيف 2024، وسيكون المهبط الجوي للجزيرة هذه المرة في "مطار بلفاست الدولي"، أكبر مطار في إيرلندا الشمالية.
وذكر أندرو باين، الرئيس التنفيذي لشركة الطيران تلك، "نحن ننظر إلى بلفاست كمركز قوي للملاحة الجوية يربط أوروبا وأميركا الشمالية، ومن الواضح أن اﻻفتقار إلى الخدمات الجوية المباشرة عبر المحيط اﻷطلسي شكّل عقبة أمام التنمية الاقتصادية والسياحية لإيرلندا الشمالية، وبالتالي فنحن نعتزم إزالتها الآن".
وأضاف بايل، "يمكن لمشروع كهذا أن يغير قواعد اللعبة، إذ سيوفر الخط الجوي المزمع تواصلاً أكبر ويساعد في نقل الهوية الفريدة لإيرلندا الشمالية إلى جمهور عالمي".
إنها كلمات جميلة، لكن لماذا ستنجح "فلاي أتلانتيك" بعد أن فشلت "واو إير" قبلها؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذاً ينبغي أن تكون الكلف أقل بكثير، فأي شركة طيران تتخذ من آيسلندا مقراً لها يتعين عليها أن تدفع أجوراً بمعايير آيسلندية، وهي أعلى من الأجور في إيرلندا الشمالية، وبخصوص معظم المحطات المحتملة تبقى بلفاست مسار طيران مباشر يتجاوز "ريكيافيك"، إذ تختصر 300 ميل في رحلة لندن - نيويورك.
ويبلغ عدد سكان إيرلندا الشمالية خمسة أضعاف عدد سكان أيسلندا، وهو ما من شأنه أن يساعد في تلبية الطلب المحلي.
ومع ذلك فإن السلبيات تفوق الإيجابيات، بدءاً من المنافسة التي تشكل أمراً طالما خشيته، فلقد خاضت شركة "واو إير" غمار المنافسة مع شركة "آيسلندا إير" في رحلات النقل الجوي عبر المحيط الأطلسي، وعلى رغم غياب منافسين مباشرين لتلك العملية التي تجد مقرها في بلفاست، إلا أن إحدى أعظم قصص نجاح الطيران على مدى السنوات القليلة الماضية تمثلت في مطار دبلن، خصوصاً عروضه عن الرحلات الجوية عبر الأطلسي.
العاصمة الأيرلندية واحدة من المدن القليلة التي يمكن أن تقدم "التخليص المسبق" لرحلات النقل الجوي إلى الولايات المتحدة، إذ ينهي الركاب إجراءات عبور الحدود الأميركية بينما هم لا يزالون على الأراضي الإيرلندية، وبعد الهبوط في الولايات المتحدة فلا حاجة إلى إجراءات إضافية.
تستغرق العملية في مطار دبلن، بحسب تجربتي، بضع دقائق لكنها قد تختصر بضع ساعات عند الوصول، وتملك دبلن جاذبية بخاصة عند الإيرلنديين الشماليين الذين يقايضون بسعادة بضع ساعات إضافية من الرحلة البرية في مقابل أجرة لائقة، ويضاف إلى ذلك وجود باقة من الوجهات وفرصة في تجنب ضوابط الحدود الأميركية عند الوصول.
كذلك ينظر المسافرون البريطانيون إلى مطار العاصمة الإيرلندية بوصفه موفراً محتملاً للضرائب، إذ تعفي بلفاست مسافري الرحلات الطويلة التي تنطلق منها فلا تستوفي منهم رسوم المغادرة، وبالتالي يتوجب على أي مسافر في رحلة ربط جوية ضمن بريطانيا العظمى دفع 87 جنيهاً استرلينياً اعتباراً من أبريل (نيسان) المقبل، إلا إذا توقف في بلفاست لمدة 24 ساعة على الأقل، وإذا ما بدأت بلفاست في اجتذاب شطر كبير من حركة المرور بعيداً من دبلن، فإن "آير لينغوس" ستتدخل بطرح أسعار مغرية في رهان المنافسة مع بلفاست.
وكذلك إذا افترضنا أنه بإمكان "فلاي أتلانتيك" الحصول على بعض التمويل وبعض الطائرات، فإن مطلع صيف عام 2024 سيشهد صفقات مغرية للمسافرين إذا قارنوا بين أسعار بلفاست ودبلن.
في المقابل يبدو أن حروب الأسعار هذه لا تدوم طويلاً، وسرعان ما يسقط أحد المتنافسين صريعاً، ونادراً ما يكون هو الأقدم في السوق.
آمل أن يكون تشاؤمي في غير محله، فبلد يقع في أقصى الشمال الغربي من أوروبا يستحق أن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأميركا، ومن شأن خطة "فلاي أتلانتيك" أن تحقق هذا على وجه التحديد، ولنأمل أن تفلح هذه الشركة في إدهاشنا حقاً.