بالتزامن مع استمرار تفشي الأوبئة والأمراض بمناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، أفادت مصادر يمنية طبية بأن مرض «السل الرئوي» انتشر بشكل غير مسبوق جراء فساد قادة الجماعة وإهمالهم وسيطرتهم على الموارد ونهبهم للمساعدات وسط انهيار شبه كلي في الخدمات الطبية.
وفي تقرير حديث له، أبدى برنامج مكافحة السل والأمراض الصدرية في صنعاء اعترافه بتسجيل مناطق عدة خاضعة للجماعة أكثر من 10 آلاف و411 حالة إصابة «سل رئوي» في العام الماضي، إلى جانب تسجيل 450 حالة إصابة أخرى بما يسمى «السل المقاوم» للأدوية المتعددة في العام نفسه.
وتوقعت مصادر طبية في صنعاء خلال حديثها مع «الشرق الأوسط»، أن تكون الأرقام الفعلية لحالات الإصابة بـ«السل» بمختلف أنواعه أكثر من الحالات التي أعلن عنها المركز الخاضع للجماعة الحوثية التي لا تزال تحكم كامل قبضتها على جميع مقدرات وإمكانات الصحة اليمنية في صنعاء.
وأوضح تقرير المركز أن العاصمة المختطفة صنعاء تصدرت المرتبة الأولى في معدل الإصابات بمرض «السل الرئوي» بتلك الفترة، تلتها محافظة حجة في المرتبة الثانية، ثم الحديدة في المرتبة الثالثة، ومحافظة إب في الترتيب الرابع، لافتاً إلى أن المرض لا يزال يمثل إحدى المشكلات الصحية الكبيرة في مناطق سيطرة الانقلابيين، وقدر معدل الإصابة بنحو 48 حالة جديدة لكل 100 ألف من السكان.
ويشير ذات التقرير الصادر عن البرنامج إلى توقف 75 وحدة لمعالجة مرضى السل، بمديريات صعدة (معقل الميليشيات) وفي 5 محافظات أخرى منها حجة والبيضاء وتعز والجوف وغيرها، إضافة إلى تعرض 55 مرفقاً صحياً أغلبها خاصة بمكافحة المرض لأضرار متفاوتة، وإغلاق 21 مرفقاً آخر.
وفي حين لفت التقرير إلى «فقدان أجهزة طبية ومعدات خاصة ببرنامج مكافحة السل في مناطق عدة»، تحدثت مصادر طبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن أن تلك الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها تمت مصادرتها على يد مسلحي الجماعة في أعقاب انقلابها واجتياحها العاصمة ومناطق أخرى.
وكشف التقرير عن توقف العلاج لأزيد من 3 آلاف و600 مريض سل نتيجة نزوحهم من أماكن إقامتهم إلى مناطق أخرى، وحرمان 3 آلاف مصاب بالسل المقاوم للأدوية من التشخيص والعلاج بسبب حالة العجز التي وصل إليها برنامج مكافحة السل في صنعاء، الأمر الذي جعله غير قادر على تقديم خدماته للمرضى.
في سياق ذلك، أكد أطباء وعاملون في برنامج مكافحة مرض السل الخاضع للجماعة في العاصمة لـ«الشرق الأوسط»، أن الحرب التي أشعلت فتيلها الجماعة وغياب دور مراكز مكافحة السل نتيجة العبث والنهب الحوثي المتكرر بحقها طيلة الأعوام الماضية ساعد بشكل كبير في انتشار حالات الإصابة.
وأرجعوا أسباب انتشار المرض بين آلاف اليمنيين إلى أنه ناتج عن عمليات النهب المنظمة التي طالت عقب الانقلاب واجتياح صنعاء والمدن عشرات المرافق والمؤسسات والمراكز الصحية المتنوعة بينها تلك المتعلقة بمكافحة الأوبئة المعدية. ووسط فساد قادة الجماعة الحوثية واستمرارهم في استهداف وتدمير القطاعات الحيوية، بما فيها القطاع الصحي الذي ارتبط ارتباطاً مباشراً بصحة وحياة اليمنيين، وذلك من خلال أعمال الدهْم والإغلاق والابتزاز والنهب وفرض الجبايات، أكدت المصادر الطبية أن جرائم السرقة الحوثية المتعمدة لمخصصات 4 برامج وصناديق خاصة بمكافحة الأمراض والأوبئة بينها برنامج مكافحة السل الرئوي في صنعاء أدت بشكل كبير إلى تراجعه عن تقديم الرعاية الطبية للمرضى، كما أسهم ذلك في الحد من برامج التثقيف والتوعية بمخاطر هذا المرض.
وكان عاملون في برنامج مكافحة السل بصنعاء كشفوا، في منتصف عام 2021، لـ«الشرق الأوسط»، عن تسجيل البرنامج خلال ثلاث سنوات ما يزيد على 40 ألفاً و190 حالة في صنعاء العاصمة ومحافظات: إب، وذمار، وصعدة، وحجة، وعمران، والمحويت.
وتحدثت تقارير محلية وأخرى دولية في أوقات سابقة عن أن فساد الميليشيات الحوثية وعبثها على مدى سنوات الانقلاب الماضية قادا إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في المناطق تحت سيطرتها، لجهة قيام عناصرها المعينين في مفاصل القطاع الطبي بنهب المساعدات الإنسانية الصحية والسطو على عائدات الخدمات، فضلاً عن تخصيص أغلب الموارد لمصلحة المجهود الحربي.