ترمب و«تيك توك»... دلالات في معركة الحظر

منذ 10 ساعة 16

في السنوات القليلة الماضية شاع وانتشر تعبير حرب المعلومات، ربطه البعض بمصطلح آخر وهو حروب الجيل الرابع أو الخامس، وكلاهما يقوم على فرضية معروفة تاريخياً، فمَن يملك المعلومات عن الخصوم والأعداء والأصدقاء أيضاً، فإنه يملك كثيراً من الفرص والأدوات والقدرة على التأثير وتوجيه دفة الأحداث لصالحه.

هذه الأبعاد أصبحت فصلاً معتاداً في تفكير الدول والمؤسسات والجماعات الشرعية أو غير الشرعية، فامتلاكُ أكبر كمٍّ ممكن من المعلومات مهمٌّ لبناء الاستراتيجيات والسياسات. حين سعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته السابقة إلى حظر تطبيق «تيك توك» كانت مبرراته أنه تطبيق يمتلك كمّاً هائلاً من المعلومات عن الأميركيين الذين أدمنوا التطبيق وأصبح مفضلاً لديهم، وهم في حدود 170 مليون أميركي شهرياً، وأن تلك المعلومات تمثل رصيداً مهماً لدى الصين التي تمتلك إحدى شركاتها هذا التطبيق المثير للشباب وصغار السن تحديداً. الحجة الثانية لدى ترمب تمثلت في أن الشركات الصينية خاضعة بشكل أو آخر لحكومة الحزب الشيوعي الصيني. ومن ثمَّ فلا بديل سوى حظر التطبيق في الداخل الأميركي، أو بيع فرعه في الولايات المتحدة. ما طالب به ترمب في السابق، أيَّده حكم محكمة استئناف فيدرالية أميركية في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومنح الشركة المالكة فرصة للحظر أو البيع حتى 19 يناير (كانون الثاني) الجاري، مؤيداً الحجج عينها التي تمسّك بها ترمب في إدارته الأولى، وخلاصتها اعتبارات الأمن القومي، وليست حرية التعبير.

تجربة ترمب في أثناء الحملة الانتخابية أظهرت له أبعاداً أخرى؛ أهمها أن التطبيق يمكن أن يكون عاملاً مؤثراً في جذب شريحة من الأميركيين صغار السن والشباب، وأنه بشكلٍ ما صوَّت معظم هؤلاء لصالح انتخابه. ثمة بداية لإدراك مختلف، فالتطبيق رغم كونه تحت سيطرة شركة صينية، فالظاهر أنه لم تستخدمه الحكومة الصينية لإيذاء ترمب وفرصه في الفوز. لكن يبقى حكم المحكمة العليا واجب النفاذ، حسب تصريح لترمب، مع إشارة إلى التفكير في بدائل لمنع الحظر الكلّي.

الأحداث على النحو السابق تكشف عن ثلاثة أبعاد مهمة؛ أهمها أن جمع المعلومات ليس هو الهدف في حد ذاته، بل كيف تُستخدم هذه المعلومات ومَن يستخدمها. فإذا كانت الحكومة الصينية لديها كمٌّ هائل من المعلومات عن توجهات نسبة كبيرة من المواطنين الأميركيين ولم تستغلّها للتدخل في توجيه تلك الأصوات الانتخابية، فهذه إشارة إلى أمرين؛ إما أن هذه المعلومات لا تفيد في تحقيق هدف معين أكبر مما تتوخاه الشركة صاحبة التطبيق، وهو الانتشار ومزيد من المكاسب المالية وحسب.

البعد الثاني يتعلق بتفضيلات الأجيال الجديدة بخصوص تطبيقات التواصل الاجتماعي. ومما يميز «تيك توك» أنه يتعامل مع الإبداع الفردي الذاتي في حدود زمنية محددة وقصيرة ولا تتطلب جهداً فائقاً، وإطلاق الإمكانات الفنية كما يشعر بها أصحابها، ورغبتهم في عرض تلك القدرات على أكبر مساحة من المشاهدين والمتلقين، وتحصيل عوائد مالية. هنا تتحقق رغبة في المنافسة والانتشار والشهرة والاستفادة المالية. وكلها عناصر جاذبة للأجيال من العاشرة إلى نهاية العشرين من العمر.

البعد الثالث يتعلق بالمنافسة بين تطبيقات التواصل الاجتماعي، ومن يمكنه أن يجذب أكبر شريحة ممكنة من الفئات العمرية المختلفة، في المجتمع العالمي ككل، وليس في مجتمع بعينه. وهناك تطبيقات كثيرة ومتنوعة، وكل يوم يخرج أحد هذه التطبيقات للعلن، منها ما يُعمر ويَطول عمره ويفرض نفسه في الساحة، ومنها ما لا يظهر سوى ساعات محدودة وبعدها يختفي من الوجود، ومنها ما ينطلق في بلد محدد من دون أن يتجاوز حدوده. وما أثبته «تيك توك» أن البساطة والتلقائية وإطلاق الموهبة الذاتية هي عناصر مهمة لنجاح تطبيقات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن السرعة والانتشار. صحيح هنا أن بعض ما يُنشر يتجاوز قيماً مجتمعية في بلدان بعينها، مما يطرح قضية الرقابة الأسرية والمجتمعية والتوجيه وضبط السلوك في مرحلة عمرية حساسة للغاية، وهذه ليست مسؤولية التطبيق وأصحابه فقط، بل مسؤولية جماعية لا بد أن تحكمها قوانين وأعراف يُتفق عليها بين مجتمع بعينه وبين الشركة الأم، وإلا فالحظر والمنع يصبحان مشروعَين.