ترمب أكثر قوة من أي وقت مضى

منذ 8 أشهر 105

قبل نحو 18 شهراً، تعرض دونالد ترمب لإحدى أسوأ هزائمه السياسية، عندما خسر كثيراً من أنصاره والمرشحين الذين اختارهم بعناية في مشهد انتخابات التجديد النصفي الذي كان يصبّ في صالح الجمهوريين بوضوح. كان الكثير من الناس -وكنت واحداً منهم- يعتقدون أن هذا قد يكون بداية النهاية بالنسبة له، وهو مؤشر صارخ على الضعف السياسي الذي سيشجع ناخبي الحزب الجمهوري على التخلي عنه أو يعدّه لهزيمة قاطعة في الانتخابات العامة.

بدلاً من ذلك، يحتل ترمب اليوم وبشكل قد يُعدُّ فيه أقوى سياسياً في الساحة الأميركية مما كان عليه في أي لحظة أخرى خلال السنوات الثماني الماضية استكمل انتصاره يوم الثلاثاء الكبير إعادة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لعام 2016، إذ تعد معارضته مرة أخرى مقسمة بشكل قاتل ويكون تحالفه هذه المرة أقوى بكثير من البداية.

استطلاعات الرأي التي تُظهر استمرار تفوق ترمب على الرئيس جو بايدن -تعكس استعراضاً للقوة يتخطى أي شيء حققه في نفس المرحلة في الحملتين الرئاسيتين السابقتين. كيف تحوَّلنا من الهزيمة والضعف الظاهر إلى التعافي والقوة؟ تبدأ الأمور بالنتيجة السياسية الأهم لخيبة أمل الجمهوريين في عام 2022، والتي لم تكن الضربة المؤقتة لترمب وإنما العودة القصيرة لفاعلية بايدن، محتسباً أي محاولة داخل التحالف الليبرالي لتسليط الضوء على سنّه ودفعه للخروج من انتخابات 2024.

التمسك ببايدن لم يكن يعني فقط أن الديمقراطيين كانوا عالقين مع العجز الرئاسي الظاهر إلى جانب سجل اقتصادي لا يحظى بشعبية كافية. كما يعني أيضاً أن الجدل بين الجمهوريين حول عدم قدرة ترمب على الفوز، والذي كان قوياً بشكل مؤقت بما يكفي لرفع رون دي سانتيس في استطلاعات الرأي، سرعان ما اختفى: مع كل استطلاع جديد تظهر معاناة بايدن، وأصبح من الصعب على دي سانتيس، ومن بعده هالي، إقناع الناخبين الذين أحبوا ترمب بأنه حان الوقت لطي الصفحة.

لذا، من خلال إنقاذ بايدن، ساعدت الانتخابات النصفية على إحياء ترمب في النهاية. كما ساعدت عودة الحملة القانونية الليبرالية، التي كانت في حالة مُعلقة خلال السنتين الأوليين لفترة رئاسية بايدن، ولكنها عادت بقوة في سلسلة من لوائح الاتهام الجنائية والدعاوى القضائية ومحاولات رفع اسم ترمب من القائمة الانتخابية الرئاسية.

هناك إحباط ليبرالي مفهوم من محاولات تقديم الترمبية قوةً سياسيةً لا تُقهَر، نظراً لعدد هائل من الهزائم القاسية التي تعرض لها هو وحلفاؤه في صناديق الاقتراع. ولكنّ هناك نمطاً واضحاً حيث لا يمكنك توقع هزيمة ترمب إلا في صناديق الاقتراع -لأن جميع المحاولات للتحقيق والمساءلة والمحاكمة لا تحقق التأثير السياسي المرجوّ.

من الواضح أن ترمب فاسد، وبعض الإجراءات ضده لها ما يبررها. لكن في كثير من الأحيان تتلوّن هذه الجهود بالنيات الحزبية الصريحة، سواء استولى عليها المحتالون الليبراليون مثل مايكل أفيناتي، أو مجرد متابعتها بمزيج من التجاوزات وانعدام الكفاءة والأماني.

هكذا كانت السنة الماضية. كان بإمكان المدّعين توجيه اتهام واحد قاطع الفاعلية ضد الرئيس السابق، في قضية الوثائق السرية. ولكنهم جلبوا أربعاً منها -الأولى (القضية في نيويورك) حزبية تماماً، والاثنتان الأخريان تتطلبان نظريات قانونية جديدة أو مبتكرة لتحقيق النجاح. والآن أعادت إحدى المدعيات، فاني ويليس من جورجيا، تكرار قصة أفيناتي، حيث كشفت مطاردتها لترمب عن هشاشة أخلاقية خاصة بها. في الوقت نفسه، شهدنا أيضاً اندفاعاً غريباً من الحماسة نحو الاستعانة بالتعديل الرابع عشر لحل مشكلة ترمب، أي إزالته من القائمة الانتخابية عبر مسؤولي الدولة أو قرار قضائي. كحملة قانونية، كانت هذه هي الأسوأ على الإطلاق: كانت المحاولة غير ديمقراطية وضعيفة للغاية في الوقت نفسه، مما يدل على خوف ليبرالي خاص من ترمب (مما يعزّزه لدى جمهوره الأساسي) وخوف النخبة العامة من جمهور الناخبين (تحييد الناخبين المتأرجحين) ويؤدي إلى توبيخ صريح من المحكمة العليا بنسبة 9 - 0 بصورة متوقعة تماماً. لذا، ارتفع ترمب أيضاً من خلال حظه، مرة أخرى، فيما يتعلق بمنافسيه وأعدائه. ولكنه ارتفع أيضاً عن طريق فعل شيء غير معتاد قليلاً: مغادرة المسرح والأضواء وإظهار لمسة -مجرد لمسة- من الانضباط السياسي الفعلي.

رفض أن يُستفزّ إلى مسرح المناظرات الأولية، سواء من نيكي هالي، أو كريس كريستي، أو نائبه السابق. لديه محترفون سياسيون عاديون يديرون حملته. لقد حافظ على تصريحاته الغريبة إلى حد ما محصورة في عالم منصة «تروث سوشيال» الخاصة به بدلاً من العودة المظفرة إلى منصة أكبر لوسائل التواصل الاجتماعي. أقام أقل عدد من التجمعات الانتخابية، وتصدّر عدداً أقل من عناوين الصحف بإهاناته، وابتعد عن بعض المعارك التي قد تكون قد استمرت لأسابيع في الماضي. (على سبيل المثال، عندما لقيت انتقادات سيئة لزوج هالي، الذي كان يشتغل في الخارج، ردود فعل سلبية في جنوب كارولاينا، أسقطها ترمب إلى حد كبير من خطابه في حملته الانتخابية).

ليس هذا «ترمب الجديد» بالضبط؛ إذ إن خطاباته في التجمعات الانتخابية الحاشدة لا تزال مشوشة ومليئة بالمظالم، ويكفي أن تلقي نظرة على «تروث سوشيال» لرؤية الهوس القديم مستمراً. قد يكون الأمر كأنه يبدو أكثر احتواءً لأنه جرى احتواؤه، بشكل غير مقصود، من قوى أقوى من غروره الذاتي، بدءاً من تقدم في العمر إلى متطلبات جميع تلك المحاكم والقضايا القانونية.

لكن سواء كانت هناك استراتيجية حقيقية من عدمها، يبرر موقفه الحالي بوضوح قاعدة عصر ترمب التي تفيد بأنه كلما تراجعت صورته ارتفعت استطلاعات الرأي بالنسبة له. حملة المرشح الأوفر حظاً الحذر، والتقويم المليء بمواعيد المحكمة كانت أفضل بكثير لموقفه السياسي من حملة مكتظة بالتجمعات الانتخابية، والعودة إلى النشر المستمر على منصة التواصل الاجتماعي لإيلون ماسك.

هذا هو الجزء الوحيد من النهضة الترمبية الذي أعتقد أنه يجب أن يمنح حملة بايدن درجة من الارتياح لحملة الخريف. بشكل عام، يبدو البيت الأبيض في نوع خطير من الإنكار إزاء وضعه الخطير، محاولاً أن يتخلّى عن الرسالة الواضحة لمعدلات التصويت. ولكن إلى الحد الذي يزدهر عنده ترمب عندما يحصل على أقل اهتمام، نتوقع حملة انتخابات عامة تقدم الكثير من التذكيرات بفوضى ترمب وعدم ملاءمته للناخبين الذين لا يُعيرونه انتباهاً كبيراً الآن.

أو على الأقل، كما يمكن أن تتوقع ذلك من حملة انتخابات عامة عادية، مع مرشح ديمقراطي مستعد لتحدي ترمب وجعل ضجيجه وثرثرته الصاخبة أمراً جللاً. ولكننا لا نعرف بعد ما إذا كان بايدن يمكنه حقاً أن يلعب هذا الدور. إذا لم يكن قادراً على ذلك، فإن السهولة الغريبة لتعافي ترمب، وتصدره للانتخابات العامة، قد تمتد على نحو كامل حتى استعادة السلطة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»