تذمراً من واشنطن... مؤيدون للفلسطينيين ينقلون معركتهم إلى المجالس البلدية

منذ 11 أشهر 113

ظل الأميركيون محتشدين داخل المباني الحكومية لأسابيع في مجموعة من المدن، التي يقودها التيار الديمقراطي، من أجل عقد اجتماعات ولقاءات ماراثونية بهدف المطالبة باتخاذ موقف فوري عاجل من جانب الشخصيات القيادية المحلية بشأن الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

أصدرت عشرات مجالس المدن الأميركية حتى الآن قرارات تحثّ إسرائيل على وقف قصف قطاع غزة، من بينها مدن عديدة في ولاية ميشيغان، التي يقيم بها عدد كبير من المسلمين، إلى جانب العديد من المدن في ولاية كاليفورنيا. وكان من بين أكبر المدن، التي اتخذت هذا النهج أيضاً، أتلانتا وديترويت.

ومع ارتفاع عدد القتلى جرّاء الحرب التي تدور رحاها بين إسرائيل و«حماس»، وتسبب القصف في مقتل أكثر من 15 ألفاً و500 شخص، حسب مسؤولي الصحة في غزة، أثارت الخلافات اضطرابات داخل مجتمعات كبيرة وصغيرة. وقابل الدعم المبكر لإسرائيل بعد مقتلة 7 أكتوبر (تشرين الأول)، التي أسفرت عن مقتل 1200 إسرائيلي على أيدي حركة «حماس»، دعوات لمساعدة الفلسطينيين.

لا ترقى القرارات المحلية بشأن الشؤون الدولية سوى إلى مستوى اللفتات الرمزية التي لا تؤثر بشكل مباشر على عملية وضع السياسات الأجنبية. مع ذلك يمكنها أن توفر وسيلة تتيح لبعض الناخبين المتشبثين برأيهم التعبير.

يعتقد من يدعون إلى إصدار قرارات وقفِ إطلاق النار في احتمال أن تكشفَ مجموعة مهمة من تلك اللفتات المحلية هذه المرة للبيت الأبيض عن فقدانه الدعم اللازم لمؤازرة الحملة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً إذا كانت تلك القرارات صادرة عن معاقل ديمقراطية تعمل قاعدةً للرئيس جو بايدن. وقال إدواردو مارتينيز، عمدة مدينة ريتشموند بولاية كاليفورنيا، التي كانت أول مدينة تصدر قرار وقف إطلاق النار: «يمكن للمرء أن يلاحظ الزخم». الجدير بالذكر أن الولاية قد أعربت أيضاً عن انتقادها الحاد لإسرائيل، حيث اتهمتها بانتهاج «سياسة الفصل العنصري» وممارسة «التطهير العرقي». وأضاف قائلاً: «بصفتي عمدة، ربما لا يكون صوتي وحده ذا معنى، لكن عندما أغني ضمن جوقة، نقدم أنغاماً موسيقية يستطيع الناس سماعها».

تنوعت القرارات المحلية بين إدانات واسعة النطاق للعنف الذي تتم ممارسته ضد جميع المدنيين وبين تصريحات مؤيدة للفلسطينيين. وطالب الكثيرون بإطلاق حركة «حماس» لسراح جميع الرهائن وأدانوا معاداة السامية إلى جانب رهاب الإسلام.

وذكر مجلس مدينة سياتل في قراره الخاص بوقف إطلاق النار الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) أن الجيش الإسرائيلي ألقى «72 قنبلة لكل ميل مربع من غزة، التي تعدّ إجمالي مساحتها أصغر من مساحة مدينة سياتل». أما في ولاية ديلاوير، مسقط رأس الرئيس بايدن، دعمت مدينة ويلمنغتون، وهي أكبر مدن الولاية، قرار مجلس النواب الذي يدعو بايدن إلى «تيسير وقف التصعيد ووقف إطلاق النار في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة».

وكان هذا الضغط مكثفاً بوجه خاص في الولايات الديمقراطية بشكل كبير، ومن بينها كاليفورنيا، حيث عبّر نشطاء مؤيدون للفلسطينيين وأنصار للنهج التقدمي عن شعورهم بالإحباط من إدارة بايدن، ومارسوا ضغوطاً على مدن يقودها ديمقراطيون من خلال حملات منظّمة. وشعرت منظمات يهودية بالقلق من تلك الجهود التي تقول إنها تتضمن استخدام لغة مناهضة للسامية وقللت من شأن عمليات الاختطاف والقتل التي تقوم بها حركة «حماس».

جذب النقاش بشأن الدعوات المقترحة لوقف إطلاق النار حشوداً متدفقة واصلت حركتها حتى انسدال الليل في سانتا آنا في ولاية كاليفورنيا وسان فرانسيسكو، حيث تجمع أكثر من ألف متظاهر مناهض للحرب على جسر غولدن غيت «البوابة الذهبية» يوم الأربعاء عند شروق الشمس. كذلك تسلق أحد المتظاهرين سارية العلم في الطرف الجنوبي من الجسر من أجل وضع علم فلسطين تحت العلم الأميركي قبل إصدار الشرطة أمراً بإزالته وإلقاء القبض عليه.

وأثار قرار ذو كلمات رصينة ومنتقاة بعناية في مدينة أوكلاند خلال الأسبوع الماضي جدالاً ساخناً امتد لساعات، وأنتج مقطع مصور حظي بإدانة واسعة النطاق يضمّ معلقين متنوعين على الأخبار دافعوا عن «حماس»، وشككوا في روايات إخبارية عن المقتلة التي حدثت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

وحتى الضواحي الصغيرة انجذبت نحو النزاع والخلاف، حيث أصدر مسؤولون في مدينة كوداهي، في مقاطعة لوس أنجليس، التي أغلب سكانها ذوو أصول لاتينية، ويبلغ عددهم 22 ألفاً، خلال الشهر الماضي، قراراً يدين الحكومة الإسرائيلية بسبب «الانخراط في عقاب جماعي للفلسطينيين»، وهو ما يعدونه جريمة حرب.

وتشير مجموعات مؤيدة لإسرائيل بقلق إلى أنه حتى قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، كانت جرائم الكراهية في ازدياد. والآن بعد ما أصبحت الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» على أجندات المجالس المحلية، فتحت مباني البلديات بشكل رسمي الباب لخطاب كراهية محتمل، ونشر لمعلومات مضللة بشكل عام، على حد قول تايلر غريغوري، الرئيس التنفيذي لمجلس العلاقات المجتمعية اليهودية في سان فرانسيسكو. وقال: «لقد كنت داخل الغرفة في مدينة أوكلاند، وكانت معاداة السامية مروّعة».

وتمثل الإجراءات، التي تم اتخاذها مؤخراً، تناقضاً واضحاً مع استجابة الحكومات المحلية خلال شهر أكتوبر عندما أدان مسؤولون حكوميون بشكل واسع الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر، وعبّروا عن تضامنهم مع إسرائيل. وأصدر قادة يمثلون بعض أكبر الدوائر المحلية قرارات مؤيدة لإسرائيل بما فيها مقاطعة لوس أنجليس ودالاس، كما فعلت ذلك مدن بها عدد كبير من السكان اليهود مثل بيفرلي هيلز وكاليفورنيا، ومدن يقيم بها ناخبون ينتمون إلى التيار المحافظ مثل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا.

يقول مؤيدو وقف إطلاق النار إن لديهم بعض الخيارات الأخرى لجذب انتباه واشنطن، التي لا يزال يدعم فيها الكونغرس والبيت الأبيض ممارسات الجيش الإسرائيلي. إنهم ينسّقون الجهود من أجل إقناع شخصيات قيادية منتخبة في مناطق مختلفة بضرورة اتخاذ موقف، واستخدام لغة عامة، وحثّ الناخبين على التجمع والاحتشاد.

توضح استطلاعات الرأي أن أكثر الأميركيين لا يزالون يدعمون إسرائيل، لكن الديمقراطيين منقسمون، والصبر ينحسر في ظل القصف المتواصل لقطاع غزة. ويشير استقصاء صدر عن وكالة أنباء «أسوشييتد برس» ومركز «نورك» للأبحاث الخاصة بالشؤون العامة بجامعة شيكاغو إلى أن نحو نصف الأميركيين البالغين ونحو ثلثي الديمقراطيين قد شعروا بضرورة جعل التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار أولوية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.

قد يعقّد ذلك الدعم الممتد منذ فترة طويلة لإسرائيل والدعم الديمقراطي لمحاولات إعادة انتخاب بايدن خلال العام المقبل. وأرسلت مجموعة من المتدربين المجهولين في البيت الأبيض خطاباً خلال الأسبوع الحالي إلى بايدن من أجل وقف دائم لإطلاق النار، ودعت مجموعة «يونايتيد أوتو ووركورز»، الأسبوع الماضي، إلى إنهاء الصراع بشكل فوري.

مع ذلك وجدت بعض المدن الليبرالية صعوبة في إصدار قرار لوقف إطلاق النار.

* خدمة «نيويورك تايمز»