يجب أن يقوم أحدهم بإخبار شركة "ورنر بروز" بأن السحر ليس حقيقياً، بغض النظر كم هي مذهلة رؤية الأرانب تخرج من قبعة ومدى روعة الارتفاع عن الأرض، فهو دائماً محض وهم.
إن فكرة إعادة اقتباس قصص هاري بوتر وتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني جديد، كما يجري الأستوديو حالياً، لها جاذبية مبهرة لخدعة سحرية رائعة. لوّح بالعصا السحرية مرة واحدة وستحصل على مسلسل تلفزيوني بسبعة مواسم، وسيتم استحضار جيش من الجمهور المخلص في لمح بصر.
هذه هي الفكرة السحرية بالطبع، لكن بالنسبة إلينا نحن عامة الناس في العالم الحقيقي فإن الأمور ليست بهذه البساطة أبداً.
الحقيقة هي أنه كانت هناك إشارات لسنوات تدل على أن التعويذة التي ألقاها هاري بوتر على عامة الناس قد تتلاشى رويداً رويداً، وبالتأكيد فهذا أمر لا مفر منه عندما تكون لديك علامة تجارية تحظى بشعبية عالمية كتلك التي كانت تمتلكها في وقت من الأوقات سلسلة قصص الساحر التي كتبتها جيه كيه رولينغ.
كسبت الكتب بمفردها مليارات الجنيهات، وحققت الأفلام السينمائية الثمانية المقتبسة منها من بطولة دانييل رادكليف بدور الساحر صاحب الشعر الأشعث، القدر نفسه من الربح، ولم يكن انتشار بوتر في كل مكان الذي شهدته بدايات العقد الأول من القرن الحالي شيئاً سيستمر بالزخم نفسه على الإطلاق.
لكن خلال السنوات الأخيرة ظهرت شكوك أخرى لم تكن متوقعة، وبعض هذه الأمور بالطبع له علاقة برولينغ التي سيطر على صورتها العامة خلاف حول رهاب العابرين جنسياً جعلها شخصية ذات نفور عميق منها لدى عدد من الجمهور ذي الميول الجنسية المثلية وغيره من الفئات التقدمية.
حتماً ستواجه أية معالجة جديدة انتقادات في هذا الصدد، لكن إذا كانت أرقام المبيعات الأخيرة للعبة الفيديو "هوغوارتس ليغاسي" مقياساً يمكن الاعتماد عليه، فنحن لسنا في مرحلة يمكن فيها اعتبار ارتباط رولينغ بالامتياز عقبة مالية ذات دلالة، ومع ذلك فهناك أسباب أخرى لا حصر لها للتساؤل عن المنطق وراء إنتاج مسلسل "هاري بوتر" التلفزيوني.
لقد مر أقل من عام منذ أن اضطرت شركة "ورنر بروز" بطريقة مهينة نوعاً ما إلى التخلي عن سلسلة الأفلام المشتقة من الامتياز "وحوش مذهلة" Fantastic Beasts في عز التحضير للفيلم الخامس، وكانت هناك عوامل عدة يعزى إليها فشل السلسلة، مثل مشاركة كل من جوني ديب وإيزرا ميلر المثيرة للجدل، والتناقض في الإطار الزمني الذي تدور فيه أحداث الأفلام، لكن بالنسبة إلى كثيرين فالمشكلة هي أن السلسة لم تكن "هاري بوتر" ببساطة.
وفي حين كان الاستقبال النقدي لأفلام هاري بوتر المنتجة بين عامي 2001 و2011 مختلطاً، إلا أن قاعدة معجبي الكتب قدرتها بكل إخلاص، ونادراً ما كان من المهم أن رادكليف وروبرت جرينت وإيما واتسون كانوا ممثلين أطفال غير مقنعين بشكل كبير، وبالنسبة إلى الجماهير كانوا هاري ورون وهيرميون، وبالمثل فإن عدد لا يحصى من الأطروحات القديمة التي ملأت عالم هوجورتس: روبي كولتران وماجي سميث وآلان ريكمان.
كيف يمكنك إعادة اختيار Severus Snape؟
مهما كان فريق التمثيل الجديد جيداً فسيشعر دائماً أنك تلقيت بيبسي وأخبرتك أنها كوكاكولا، وليست سلسلة "وحوش مذهلة" وحدها التي تلقي لعنة مشؤومة على النسخة التلفزيونية الجديدة من هاري بوتر، ولم يمر أكثر من بضعة أشهر على إطلاق خدمة "برايم فيديو" نسختها التلفزيونية الخاصة من امتياز "سيد الخواتم" Lord of the Rings التي تحمل عنوان "خواتم القوة" The Rings of Power، وهو المسلسل الذي يقال إنه كلف شركة "أمازون" مليار دولار والمقتبس عن سلسلة روايات خيالية، واعتمد على الشعبية التي حققتها بعض المعالجات السينمائية التي حققت نجاحاً ضخماً في العشرية الأولى من القرن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل يبدو هذا الكلام مألوفاً؟
على كل حال استقبل المسلسل بصمت صادم وتضاءلت أهميته سواء من جهة نسب المشاهدة أو المناقشات الثقافية بسبب منافسه في هذا النوع من الأعمال الفنية "بيت التنين" House of the Dragon الذي طرحته شبكة "إتش بي أو"، وهذا اتجاه يمكننا رؤيته أيضاً في خدمة "ديزني+" حيث تكافح السلسلة باهظة الكلفة المقتبسة من "حرب النجوم" Star Wars والتي تم التسويق لها على نطاق واسع للحصول على مكان لها في الخيال الشعبي، في حين أن أول سلسلتين من مسلسل "الماندلوريان" The Mandalorian حققتا نجاحاً كبيراً، إلا أن الحفاظ على الألق نفسه كان صعباً بالنسبة إلى كل ما قدم لاحقاً، بما في ذلك "كتاب بوبافت" The Book of Boba Fett و"أوبي وان كينوبي" Obi-Wan Kenobi و"أندور" الرائع والموسم الأخير من "المندالوريان".
إنه درس قيّم، فكون شيء ما مألوفاً لا يجعله رائجاً بالضرورة، كما أن الأستوديوهات ستدفع مبلغاً كبيراً حتى تفتح باب الاستثمار في الامتيازات بقدر ضئيل، إن جاز التعبير، لكن هذا الإنفاق لن يمنعها من إغلاق الباب تماماً.
يمكننا أن نجادل بأن الاقتباس الجديد سيوفر فرصة لتلافي بعض أوجه القصور في المادة الأصلية كافتقارها إلى لتنوع العرقي على سبيل المثال. (بذل العرض المسرحي الذي يقدم في ’ويست إند‘ بعض الجهد لمعالجة هذه النقطة من خلال اختيار ممثلين سود لأداء شخصية هيرميون).
والتسميات الخرقاء لبعض شخصيات "هاري بوتر" ذات الأصول العرقية، الطالب الإيرلندي شيموس فينيغان، إذ يعد اسمه المعادل الإيرلندي لشخصية معروفة بإجرامها، والخطأ المحرج في اختيار اسم تشو تشانغ الذي يبدو آسيوياً لكن لا معنى له على الإطلاق فظيع بما يكفي لتتحول إلى مادة للتندر على الإنترنت خلال السنوات الأخيرة.
كما أن ندرة تمثيل الفئات ذات الميول الجنسية المثلية في الكتب تثير الضحك أيضاً، على رغم إقحام رولينغ مقطعاً يكشف فيه دمبلدور عن ميوله الجنسية المثلية، ويمكن لأي مسلسل تلفزيوني، وبالتأكيد أنه سيفعل، تحسين هذه النقاط. لكن ألن يكون من الأفضل للناس مشاهدة شيء آخر؟
من المؤكد أن العالم لا يحتاج إلى عمل آخر مقتبس من "هاري بوتر" ما إذا كان يريد ذلك حتى، فهذا أمر يحتاج إلى نقاش، وعلى كل حال فهناك حقيقة واحدة واضحة، يجب أن يفكر القيمون على "ورنر بروز" مرتين قبل المراهنة على استمرار حمى "بوتر" لعقد آخر من الزمن، ولن يمر وقت طويل قبل أن يدركوا ربما أن شخصيتهم المختارة أصبحت لعنة حلت عليهم.