تحول حانات لندن: بين الابتكار الباهظ واحتمال فقدان السحر

منذ 7 أشهر 93

ملخص

لا أستطيع إلا افتراض أن السياح هم الذين يدعمون هذا القطاع المتنامي في مجال الضيافة، فخلال 13 عاماً من إقامتي في لندن، لم يقترح أحدهم أن نقضي أمسية في تقليد نزلاء أحد السجون الأميركية سيئة السمعة بينما نستمتع بتناول المشروبات الكحولية الفاخرة. عادة ما تكون الحانة المحلية كافية.

هل تعرفون متى تحولت لندن بالضبط إلى مدينة شديدة "الغرابة"؟ في الماضي، كانت مدينة الحفلات التي تستمر طوال الليل في مباني المصانع السابقة: كان الفنانون البوهيميون يقدمون أعمالاً جريئة في مستودعات منطقة هاكني، بينما كانت منطقة بريمروز هيل المؤثرة بأناقتها مقراً للعارضين والممثلين والمصممين. أما الآن، فقد أصبحت لندن مدينة التجارب التفاعلية الجديدة والغريبة.

بحسب موقع "ديزاين ماي نايت" DesignMyNight الذي ينظم مجموعة من الفعاليات والليالي الترفيهية في المملكة المتحدة، فقد شهد زيادة بنسبة 88 في المئة في عدد الزبائن الذين يبحثون عن تجارب "غامرة" خلال الأشهر الـ12 الماضية.

قالت كيتي كيروان، رئيسة العلامة التجارية في موقع "ديزاين ماي نايت" لصحيفة "ذي تايمز": "يرغب الناس في الجمع بين تناول الطعام والشراب وبين قيامهم بتجربة لا تنسى، سواء كانت تتضمن جوانب غامرة أو موسيقى حية أو رقصاً أو شيئاً استعراضياً أو تنافسياً... يريد العملاء القدرة على الحجز مسبقاً أو شراء تذكرة لضمان مكان للجلوس والاستمتاع بشيء ينقلهم بعيداً من الروتين اليومي. بعض الخيارات التي تظهر في مدن مختلفة في المملكة المتحدة مبتكرة للغاية، وتقوم بإحيائها فرق متخصصة، إذ يتم تقديم المشروبات بطرق استعراضية غالباً ما تحتل صدارة الحدث إلى جانب تصميم المكان".

تضمنت بعض التجارب المميزة: سلسلة "ألكوتراز" للحانات في المملكة المتحدة (يقع فرع لندن في منطقة هاكني)، التي استُوحيت أجواؤها من السجون الأميركية، إذ يرتدي الحضور بدلات برتقالية ويقومون بـ"تهريب" مشروباتهم. حانة "مونشاين صالون" حيث يرتدي زوار المكان الموجود في منطقة ليفربول ستريت ملابس رعاة البقر، ويلعبون الورق والنرد، ويشاركون في قصة مستوحاة من الغرب الأميركي البري. و"ذا ميردر إكسبرس" في حي بيثنال غرين، وهي تجربة تناول طعام في أجواء مسرحية وغامرة مستوحاة من عشرينيات القرن الماضي. لا أستطيع إلا افتراض أن السياح هم الذين يدعمون هذا القطاع المتنامي في مجال الضيافة، فخلال 13 عاماً من إقامتي في لندن، لم يقترح أحدهم أن نقضي أمسية في تقليد نزلاء أحد السجون الأميركية سيئة السمعة بينما نستمتع بتناول المشروبات الكحولية الفاخرة. عادة ما تكون الحانة المحلية كافية.

تسببت تغريدة أخيرة لاذعة، ولكن صريحة حول "قيصر الليل" night czar [منصب رسمي في لندن يهتم بإدارة وتنظيم الحياة الليلية والفعاليات الليلية في المدينة] الذي عينه عمدة لندن براتب كبير جداً، في الضرب على وتر حساس، إذ ورد في التغريدة: "انسوا قيصر الليل، تحتاج المدن إلى شخص مسؤول يحافظ على الأجواء الجميلة". وتم إلحاق هذه التغريدة بمنشور آخر [فكاهي] يتخيل هذا المسؤول الجديد وهو يواجه تحديات كبيرة مثل: "نأسف لإرسال هذه الرسالة، ولكننا سنهدم حانة ’بيكي بلايندرز’ في منطقتكم غداً صباحاً، لأن المرور بجوارها محرج".

أرجو ألا يساء فهمي، فأنا أحب لعب الأدوار. كنت عاشقة للمسرح منذ الصغر، ودرست الدراما في الجامعة وكسبت رزقي في بداية حياتي المهنية من خلال انتحال شخصية الممرضة البريطانية الشهيرة ورمز العناية الصحية الإنسانية والتمريض المهني، فلورنس نايتنغيل، في عروض المدارس. وأنني الشخص الذي يتقمص شخصيته بإخلاص خلال حفل عشاء مستوحى من جريمة قتل غامضة في منزل أحد الأصدقاء. حتى إنني كنت في "انسجام شديد" مع حدث حضرته ذات مرة مستوحى من فيلم "العودة إلى المستقبل" نظمته شركة "سيكريت سينما" للأحداث التفاعلية، إذ كنت أتكلم بلهجة سكان كاليفورنيا طوال الفعالية لدرجة أن الناس اعتقدوا أنني أحد الممثلين.

لكن الانتشار الحالي للتجارب الغريبة في لندن يبدو كمحاولة مضنية لتقديم "روعة" تتعارض مع ما كانت عليه المدينة في الماضي عندما كانت واحدة من أروع المدن في العالم. يشبه هذا شخصاً يتباهى بكونه "مجنوناً" كلما أتيحت له الفرصة، على رغم أنه في الواقع يكون أكثر شخص عادي تعرفه. بالتالي، من المؤكد أننا لسنا حقاً في حاجة إلى مثل هذه التجارب اليائسة للتسلية في عاصمة تتوهج بالمتاحف الشهيرة على مستوى العالم والمعارض والتاريخ والعمارة، والمسرح، والحانات والمطاعم. هل فعلاً نحتاج إلى أن تأتي مشروباتنا مع جرعة من المرح "الغريب" غير المريح؟

يبدو الوضع بصورة عامة يبدو محزناً قليلاً، بدءاً من الموظفين الذين كانوا يحلمون بأن يكونوا نجوماً في إنتاجات مسارح "ويست إند" بحلول هذا الوقت، لكنهم بدلاً من ذلك يقومون بتقديم نفس المونولوغ الليلي بلكنة مبتذلة، وصولاً إلى الطعام والشراب اللذين عادة ما يكونان دون المستوى لكن بسعر مبالغ فيه.

وهذه هي مشكلتي مع غالبية الفعاليات: الكلفة الباهظة للغاية. ينتهي بك الأمر إلى دفع كثير مقابل حداثة أو فرادة التجربة التي تقدمها. لنأخذ "ألكوتراز" مثالاً [حانة يمكن للحاضرين الاستمتاع بالكوكتيلات في بيئة مصممة لتشبه السجن]: تباع أرخص تذكرة بسعر 42.50 جنيه استرليني للشخص الواحد، تغطي كلف "زنزانتك" وتحضير أربعة مشروبات كحولية. قد يظن البعض أن هذا العرض جيد، قبل أن يقرأوا الشروط المطبوعة بخط صغير ويدركوا أن عليهم جلب الكحول بأنفسهم. ينطبق الأمر عينه على "مونشاين صالون"، الذي تديره الشركة نفسها، فأنت تدفع ثمناً مرتفعاً ويتعين عليك إحضار الكحول بنفسك من أجل إعداد المشروبات. ويبدو أن أحداً لم يعترض على ذلك؟ يجعلني هذا أرغب في الإمساك بالمشاركين من ملابسهم وهزهم بينما أصرخ: "الملك عار! ألا ترون الحقيقة؟"

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سعر التذكرة القياسية لتجربة "كريستال ميز لايف" الشهيرة في لندن ومانشستر، إذ يمكن للبالغين الاستمتاع بالانغماس لمدة 75 دقيقة في الحنين إلى لعبة "كريستال ميز" من طفولتهم مقابل 75 جنيهاً استرلينياً. وتجربة "مونوبولي لايفسايز" هي "نسخة فعلية غامرة من اللعبة العائلية المشهورة والمفضلة في العالم يتم لعبها على لوح مونوبولي بحجم 15مx 15م!"، وتباع أرخص تذكرة لتجربتها بسعر 54 جنيهاً استرلينياً. أما "ميردر إكسبرس" المذكور سابقاً فسيكلفك ما بين 74.50 و587 جنيهاً استرلينياً، في حين أن البطاقة تتضمن وجبة من أربعة أطباق من إعداد نيال كيتنغ الفائز في برنامج مسابقات الطهي "قائمة الطعام البريطانية العظيمة" إلا أنك بهذا المبلغ من المال تستطيع الذهاب إلى مطعم حقيقي حائز على نجمة ميشلان لتجربة قائمة تذوق فريدة من نوعها لمرة واحدة في العمر.

أنا أفهم ذلك تماماً، فالتجربة الغامرة تدور كلها حول الهرب من الواقع، وتقدم فرصة لتبديل الروتين اليومي بأنواع اللعب التخيلية التي لم يستمتع بها كثير من البالغين منذ الطفولة. لكن بنفس السعر أو أقل، يمكنك أيضاً حضور بعض العروض المسرحية الفعلية التي تنقلك إلى عالم آخر. بدلاً من المشاركة في شيء قد يخرج فيه عامل الإحراج عن السيطرة، هناك "غرفة فيولا"، التجربة الفنية الجديدة المتشعبة من شركة "بانشدرانك" الرائدة عالمياً في مجال العروض المسرحية الغامرة، وتبدأ أسعار التذاكر من 28 جنيهاً استرلينياً. أو اذهب لمشاهدة الإنتاج المبهج لمسرحية "رجال ودمى" في مسرح بريدج، تبدأ الأسعار من 19.50 جنيه استرلينياً، لكن يمكنك دفع 39.50 جنيه استرليني والحصول على تذكرة وقوف تضعك في قلب الفعالية، محاطاً بالممثلين.

ربما أدخل الآن مرحلة المرأة العجوز المتذمرة قبل الأوان بعقدين من الزمن، لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الامتعاض. عندما يدفع الناس بكل سرور أموالاً طائلة لقضاء ليلة مرتدين ملابس غير ملائمة ويحضرون مشروبهم معهم، فإنني أعتقد أننا كأمة قد فقدنا كل الروعة، وصارت سمعتنا أقرب إلى "بريطانيا الساذجة" منها إلى "بريطانيا الرائعة". لذلك، أنادي بضرورة تعيين "سيد للروعة"، وآمل أن نكون على وشك الانتهاء من فترة ملاهي البالغين والحانات المستوحاة من مسلسل "بيكي بلايندرز".