تحدي الموضة: هل نجحت في شراء 5 قطع فقط هذا العام؟

منذ 11 أشهر 107

تركز فضولي لفترة طويلة، على اكتشاف طريقة يمكن من خلالها جعل استدامة الموضة والأزياء مقنعة وجذابة، والابتعاد عن تصورها على أنها مقيدة ومملة. وباعتباري محررة موضة شغوفة بالتصاميم الجميلة وأقدر التصاميم المميزة، إذ أدركت أن نهجنا في استهلاك الأزياء يحتاج إلى إعادة نظر جذرية. لكن هل في مستطاعي العثور على طريقة جديدة وممتعة للتعامل مع المسألة، يمكن أن تكون مفيدة لنا جميعاً؟ لا لم أجد حلاً في البداية.

ففي مواجهة النزعة الاستهلاكية المنتشرة، وارتفاع درجات حرارة الكوكب، والمناقشات الدائرة حول وتيرة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في "المؤتمر الـ 28 لتغير المناخ"  Cop28، فلنتخيل نظاماً عالمياً يحصر فيه الجميع مشترياتهم السنوية من الملابس بخمس قطع مميزة فقط.

يؤكد العلماء أن التزام مثل هذه الممارسة يمكن أن يساعد في منع الكوكب من الاحترار أكثر من درجة ونصف فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وفي حال تبنينا هذا النهج، هل سيدفعك ذلك إلى الإسراع في التوجه إلى أقرب متجر "زارا"؟ أم أنك ستشعر بسرور ضمني لأنه جرى تزويدك بإطار منظم لعاداتك المرتبطة بالموضة، وبالتالي أن تصبح جزءاً من الحل المناخي؟

أنا أعرف أناساً في كلا الفئتين. وشخصياً أؤيد الخيار الأخير، ولهذا السبب قررت في مطلع هذه السنة التزام التحدي المعروف بـ"قاعدة الـ 5" Rule of Five الذي أطلقته الصحافية تيفاني دارك (@tiffdarke). أردت من جهة استكشاف كيف سيكون شعوري إزاء عدم إشباع ميلي إلى اقتناء ملابس جديدة كلما اجتاحتني الرغبة بذلك، ومن جهة أخرى، إذا كانت الخطوة ستسهم في حماية الكوكب، فلم لا؟ 

لا بد من الإشارة هنا إلى أن الأساس العلمي لاقتراح اقتصار المشتريات على خمس قطع فقط من الملابس، جاء من تقرير مقنع عنوانه: "غير مناسب، وغير عادل، وغير عصري" Unfit, Unfair, Unfashionable، أصدره في عام 2022 معهد "كول أور هوت" Hot or Cool، وهو مركز أبحاث مقره في برلين، متخصص في تحليل البيانات المناخية وتقديم معلومات وحلول مستندة إلى العلم، هدفها توجيه الأفراد نحو نمط حياة أكثر استدامة.

وكي أكون صريحة، لدى قراءتي هذا التقرير، بدت الرسوم البيانية والأرقام الواردة فيه ضبابية بعض الشيء عندما حاولت فهم مدى التعقيد الذي ينطوي عليه البحث. ومع ذلك، كانت الرسالة الرئيسة واضحة تماماً. فإذا سعينا إلى اتباع أسلوب حياة منسجم مع الهدف العالمي المتمثل في إبقاء درجة حرارة الكوكب في حدود 1.5 مئوية، يتعين على كل فرد منا خفض انبعاثات الكربون السنوية الناتجة من خزائن ملابسنا إلى 128.7 كيلوغرام كل سنة. كيف نقوم بذلك؟ مرة أخرى، إن الجواب واضح وغير معقد، ويقوم على ارتداء ملابسنا الراهنة أكثر، والقيام بعمليات إصلاحها وصيانتها لإطالة أمد استخدامها، والحد من شراء ملابس جديدة - ومن الناحية المثالية أن يقتصر شراء الأمتعة على خمس قطع فقط في السنة.

22.jpg

لكن ما الذي ينطوي عليه مفهوم بناء خزانة ملابس مستدامة؟ هل من أحد يعرف؟ الأشخاص الذين يعلمون ليسوا كثراً. فالأمر معقد بما فيه الكفاية. هناك كثير من الأسئلة في هذا الشأن: فهل يكون ذلك باختيار قطع ثياب من المتاجر الرئيسة التي تحمل علامة "مواد مستدامة"؟ وهل يشمل شراء ملابس مستعملة، أو استئجار قطع من عروض الأزياء من منصات مثل "هار" Hurr أو "ماي ووردروب إتش كيو"  My Wardrobe HQ، أو المشاركة بنشاط في الاقتصاد الدائري من خلال بيع الملابس القديمة واستبدالها بأخرى جديدة؟ ربما يرتبط الأمر بشراء عدد أقل - قطعة أو اثنتين - ذات جودة أعلى، بدلاً من عدد من القطع الأقل ثمناً. من وجهة نظري، إن الأمر أبسط من كل ذلك: حددوا ما تحتاجون إليه وتحبونه حقاً، واحرصوا على أن تكون عملية اختيار أمتعتكم ممتعة. وعندما تجدون الملابس التي تريدونها، قوموا بارتدائها - على نحو متكرر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

باستثناء الملابس الداخلية والجوارب الطويلة والعادية، قد يبدو الحد المسموح به، وهو خمس قطع فقط، مقيداً للغاية. وبالتالي، أين المتعة في ذلك؟ يمكن القول إن الأمر كان ممتعاً للغاية، خصوصاً لجهة تحويل التركيز من التسوق المتكرر إلى التقدير العميق لما لدي الآن في خزانة ملابسي، ومعالجة أي ثغرات بشكل هادف. من الأفضل دائماً الانتظار قبل إضافة قطع جديدة إليها، أليس كذلك؟

إنها ممارسة أطلقت عليها تسمية "الاكتفائية"، وهي لا تنبع فقط من التركيز على الموضة وذكاء التصميم، بل أيضاً على إعطاء الأولوية للرفاهية العقلية والمالية. وهي تدور حول مفهوم أنه من خلال التوافق مع فهمنا الفطري لما يعزز مظهرنا حقاً ويجعلنا نشعر بالارتياح، فإن تلبية احتياجاتنا بأكثر الطرق فعالية، هي بالفعل كافية تماماً للحياة التي نطمح إلى أن نعيشها. قد يتطلب ذلك تحولاً في الذهنية، لكن النتيجة جيدة. ففي الأساس، إذا امتلكنا ما نحتاج إليه بالضبط، تصبح الرغبة في اقتناء مزيد غير ضرورية، وهو ما يردد حكمة المثل الفيكتوري: "لقد كان لدي اكتفاء أنيق، وأي شيء آخر سيكون فائضاً".

ولا ينبع ذلك من الاستسلام لضغوط ثقافة المقارنة، أو القلق إزاء مكانتنا، أو تأثير الحملات التسويقية العالمية التي تنظمها دور الأزياء الفاخرة وتجار التجزئة في الشوارع الرئيسة. غالباً ما تغرينا هذه الحملات بتجاوز الحدود وإجراء عمليات شراء، حتى عندما تكون غير ضرورية أو لا يمكن تحمل كلفتها. لا تسيئوا فهمي، فعلى رغم أنني أميل إلى اقتناء قطع من "شانيل" أو "بالنسياغا"، كعشاق الأزياء الآخرين، وأعتزم امتلاك قطعة "فيبي فيلو" يوماً ما، فإن اللحظة الراهنة لا تتطلب اتخاذ إجراء فوري (ما لم يكن اختياراً متعمداً ومدروساً من جانبي).

يمكن القول إنني تعلمت كثيراً عن عادات التسوق السابقة، من خلال التزام "قاعدة الـ 5" (يمكن العثور على القواعد في مجموعة "تيفاني" الفرعية). أدركت أولاً أنني في كثير من الأحيان أشتري الملابس ليس فقط من أجل الشعور باندفاع هورومون الدوبامين المبهج في داخلي لدى الضغط على زر "شراء"، بل أيضاً من أجل البهجة التي تجتاحني لدى اقتنائي قطعة جديدة. وفي أغلب الأحيان، وجدت نفسي أرتدي تلك المشتريات الجديدة مرات فقط قبل تكديسها في خزانة ملابسي والانتقال بصبر نافد إلى عملية الشراء التالية بحثاً عن الإثارة المقبلة. وأصبح من الواضح أن التسوق بالنسبة إلي، ينطوي على عنصر الإدمان، وهي عادة يتشاركها كثير منا.

قد يكون تأثير المجلات أقل الآن، لكن "إنستغرام" و"تيك توك" أصبحا المحفزين الجديدين على الشراء الذي بات بنقرة زر واحدة أسهل من أي وقت مضى، من دون حتى التفكير في العواقب. واكتشفت - خلال السنة التي قللت فيها من الشراء - أن هذه هي العادة الرئيسة التي يتعين القضاء عليها، وأراهن أن علينا جميعاً، أن نتخلص منها.

إذاً كيف كان أدائي في تطبيق "قاعدة الـ5"؟ بكل صراحة أعزائي القراء، لقد فشلت. لكن ليس إلى حد كبير. فقد اشتريت ثماني قطع، وكل واحدة منها حسنت حياتي بطريقة أو بأخرى.

تركزت مهمتي الأولى في إطار تطبيق "قاعدة الـ 5"، على إجراء جردة شاملة لخزانة ملابسي الراهنة. في شهر يناير (كانون الثاني) فتحت أبوابها، وتفحصت كل قطعة لتحديد تلك التي لم أعد أرتديها، واكتشفت أن 25 في المئة من محتويات الخزانة كانت غير ملبوسة. اخترت بيع عدد من القطع على منصة "ريلوكس" Reluxe الفاخرة وغيرها كثير على موقع "إيباي". وإضافة إلى ذلك، عثرت عن طريق المصادفة على معطف من علامة "بالنسياغا"، على رغم أن قياسه لم يعد مناسباً على الكتفين. وقام خياط محلي بإعادة درز ماهرة له، وتحويله عملياً إلى معطف جديد!

اتضح أن خزانة ثيابي كانت مليئة بالملابس المصممة وبفساتين الحفلات وقطع الأزياء المميزة التي تراكمت على مدى أعوام عملي كمحررة أزياء. إن النظر إلى خزانة ملابسي الجديدة والمبسطة، والأهم من ذلك، معرفة ما تحتويه بالفعل، جعل من الامتناع عن التسوق أمراً سهلاً بالنسبة لي لمدة ستة أشهر تقريباً. ومع ذلك، فقد استسلمت للإغراء في إحدى المرات عندما اشتريت زوجاً من السراويل الوردية المخططة بنقشة الحمار الوحشي من أحد المصممين المفضلين لدي، وهو "ماركيز ألميدا" Marques Almeida. قمت بطلبها مسبقاً في شهر يناير (كانون الثاني)، لتصل أخيراً في يونيو (حزيران). وتبين أن انتظار تصنيعها وإرسالها إلي، كان بمثابة متعة استباقية علمتني تقدير الموضة البطيئة للأزياء وتفضيلها على الموضة السريعة.

مع حلول فصل الصيف، أدركت أن مجموعة ملابس السباحة الخاصة بي كانت في وضع يرثى له، مع وجود مجموعة عشوائية من قطع البيكيني التي اشتريتها في الأعوام التي تلت ولادة ابني - وباتت الآن عديمة الشكل وفضفاضة. وبالتالي، كانت المشتريات الثانية والثالثة لعام 2023 عبارة عن بيكيني أصفر وأخضر من "أند آذر ستوريز" &Other Stories، وكلاهما أصبح من العناصر الأساسية في خزانة ملابسي الصيفية، وقمت بارتدائهما بالتناوب طوال الموسم.

بعد ذلك، قمت بالتركيز على إعادة تنظيم خزانة ملابسي الصيفية. وبينما اكتشفت من جديد مجموعة من الفساتين الصيفية الجميلة في خزانة ملابسي، وجدت أنني لا أملك سروايل قصيرة لائقة أو قمصاناً من دون أكمام مناسبة لموسم الشاطئ في فصل الصيف. وألهمني ذلك لاكتشاف علامة تجارية كانت تطالعني دائماً على منصة "انستغرام" وهي "كولورفل ستاندرد" Colourful Standard. إنها تشبه إلى حد ما علامة "غاب" Gap لكنها تمتاز بقصات جذابة للغاية، وجميع تصاميمها مصنوعة في البرتغال استخدم فيها القطن العضوي. قمت بزيارة متجرهم، وجربت كثيراً من الأشياء واشتريت قميصين من دون أكمام باللونين الخزامي والأسود، وزوجين من السراويل القصيرة المصنوعة من نسيج قطني عضوي، أحدهما باللون الأخضر الزيتي والآخر باللون الوردي الفاتح - وكلاهما لديه قصة واسعة في المنطقة السفلى من الرجلين. وذلك يعجبني لأنه يجعل الساقين تبدوان طويلتين ونحيفتين.

قمت حتى الآن بكسر "قاعدة الـ 5" واشتريت سبع قطع، لكن اعتقد أنني سأرتديها لسنوات عدة مقبلة. وكانت آخر عملية شراء أقدمت عليها في عام 2023 عبارة عن كنزة من الصوف باللون الأخضر الزيتي من علامة "آركت" Arket، بكلفة 97 جنيهاً استرلينياً (123 دولاراً أميركيا)، ونفدت بالكامل منذ ذلك الحين - على رغم أنه لا تزال هناك إصدارات منها متاحة باللون الرمادي الفاتح والبني الداكن. وباعتباري كاتبة لا أبرح مكاني وراء المكتب، فإن هذا هو الشيء الوحيد الذي أحتاج إليه الآن لأشعر بالراحة. أما بالنسبة إلى كلفة كل لباس أقتنيه، فهو يحفظ قيمته طالما اواصل ارتداءه.

إذاً، إليكم ثماني قطع أسهمت في تحسين إطلالتي خلال فصلي الصيف والشتاء، وكذلك رصيدي البنكي. لقد ساعدتني "قاعدة الـ 5" في تعلم قيمة اقتناء ما أحتاج إليه بالضبط، وليس أكثر. وكان هذا في حد ذاته الإنجاز الأكبر بالنسبة إلي هذا العام.