تاريخ جميل

منذ 1 سنة 151

ما يجمع بين كل المخرجين حول العالم هو أنهم أرادوا تحقيق أفلامهم. لن تجد بين أي منهم من أقدم على إخراج فيلم بديلاً لمهنة أخرى، أو لأنه كان يبحث عن عمل ووجده في فرصة لا تعوّض. كل واحد منهم أراد أن يقف خلف الكاميرا لسبب أو لآخر.

إما لأنه يريد التعبير عن نفسه، أو لأنه يحمل رسالة مجتمعية يريد إيصالها للغير، أو لأنه يحلم بأن يكون من الصفوة بين الفنانين أو ربما هو فقط يريد سرد حكاية. أياً كان السبب فهو سبب وجيه.

لكن ما نتحدّث عنه هنا ليس عن مائة ومائتين، ولا حتى ألف وألفين. بل عن كل مخرج رغب في الوقوف أمام الكاميرا وحقق رغبته، وهؤلاء هم أضعاف أيّ عددٍ قد نفكّر فيه أو نحسبه تلقائياً.

ليس هناك رقم محدد بالطبع. هذا مستحيل لأننا لا نتحدّث عن سينما مجموعة من الدول، أو عن دول قارّة واحدة، بل عن كل بلد أنجب ولو مخرجاً واحداً، علماً بأنّ السينماتين الصينية والهندية أنجبتا آلاف الأفلام وحدهما، لكن الرقم التقريبي الذي يقفز إلى البال هو 15 ألف مخرج على أقل تقدير، ومن كل أنحاء العالم ومنذ بدء السينما.

نتحدث عن 135 سنة من الأفلام منذ أن صوّر الفرنسي لويس أوغوستين لو برينس أول فيلم على شريط واحد وبكاميرا واحدة وذلك سنة 1888 (أي قبل الأخوين لوميير بسبع سنوات). 135 سنة من الأفلام التي بدأت كفئران في مختبر، وانتهت اليوم إلى إنتاجات لا تحد في الخيال وأدوات العمل والحكايات المطروحة.

هناك مخرجون داوموا العمل ولم يتوقفوا إلا حين جاءتهم المنية. هناك مخرجون حققوا قليلاً من الأفلام، وهناك مخرجون حققوا فيلماً واحداً ومن ثَمّ انزووا. على مدار هذه العقود ومن أكثر من 120 بلداً أنتجت أفلاماً، كم سيبلغ عدد المخرجين؟ احسبها.

فكّرت في هذه المسألة بينما كنت أراجع مجلة سينمائية بريطانية، صدرت شهرياً منذ أواخر الثلاثينات وتوقفت في مطلع التسعينات اسمها، «Monthly Film Bulletin»؛ لم يكن في المجلة هذه، لا مقالات ولا مقابلات ولا تحقيقات، بل كانت تنقد فقط، الأفلام التي عُرضت أو ستعرض في بريطانيا.

حين قرأتها داهمتني أسماء كل هؤلاء المخرجين الذين مرّوا على الشاشات من خلال أفلامهم. بعضهم لم أسمع بهم من قبل، ولا هم بقوا حتى يسمع بهم القارئ فيما بعد. إنه تاريخ طويل وعريض وموثّق، وإلى ذلك هو تاريخ جميل.