تسابق السلطات الجزائرية الزمن لاستدراك التأخر المسجل في الاستفادة من مقومات البلاد السياحية وترغيب الأجانب في زيارة مناطق بالصحراء واستغلال موسم السياحة الصحراوية الذي يمتد حتى مارس (آذار) المقبل.
وفي خطوة غير مسبوقة، أصدرت وزارة الداخلية الجزائرية قراراً يقضي بتمكين الأجانب الراغبين في القيام برحلات سياحية في مدن جنوب الجزائر، عن طريق وكالات السياحة والأسفار الجزائرية المعتمدة لدى السلطات، من الاستفادة من تأشيرة تمنح لدى الوصول إلى المطارات الجزائرية، تحت اسم "تأشيرة تسوية"، عوضاً عن الترتيبات الاعتيادية للتأشيرة التي تمنح في السفارات الجزائرية التي غالباً ما تستهلك وقتاً طويلاً وإجراءات إدارية معقدة.
ترتيبات جديدة
وبررت وزارة الداخلية القرار بأنه يأتي في إطار مواصلة سلسلة الإجراءات المتخذة من قبل السلطات بهدف ترقية السياحة الصحراوية في البلاد، إذ تم إقرار ترتيبات جديدة في منح التأشيرات السياحية للسياح الأجانب الراغبين في زيارة مناطق سياحية في الجنوب، وتمكينهم من الاستفادة من "تأشيرة التسوية" مباشرة عند وصولهم إلى المنافذ الحدودية، ولا سيما في الولايات الجنوبية (المطارات والمعابر البرية)، عوضاً عن إجراء ترتيبات التأشيرة العادية. واشترطت السلطات الجزائرية على السياح الأجانب أن تكون رحلاتهم السياحية مبرمجة مع وكالات السياحة والأسفار الجزائرية المعتمدة لدى السلطات.
وبموجب القرار سيتم "منح الوكالات السياحية وثيقة تسمح للسياح الأجانب بركوب الطائرات التابعة لمختلف شركات الطيران بالمطارات الآتين منها، وتقوم الوكالات السياحية أيضاً بمد السلطات مسبقاً بكل المعطيات المتعلقة بالسياح الأجانب وبرنامج الزيارة السياحية". وأكدت الوزارة أن "السلطات المحلية للمحافظات المعنية تسهر على توفير المرافقة اللازمة لكل الفاعلين المعنيين، قصد ضمان سير الجولات السياحية المبرمجة في أحسن الظروف".
الحماية الأمنية
وتعني المرافقة اللازمة الحماية الأمنية للسياح منعاً لاستهدافهم من الجماعات المسلحة التي تنشط في مناطق شمال مالي والنيجر قرب الحدود الجزائرية، وتفادياً لتكرار حوادث خطف سابقة للسياح الأجانب، على غرار عملية خطف 33 سائحاً ألمانياً في أبريل (نيسان) 2003.
ويأتي القرار استجابة لمطالب الوكالات السياحية بالمناطق الصحراوية التي اشتكت مراراً من تعقيدات الحصول على التأشيرة الجزائرية، مما يمنع السائحين من زيارة المنطقة التي كانت في ثمانينيات القرن الماضي قبلة للأوروبيين، وخصوصاً في فصل الشتاء.
وفي بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي أعلنت شركة الخطوط الجوية الجزائرية عن افتتاح خط مباشر من باريس نحو مدينة جانت الصحراوية، جنوب شرقي البلاد، بمعدل رحلة واحدة في الأسبوع "ضمن استراتيجية الترويج للسياحة الجزائرية".
قرار تجريبي
ورأى شريف منصر نائب رئيس النقابة الجزائرية لوكالات السياحة أن قرار وزارة الداخلية تجريبي في مرحلة أولى وبمثابة "هدية" قدمتها السلطات للوكالات السياحية بمناسبة حلول السنة الجديدة 2023. وقال إن التسهيلات التي منحتها السلطات للسياح الأجانب لزيارة مناطق في الجنوب الجزائري تأتي في إطار دعم المستثمرين في قطاع السياحة واستغلال المميزات الكبيرة للمناطق الصحراوية. وأضاف أن اقتصار تنظيم رحلات جوية مباشرة من الخارج نحو مطارين فقط في الجنوب هما مطار جانت وتامنراست يهدف إلى تجربة مدى نجاح الوكالات السياحية والمطارات وهياكل الاستقبال في التكفل بالسياح من مختلف الجوانب كالإيواء والإطعام والبرامج السياحية، على أن يتم تعميمها مستقبلاً عبر مناطق البلاد كافة، في انتظار تحضير الإمكانات اللازمة على مستوى المطارات المعنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وولفت إلى أن القرار يهدف للحفاظ على المهن المرتبطة بقطاع السياحة في الجنوب على غرار مهنة المرشد السياحي التي تستقطب عديداً من الشباب في هذه المناطق. وكشف منصر عن أن النقابة قدمت ملفاً بهذا الخصوص في وقت سابق لوزارة السياحة. وأكد جاهزية الوكالات السياحية للتعامل مع هذا القرار، مشيراً إلى ضرورة التقيد بالاحترافية في تنظيم البرامج السياحية وتقديم السلطات قائمة الوكالات المعتمدة ونشرها على مستوى السفارات والقنصليات في الخارج ليطلع عليها السياح الأجانب، وإلى توفر كل مقومات نجاح موسم السياحة الصحراوية من فنادق وهياكل إيواء ومرافقة أمنية. ودعا السلطات إلى السماح للوكالات السياحية باقتناء حافلات حديثة مجهزة لضمان راحة تامة للسياح الأجانب، خصوصاً أن هؤلاء في الغالب من فئة المتقاعدين وكبار السن.
تراث عالمي
وتعد الجزائر أكبر بلد أفريقي وعربي من حيث المساحة، وتشكل الصحراء الجزء الأعظم من مساحة البلاد التي تقدر بنحو 2.6 مليون كيلومتر مربع. وتضم الصحراء معالم سياحية كثيرة مثل محمية "الطاسيلي" الجبلية المشهورة بالرسومات داخل كهوفها التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وتم إدراج المحمية ضمن التراث العالمي لـ"اليونيسكو"، وكذلك أدرجت المنظمة منطقة وادي ميزاب بغرداية المعروفة بهندستها المعمارية المتميزة والحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي في توات وقورارة وتيديكلت.
وتنتعش السياحة في مدن الصحراء الجزائرية، ولا سيما مناطق الأهقار والمنيعة وتاغيت وبني عباس وغرداية خلال فصل الشتاء، حيث يتدفق عدد كبير من السياح الأجانب والجزائريين في عطلات نهاية السنة خصوصاً نحو هذه المناطق للتمتع بجمال الصحراء وغروب الشمس المميز فيها.
وأوفدت وزارة السياحة الجزائرية لجاناً إلى مختلف المحافظات للقيام بجولات تفتيشية مفاجئة لمعاينة المؤسسات الفندقية تزامناً مع احتفالات رأس السنة للوقوف على ظروف استقبال المواطنين والسياح، وكذلك الوقوف على نوعية الخدمات على مستوى المؤسسات الفندقية.
وبحسب أرقام رسمية قدمتها وزارة السياحة الجزائرية، تم سنة 2021 إحصاء نحو مليون زائر جزائري وأجنبي للصحراء، بعد إبرام الوزارة اتفاقات مع الخطوط الجوية الجزائرية ومؤسسات النقل البحرية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح من خلال تعزيز الرحلات وتعزيز العمل التشاركي بين الوكالات السياحية والقيام بعدد من الرحلات الاستكشافية.
وتقول الوزارة إنها تلقت طلبات للاستثمار في مجال السياحة، بخاصة السياحة الصحراوية، وأن الهدف من قبل قطاع السياحة يتمثل في استقطاب 11 مليون في آفاق سنة 2030. وتضيف أن عدد المشاريع الاستثمارية لبعث السياحة الصحراوية بلغت أكثر من 2000 مشروع سياحي معتمد من بينها 700 مشروع في طور الإنجاز، ووجود طلبات كثيرة للاستثمار، لا سيما من قبل دول خليجية، إذ تمت زيارة الجزائر وتعريف المستثمرين بما تزخر به البلاد على الصعد السياحية.