بين الأمس واليوم... ما الذي تغير في الكوميديا المغربية؟

منذ 1 سنة 218

كوميديا اليوم ليست مثل كوميديا الأمس في المغرب، إذ تختلف طريقة آداء وأسلوب الفكاهة في الوقت الراهن عما كان يقدم من أطباق كوميدية في الماضي، بالنظر إلى تباين المواهب والسيناريوهات والإمكانات المتوافرة، بل أيضاً لأن الجمهور المتلقي اختلف عن السابق.

وبدأت الفكاهة أو الكوميديا في المغرب بشكل أو بآخر من خلال "الحَلقة"، وهي عبارة عن جمهور يتحلق في ساحة حول منشط يقوم بتسلية الحاضرين بقصص وروايات، لتتطور الفكاهة عبر الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والمسرحي قبل أن يخفت تدريجياً إشعاع الكوميديا في هذه الوسائط وينتقل الدور إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تضج بالكوميديا والفكاهة غثها وسمينها.

تصنيفات

ويقسم المهتمون فن الكوميديا المغربية في المجمل إلى صنفين رئيسين، الأول كوميديا الموقف أو الـ "سيتكوم"، وهي عبارة عن مسلسلات تلفزيونية قصيرة لعدد من الممثلين الذين عادة ما يتطرقون في كل حلقة إلى موضوع معين، وفيها برعت المدرسة الكوميدية الأميركية التي يمكن اعتبارها رائدة في كوميديا الموقف.

وأما الصنف الثاني المتداول فهو كوميديا الفرد أو "وان مان شو"، أي العرض الفردي الذي يضم شخصية محورية واحدة يؤدي فيها الكوميدي أو الفكاهي عرضه وفق سيناريو أو قصة معينة، وقد يخرج عن النص ويتفاعل مع الجمهور بنكت وقفشات مضحكة، لكنه لا يعتبر في نهاية المطاف "مونولوغاً" ولا "مونودراما".

وفي التفصيل يمكن تقسيم فن الكوميديا في المغرب إلى أصناف عدة منها الكوميديا الشعبية أو الساذجة التي يكون فيها إضحاك الفكاهي للجمهور المتلقي مستنداً إلى قفشات ومواقف مقتبصة من المعين الشعبي، أو بأداء أدوار شخصيات ساذجة.

وبرع في هذا الصنف من الكوميديا الفكاهي الشهير الذي رحل بداية العام الحالي عبدالرحيم التونسي، إذ ابتكر شخصية "عبدالرؤوف" الساذجة بصوته ولباسه المميز، والتي أضحكت العديد من الأجيال المتعاقبة منذ سنة 1960.

tounsi.jpg

الكوميدي الراحل عبدالرحيم التونسي المعروف بـ "عبد الرؤوف" (مواقع التواصل)

وهناك صنف الكوميديا الاحتجاجية أو المنتقدة، وهي التي تقدم فكاهة تروم إضحاك المتلقي بتناول مواضيع اجتماعية أو سياسية بطريقة تجلب الضحك من خلال التعليق على أحداث أو قرارات أو شخصيات أو حال اجتماعية معينة، تستدر ضحكات الجمهور على رغم مرارة الواقع.

وهناك نوع آخر من الكوميديا في المغرب وجدت له موطئ قدم وسط الأعمال الفكاهية الكثيرة، وهي الكوميديا التي تسند إلى الإضحاك بآداء شخصيات تنحدر من مناطق جغرافية معينة، مثل شخصية "العروبي" أي البدوي، أو شخصية "الشلح" أي الأمازيغي، وذلك عبر تصوير مواقف تثير ضحك الجمهور، على رغم أنها كوميديا تجلب عدداً من الانتقادات، باعتبار أنها تتسم بنوع من التنمر أو التمييز القائم على العرق والنسب.

ويمكن التمييز بصفة عامة في الكوميديا المغربية سواء عبر الـ "سيتكومات" أو العروض المسرحية أو الـ "وان مان شو"، بين كوميديا يصفها بعضهم بالهادفة والملتزمة بقضايا المجتمع والقريبة من نبض المواطن، والكوميديا التي يصفها بعضهم بـ "الفجة" أي التي تهدف إلى الإضحاك من أجل الإضحاك فقط بأية وسيلة كانت.

الجيل القديم

وأخذاً بمعيار الاختلاف بين الأجيال يمكن الحديث عن كوميديا الماضي أو الكوميديا القديمة وكوميديا الحاضر، فالأولى امتدت زمنياً منذ سنوات الستينيات إلى حدود التسعينيات من القرن الماضي، بينما الكوميديا الجديدة ظهرت وانتشرت في الألفية الثالثة بأسماء كوميديين شباب أخذوا المشعل عن جيل الرواد.

وفي الأجيال السابقة بزغت أسماء في سماء الكوميديا المغربية أبرزها الفنان الراحل محمد بيوس بن الطيب الذي اشتهر بلقب "بلقاس" وتوفي في ديسمبر (كانون الأول) 2002، وقد شكل ثنائياً كوميدياً ناجحاً رفقة صديق دربه عبدالجبار الوزير الذي توفي في سبتمبر (أيلول) 2020.

وخلّف الراحلان بلقاس والوزير أعمالاً كوميدية عدة سواء في العرض الثنائي أو في مسرحيات مثل "الضاوية والفاطمي" و"نص عقل" و"نسيب المديرة" و"اللي ما عرفك خسرك" و"الدرهم الحلال" وغيرها من الأعمال التي بوأت الثنائي ريادة الكوميديا المغربية لسنوات وعقود.

ومن أسماء كوميديا الأجيال الماضية اشتهر الفكاهي نور الدين بكر الذي توفي في سبتمبر 2022، بشخصيته المرحة وآدائه المتفرد الذي كان يعرف به من دون غيره، كما اشتهر الفنان الراحل عبدالرحيم التونسي (عبدالرؤوف) بابتكار شخصية ظلت علامة مسجلة فريدة خاصة به وحده.

ومن الأسماء التي برزت خصوصاً خلال السبعينيات والثمانينيات الفنانان أحمد السنوسي والحسين بنياز اللذان اشتهرا بـ "باز وبزيز"، واللذان قدما معاً "سكيتشات" ناقدة للأوضاع الجارية في البلاد، قبل أن يفترق الثنائي ويتخذ كل واحد منهما طريقه الخاص في الفن والحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كوميديا الشباب

وفي جيل الكوميديين الشباب بدأت تظهر أسماء كثيرة شجعتهم في ذلك برامج مسابقات تلفزيونية لاختيار أفضل فكاهي، فمنهم من شقوا طريق هذا النمط الفني وحققوا تراكمات تستحق الإشارة، ومنهم من تخلوا عن هذا المسار، وآخرون فضلوا التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي بإحداث قنوات خاصة بهم على "يوتيوب" تكون مصدر رزق لهم.

ومن هذه الأسماء الشابة الجادة في هذا المجال يمكن ذكر الفكاهي محمد باسو الذي لمع نجمه في إحدى مسابقات تخريج أفضل فكاهي، قبل أن يشق مساره الكوميدي بنفسه إما بتنظيم عروض فردية أو بتقديم كبسولات فكاهية على "يوتيوب" تحظى بمتابعة كبيرة من قبل جمهور الويب.

ويقول باسو في هذا الصدد إن "الفكاهي الشاب يتعين عليه أن يأخذ بعين الاعتبار محيطه وواقعه الاجتماعي الذي أتى منه، ويستثمره في أعماله الفنية المختلفة حتى يقترب من عقل وقلب المتلقي الذي يستطيع التمييز بسهولة بين العمل الجيد والرديء من الكوميديا".

ووفق الفكاهي الشاب فإن "كوميديا الأجيال الحالية من الشباب تحظى بفرص لم تكن تحظى بها الأجيال السابقة والمتمثلة في وسائط التواصل الاجتماعي التي تستقطب جماهير كثيفة أكبر عدداً وتأثيراً من الجماهير التي كانت تحضر إلى المسرح لمشاهدة عرض كوميدي مسرحي أو عرض فردي".

نبذة تاريخية

من جهته يقدم الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب نبذة عن المقارنة بين أجيال الكوميديا في المغرب، إذ وُلدت الكوميديا المغربية من رحم "الحلقة الشعبية" التي كانت تجذب جمهوراً غفيراً حول "الحلايقي" أو المنشط الذي كان يعتمد في تشخيصه الكوميدي الدرامي من جهة على قصص الواقع، ومن جهة أخرى على نصوص أدبية مثل "ألف ليلة وليلة" وأحياناً "البخلاء" للجاحظ أو "مقامات" لبديع الزمان الهمداني التي اشتغل عليها في ما بعد المسرحي الراحل الطيب الصديقي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

ويستطرد الطالب "ترعرت الكوميديا المغربية خلال فترة الاستعمار الفرنسي حين ظهر المسرح المغربي الكوميدي المتأثر بالمسرح الفرنسي، فعمل على اقتباس مجموعة من النصوص المسرحية وبخاصة مسرحيات موليير وغيرها، فكانت الكوميديا آنذاك تخضع لمعايير فنية أكاديمية لصيقة بالنوع الفرنسي، ومع بروز الحركة الوطنية التي أججت مشاعر الانتماء إلى الوطن اتجهت الكوميديا نحو النصوص العربية والإبداع المغربي الأصيل المعتمد على التراث المغربي وعلى الواقع المعاش".

ولفت الطالب إلى أن الحديث هنا عن شيئين متوازيين هما جانب المسرح المغربي الكوميدي الذي يشتغل وفق قواعد ومعايير فنية واضحة، مثل الطيب الصديقي والطيب لعلج وعزيز موهوب والعربي الدغمي ومحمد الجم وغيرهم، والجانب الثاني الكوميديون الذين يعملون بشكل منفرد مع ظهور التلفزيون واستندوا في أعمالهم إلى الواقع المغربي الذي عرف مشكلات اجتماعية وسياسية جديدة بعد الاستقلال، مثل "عبدالرؤوف" و"بزيز وباز" و"الدسوكين" و"الزعري" و"قشبال وزروال"، وهذه الأعمال تميزت بالسخرية والنقد مع مراعاة ذوق المشاهد المغربي وقيمه وتراثه وهويته.

الكوميديا الجديدة في الميزان

واسترسل الطالب قائلاً "اليوم تغيرت الأمور مع ظهور البرامج الكوميدية التلفزيونية الخاصة بالمواهب الشبابية مثل برامج المواهب الغنائية، وقبلها الـ "سيتكومات" الكوميدية الرمضانية التي شكلت نقلة نوعية، ثم جاءت الثورة الرقمية التي أسهمت بشكل كبير في ظهور أعمال كوميدية شبابية معظمها يعتمد على التلقائية على هامش ما يقدم في التلفزيون أو السينما.

ويكمل الطالب حديثه، "نعيش مرحلة جديدة على مستوى الكوميديا عنوانها البارز التنوع والتحرر من التقاليد والقيم التي كانت مؤطرة للإبداع المغربي سابقاً، وبالتالي التطرق إلى التابوهات من قبيل العلاقات بين الجنسين والجنس والمرأة، والاعتماد على النكت حتى لو سقطت في التفاهة والتهريج".

واستدرك الطالب قائلاً، "لكن هذا لا يعني أن هذه المرحلة خالية من كوميديين جيدين مثقفين يعتمدون على التخيل والنص الدرامي الكوميدي، ويعطون للكوميديا حقها شكلاً ومضموناً وكتابة وأداء وذوقاً وعمقاً، فهناك أعمال واجتهادات موفقة على هذا المستوى، لكن السائد لا يرقى إلى مستوى تطلعات الجمهور المغربي الذي راكم تجربة مهمة على مستوى الأعمال الكوميدية محلياً وعربياً ودولياً".

وتابع الناقد، "ما يوجد اليوم في غالبه تجسيداً لنكت متداولة بين الناس وفكاهة يغلبها التكرار والتقليد والتنميط"، داعياً إلى الرجوع أولاً إلى قواعد الكوميديا ومعاييرها الفنية وإلى التنوع في المواقف المضحة والتجسيد والنص، ثم الاجتهاد في التخيل والنصوص الفكاهية الجميلة التي تجمع بين السخرية والعمق.