بيروت نكست راية الكتاب وانزوى كشك "أبو ربيع"

منذ 1 سنة 213

يقول "أبو ربيع" صاحب "كشك" الكتب الأشهر في وسط شارع الحمراء في العاصمة بيروت أن مكتبته موجودة، ولكن من اختفى وغاب عن كشكه هو القارئ والشارع نفسه!

"أبو ربيع" الذي التقى رواداً مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني، يوم كان شارع الحمراء ملتقى المثقفين الهاربين من بلادهم إلى بيروت واحة الحرية، يتأفف مبتسماً ويتذكر أيام "كان سعر الكتاب بسعر البطاطا. شارع الحمراء لم يعد موجوداً، فالمقاهي الشهيرة أقفلت منذ بدأت المشكلات السياسية تتراكم فوق لبنان منذ عام 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، غابت "المودكا" ثم "الويمبي" ثم "كافيه دو باريه"، مثلث لقاء المثقفين اللبنانيين والعرب، حيث تعصف الأفكار أو النظريات السياسية الجديدة".

من هذا المثلث خرج شعراء شباب وبدأوا بالنشر في الصحف اللبنانية وطارت شهرتهم إلى أصقاع العالم العربي والعالم، "أبو ربيع" لم يبخل على تلك المواهب الطالعة "كنت أعطيهم الصحف مجاناً قبل أن يصير بعضهم من ألمع المسرحيين والروائيين في الغرب اليوم".

غيبوبة الشارع الثقافي

اليوم هوية شارع الحمراء الثقافية راية ممزقة تشير إلى أن جماعة مرت من هنا وتركته لأن يد الفقر والعوز طردتهم منه.

حين سألنا "أبو ربيع" عن الكتب الأكثر مبيعاً في "كشكه" الوحيد المتبقي في شارع الحمراء، راح يبتسم ويقول "نحن ننتظر من يمر ليشتري الصحيفة في الصباح" أما الذين يشترون الكتب فباتوا قلة من الطلاب والأساتذة، والسياح العرب وبعض اللبنانيين الذين يعملون في مؤسسات أجنبية ويقبضون رواتبهم بالعملة الأجنبية، "أبو ربيع" يتابع "نشكر الله أن مجلة عالم المعرفة وهي بمثابة كتاب شهري ينتظرها قراء كثر، وتصدر عن الحكومة الكويتية ما زال سعرها هو نفسه، فيتسابق عليها القراء قبل نفادها".

كتب الزينة والانفجارات

كلمة "كشك" المأخوذة من الفرنسية "كيوسك"، يمكنها أن تنطبق تماماً على غرفة حميد الحديدية البيضاء، فبعدما كان حميد يبيع فيها الصحف والكتب والمجلات الفصلية حصراً، وضع اليوم إلى جانب الكتب القليلة نظارات شمسية مقلدة، وكذلك بعض أنواع السكاكر والشوكولا، وبطاقات المعايدة وكثيراً من كتب الأبراج الجديدة التي صدرت قبل أسبوع من نهاية العام الماضي، وباع منها الكثير.

يقول حميد "على رغم الإقبال على كتب الأبراج السنوية مقارنة بالأنواع الأخرى، فمبيعات هذه الكتب انخفضت إلى النصف مقارنة بالسنة المنصرمة"، يقول مبتسماً "ثمن كتاب الأبراج، على رغم محاولات خفضه من قبل دور النشر، يساوي الأمنيات التي قد يحصل عليها قارئه إذا ما أخبرته الأبراج أن أحواله المادية ستتحسن"، ثم يقهقه "لا يهمني بيع كتب الأبراج لأنها بمثابة وديعة عندي، إذا بعتها سأحصل على بضعة دولارات كعمولة، والأمر كله غير ذي جدوى في حال بيع كثير منها أو قليل".

كنوز للبيع

حين سألنا مجموعة من الأصدقاء حول مصدر شرائهم الكتب جاءتنا إجابات غير متوقعة، البعض من أصحاب المكتبات التي جمعوها عبر السنوات يعرضون المكتبة كلها أو بعض محتوياتها للبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك المصدر الثاني أي شراء الكتب على الأرصفة والبسطات، حيث توضع كالفواكه فوق شرشف على الطريق، ويمكن للمار أن يختار منها بالسعر نفسه في أسواق المدن المحلية، كـ"سوق الأحد" على أطراف مدينتي بيروت وطرابلس و"سوق الجمعة" في جنوب لبنان، والأسواق المتنقلة الأخرى، وهذه الكتب إما يبيعها أصحابها بأنفسهم بعدما تدهورت أحوالهم إلى درجات دنيا، وإما يبيعها سماسرة لا يعرفون قيمة الكتب، لكنهم يحصلون على عمولة، ثم هناك الكتب المسروقة أو المكتبات التي أهملها أصحابها الذين ورثوها عن أهلهم فرموها مع الأثاث ليغيروا هندسة المنازل الموروثة في المناطق الثرية من بيروت، كالأشرفية والجميزة، خصوصاً بعد انفجار المرفأ، بعض هذه الكتب يبلغ من العمر عتياً، ويمكن بيع النسخة الواحدة بمئات الدولارات، وقد أظهر انفجار مرفأ بيروت قبل ثلاثة أعوام أن بيوتاً كثيرة في بيروت تحمل في دواخلها كنوزاً ثقافية من لوحات ومنحوتات وكتب وتحديداً في المنطقة السكنية المحيطة في المرفأ التي سكنتها عائلات الأثرياء اللبنانيين الذين ارتادوا أفضل مدارس الإرساليات الفرنسية والإنجليزية في لبنان.

"برزخ"

يقول منصور أحد الشركاء في مكتبة "برزخ" التي أقيمت فوق أحد مقاهي شارع الحمراء الرئيسة، إن مكتبته تقدم الطاولات والكراسي والكتب للقراءة مجاناً، وأسعار مقهاها مدروسة جداً، وتقام الأمسيات والندوات وتواقيع الكتب مجاناً أيضاً، ويقول منصور إن مشروعهم الرائد على رغم توسطه شارع الحمراء مكاناً، وعلى رغم كل النشاطات شبه اليومية التي يقيمونها، فرواده هم أنفسهم مجموعة واحدة من المثقفين الذين ما عادوا يجدون مكاناً آخر يؤويهم، "لكن على رغم ذلك لن نستسلم" يقول منصور.