عكف مشرعون على الاستعداد لتوجيه ضربة موجعة أخرى للمسيرة البرلمانية لرئيس الوزراء البريطاني السابق المثير للانقسامات، بوريس جونسون. وكان المشرعون يفكرون فيما إذا كانوا يقرون تقريراً لاذعاً خلص إلى أن جونسون تعمد تضليل زملائه بخصوص الحفلات التي انتهكت إجراءات الإغلاق خلال الجائحة داخل داونينغ ستريت.
ويذكر أن جونسون استقال من البرلمان منذ فترة بعد اطلاعه على مسودة أولية لنتائج التحقيق الذي استمر عاماً كاملاً وأجرته لجنة قوية من داخل البرلمان. ورفض جونسون اللجنة باعتبارها «محكمة كنغر»، أي محكمة غير رسمية وغير عادلة، وذلك رغم أن غالبية أعضائها ينتمون إلى حزب المحافظين الذي ينتمي إليه جونسون.
نهاية الأمر، اقترحت اللجنة إلغاء تصريحه البرلماني، وأعلنت أنه لو لم يستقل بالفعل، لكانت قد أوصت بتعليق عضويته بالبرلمان لمدة 90 يوماً ـ عقوبة مخزية لرئيس وزراء سابق.
وحال مصادقة غالبية المشرعين على تقرير اللجنة، كما هو متوقع، سيكون التأثير العملي على جونسون محدوداً، ذلك أن خسارته لتصريحه البرلماني تعني ببساطة أنه يجب أن يكون برفقة عضو آخر إذا رغب في دخول البرلمان. ومع ذلك، سيمثل ذلك توبيخاً محرجاً آخر لشخص كان لا يزال رئيساً للوزراء في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وكان يتمتع عام 2019 بشعبية كافية للفوز بانتصار ساحق لحزبه.
وتنطوي هذه القضية على تهديد بانقسام المحافظين المهيمنين على الحكم حالياً بقيادة ريشي سوناك، الذي تولى منصب رئيس الوزراء، العام الماضي.
رغم ذلك، لا يزال جونسون يحظى بمجموعة من المشرعين الداعمين له، ويرون أن توصيات اللجنة شديدة القسوة.
إلا أنه بعد أن استشعر جونسون أن الدعم الذي يحظى به محدوداً، حث المتعاطفين في النهاية على عدم التصويت ضد تقرير اللجنة.
ومن غير المتوقع أن يستمر جونسون، الذي أتم عامه الـ59، داخل البرلمان. ولم يكن من الواضح ما إذا كان سوناك سيحضر المناقشة، أو كيف سيصوت هو ـ أو الكثير من كبار الزملاء ـ إذا أتيحت لهم الفرصة. من جهته، قال وزير الإسكان مايكل جوف، إنه ينوي الامتناع عن التصويت إذا أجري تصويت حول التقرير.
يشير ذلك إلى أن المسيرة البرلمانية لجونسون يمكن أن تنتهي ـ خلال الوقت الحالي على الأقل ـ بأحداث أقل درامية عن تلك التي كثيراً ما كان يثيرها خلال سنواته الثلاث تقريباً داخل داونينغ ستريت.
في الواقع، لم يخفِ جونسون طموحاته لاستعادة منصبه القديم في رئاسة الوزراء، لكن من دون مقعد برلماني، سيكون ذلك مستحيلاً. جدير بالذكر هنا أن المصادقة على التقرير من قبل البرلمان لا تمنع جونسون من الترشح مرة أخرى مستقبلاً، لكن غالبية المحللين يرون أنه من غير المحتمل أن يخوض جونسون هذه المحاولة في الانتخابات العامة المقبلة، والمتوقع إجراؤها في النصف الثاني من العام المقبل.
وتكشف استطلاعات الرأي أن جونسون لا يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين بشكل عام، حتى إن كان يحتفظ بدعم عدد كبير من أعضاء حزب المحافظين الذين انجذبوا إلى خطابه المتفائل الداعم لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، من المحتمل أن يواجه جونسون انتقادات شديدة من قبل المشرعين المنتمين للمعارضة وبعض أعضاء حزب المحافظين الذين يعتقدون أن جونسون قوض المعايير التي من المتوقع لأي رئيس الوزراء الالتزام بها.
جدير بالذكر أن تضليل البرلمان يعد خرقاً خطيراً للقواعد، لأنه مثلما يرى المشرعون، فإنه من دون الحصول على معلومات دقيقة من الوزراء، سيتعذر على الحكومة محاسبتهم ـ وهي إحدى المهام الرئيسية للبرلمان.
في تقريرها، ذكرت لجنة الامتيازات التابعة لمجلس العموم أن جونسون ضلل المشرعين عمداً، عندما أكد لهم أنه بعد ظهور فضيحة الحفل الذي أقامه عندما كان رئيساً للوزراء، أن قواعد الإغلاق كان ملتزماً بها طوال الوقت داخل «داونينغ ستريت».
وخلال جلسة استماع أمام اللجنة في وقت سابق من هذا العام، جادل جونسون بأن تأكيداته صدرت بحسن نية. إلا أن المشرعين وجدوا أن لديه معرفة شخصية بخرق بعض القواعد. كما فشل في التحقيق بخصوص مزاعم أخرى على النحو المناسب، وأنه ارتكب عدة مواقف تعد «ازدراءً» للبرلمان، بما في ذلك من خلال شن هجوم لفظي على اللجنة.
من ناحية أخرى، يأتي التركيز المستمر على تداعيات الفضيحة بمثابة صداع سياسي لسوناك. ويواجه رئيس الوزراء حالياً عدة اختبارات صعبة لشعبية حكومته في الانتخابات، وضرورة إيجاد بدائل لتحل محل جونسون وحفنة من زملائه الآخرين في عدد من الدوائر.
واستقال أحد حلفاء جونسون، نايجل آدامز، بعد فشله في ضمان مقعد داخل مجلس اللوردات. وهددت حليفة أخرى تواجه الموقف نفسه، نادين دوريس، بالاستقالة رغم أنها لم تفعل ذلك بعد. واستقال مشرع آخر من حزب المحافظين، ديفيد واربورتون، من منصبه بعد إيقافه عن العمل بسبب مزاعم بسوء السلوك. ادعى واربورتون أنه حرم من جلسة استماع عادلة من قبل هيئة رقابة برلمانية تنظر في الادعاءات المرفوعة ضده.
ما زاد مشكلات سوناك، إعلان الشرطة أنها ستراجع مقطع فيديو جرى نشره حديثاً حصلت عليه صحيفة «ديلي ميرور»، ويبدو أنه يظهر موظفين من حزب المحافظين يشربون ويرقصون في وقت كانت فيه القيود المرتبطة بالجائحة سارية. إلا أن الشرطة قالت إن الصورة المنشورة سابقاً للحدث نفسه لا تتضمن أدلة كافية للمقاضاة.
وأفادت تقارير بأن نحو عشرين شخصاً كانوا في الحفل، بما في ذلك شون بيلي، الذي نفذ حملة فاشلة للفوز بمنصب عمدة لندن، الذي جرت ترقيته إلى عضوية مجلس اللوردات من قبل جونسون.
كان بيلي قد غادر قبل التقاط الفيديو، على الرغم من أن أحد المساعدين الذي نال درجة أقل من التكريم، بن ماليت، ظهر بالفعل. ودعا سياسيون معارضون إلى حرمان الرجلين من التكريم.
* «خدمة نيويورك تايمز»