ملخص
بودكاست "الجانب الأكثر إشراقاً للقتلة المتسلسلين" يمنح القتلة المتسلسلين منبراً ويهدف إلى إعادة تأهيلهم
عندما حظي كيث جيسبرسون الذي يعرف بلقب "سفاح الوجه الضاحك" Happy Face Killer بفرصة الخروج إلى فترة الاستراحة في "سجن أوريغون" الشديد الحراسة، حيث أمضى نحو 30 عاماً لارتكابه جرائم قتل عنيفة بحق نساء عدة، واستخدم في ذلك الوقت إجراء مكالمة هاتفية لمدونة بث صوتية (بودكاست) خاصة بالجرائم، وفي بعض الأحيان يقوم سائق الشاحنة السابق الذي كان يسافر مسافات طويلة بسرد من دون مبالاة لما كان يدور في ذهنه، وهو يقوم بخنق ضحاياه، وجميعهن من النساء، خلال انغماسه بالقتل في التسعينيات.
وفي أوقات أخرى يتحدث عن نادي القتلة السري داخل سجنه أو يتبجح بتبادل القصص مع صديقه الجديد في السجن ريكس هيورمان المشتبه في كونه قاتل جيلغو بيتش المتسلسل.
ولكن في غالبية الأحيان يجول في حديثه على النشاطات اليومية الدنيوية داخل جدران السجن، تماماً كما يفعل عدد كبير من السجناء الآخرين الذين يشاركون في "ذا لايتر سايد أوف سيريال كيلرز" (الجانب الأكثر إشراقاً للقتلة المتسلسلين) The Lighter Side of Serial Killers، وهي مدونة بث صوتية (بودكاست) تقدم للمستمعين فرصة الاستماع إلى دردشة يجريها أشهر القتلة المتسلسلين في البلاد حول أية مواضيع تحلو لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق يقول مضيف الـ "بودكاست" كيث روفير لـ "اندبندنت"، "لا أريد أي شيء منهم ولا أحاول نفي مسؤوليتهم عن جرائمهم وكل تفصيل فظيع فيها، بل أدعهم يتكلمون وحسب".
ويقدم الـ "بودكاست" للمستمعين فرصة الاستماع إلى قصص تروى للمرة الأولى من بعض أكثر المجرمين رعباً وعنفاً في العالم.
دافيد بيركوفيتز، الذي يُعرف بلقب "ابن سام" Son of Sam والذي بث الرعب في مدينة نيويورك خلال موجة جرائم قتل استمرت من يوليو (تموز) 1976 وحتى أغسطس (آب) 1977، أصبح اليوم على علاقة وطيدة بروفير، مضيف الـ "بودكاست" حيث يتطرقان إلى مواضيع مرتبطة بالإيمان والله. (لم يجب بيركوفيتز على طلب تقدمت به "اندبندنت" لإجراء مقابلة معه).
وحتى الساعة أجرى "بودكاست" "الجانب الأكثر إشراقاً للقتلة المتسلسلين" مقابلات مع 20 محكوماً بارتكاب جرائم قتل، وتعتبر الدردشة مع قسيس سابق سيناريو مختلف جداً عن الإجابة على أسئلة موجهة من صحافي تقليدي.
وفي هذا الإطار قال روفير "تمكنت من إضفاء الطابع الإنساني على أولئك القتلة بواسطة بثي الصوتي البسيط"، علماً أن المضيف لا يزال يعمل في مجال إعادة تأهيل السجون وفي جعبته كثيراً من الكتب التي ألفها حول هذا الموضوع.
وأخيراً تلقى روفير بطاقة معايدة متأخرة بعيد الميلاد من دينيس رايدر المعروف باسم "بي تي كاي" BTK وهي اختصار لـ Bind, Torture, Kill أي "قيّد، عذب، اقتل" وهو اللقب الذي يطلقه على نفسه.
كما قام جيسبرسون، سفاح الوجه الضاحك، بإرسال لوحة لروفير فضلاً عن صفحات طويلة من الرسائل الأسبوعية المكتوبة بخط يده المائل، واستعين بإحدى لوحاته لتكون شعار الـ "بودكاست"، وقال "لا أسعى إلى تلميع صورة القتلة المتسلسلين، ولكن نشر الوعي حول غياب إعادة التأهيل في نظام العدالة، وأتواصل مع المجرمين العنيفين على أمل أن يتمكنوا من خلال الدعم الإيجابي من تغيير حياتهم".
ويُعتبر جيسبرسون من المشاركين الدوريين في المدونة، ولكن إذا ناديتم بذلك الاسم في سجن ولاية أوريغون حيث يمضي عقوبة السجن، "سيتساءل الأشخاص عمن يكون، كما شرح ضاحكاً عندما اتصل بـ "اندبندنت" من داخل السجن، وأضاف "أنا ما أنا عليه، الضاحك أو الوجه الضاحك، ويعرفونني بهذا الاسم".
ويقبع كيث هانتر جيسبرسون (68 سنة) حالياً في سجن ولاية أوريغون منذ عام 1995، إذ يقضي عقوبة بالسجن المؤبد بعد إقدامه على قتل ثماني نساء في الأقل في عدد من الولايات بين عامي 1990 و1995.
واستوحى لقبه من رمز "الوجوه الضاحكة" التي خربشها على جدران الحمام في مواقف الشاحنات للإشارة إلى جرائم القتل التي ارتكبها، وعندما أفلت مراراً من إلقاء القبض عليه، وأصبحت الوجوه الضاحكة بمثابة توقيع ذيل به الرسائل الساخرة التي أرسلها إلى وسائل الإعلام والسلطات.
ويتحدث جيسبرسون إلى روفير أسبوعياً وسيستمر بالقيام بذلك "لأن المدونة تقدم منصة للحقيقة" كما يقول، ويضيف قائلاً "بهذه الطريقة سأصوب الأمور" شارحاً بأنه لا يزال يُحاكم بعدد من الجرائم ولكنه يقدم حمضه النووي دائماً كي يستبعد من المحاكمة بجرائم لم يرتكبها، ويوضح "لا أحتاج إلى مزيد من الجرائم التي لم أرتكبها والتي تلصق بي وأُتهم بها جزافاً، ولا أحتاج إلى تضخيم صورة الوحش الذي أنا عليه بالفعل".
ودأب روفير لأعوام على إعادة تأهيل السجون على محاربة فكرة اعتبار المجرمين وحوشاً، ومع هوس العالم المستمر بالجريمة الحقيقية، وهي ظاهرة لا يبدو أنها ستتباطأ أو تتوقف في وقت قريب، قرر تحويل مكالماته الأسبوعية مع القتلة إلى مدونة صوتية.
وفي هذا الصدد قال روفير إنه "في بعض الحالات قد يشمل ذلك شخصاً يُطلق سراحه يوماً ما ويمكن أن يكون جارك، فهل تود أن يكون ذلك الشخص نفسه الذي كان عليه قبل دخوله السجن؟ أو شخصاً نظهر له التعاطف والحب؟"
وبينما نال مضيف الـ "بودكاست" أحياناً حصة من التعليقات العنيفة والانتقادات القاسية لأنه قدم منصة مفتوحة للقتلة المحكومين، إلا أنه أيضاً تلقى بعض ردود الفعل الإيجابية.
جاء ذلك أخيراً بعد أن استضاف القاتل المتسلسل واين آدم فورد، وهو سائق شاحنة لمسافات طويلة، والذي تحدث عن معاناته مع المرض العقلي.
حُكم على فورد بالإعدام في سان كانتين بعد اعترافه عام 1998 بقتل أربع نساء في الأقل، حتى إنه ذهب أبعد من ذلك لدرجة أنه سلم كيساً بلاستيكياً يحوي صدر إحدى ضحاياه.
وقال روفير، "يقصدني كثير من الأشخاص، وهم أشخاص يعانون المرض العقلي الذي يدفعهم لارتكاب أعمال عنيفة، ولكن تظهر بقعة أمل مضيئة في نهاية النفق وقد سمعوا ذلك في قصة وأين، ولهذا السبب أقوم بالعمل الذي أفعله".
ولم يتحدث معظم السجناء إلى وسائل الإعلام مطلقاً، ولا تود الغالبية العظمى منهم سرد تفاصيل شنيعة تتعلق بجرائمهم، ويعتبرون أنه في حديثهم مع روفير لا ينهال عليهم ذلك النوع من الأسئلة المحددة.
ويتابع روفير قائلاً "أنا أعرف أعمق أسرارهم وأكثرها ظلاماً ولكن يتطلب ذلك أعواماً من بناء الثقة، فأنا لست الشخص الذي يريد إظهار الجانب الدموي والعنيف بل الجانب الأكثر إشراقاً".
في حديث مع "اندبندنت" تقول دانا غراي، (66 سنة) المسجونة في كاليفورنيا حيث أمضت 30 عاماً بعد قتلها ثلاث نساء مسنات، بأنها لا تشعر بالحاجة إلى إعادة سرد أفعالها.
وقالت، "لا أود التحدث عن جرائمي لأنه ليس برنامجاً خاصاً بدانا"، مشيرة إلى أنها لا تريد لأي شخص على علاقة بالضحايا أن يصاب بالصدمة مجدداً، وأضافت "يمكن أن يشعر الضحايا وعائلاتهم بأثر ذلك إذا سمعوا القصة مجدداً فلا حاجة إلى ذلك، يجب أن يشعر الضحايا بالأمان".
كما كشفت بأنها غير معجبة باسم المدونة الصوتية التي أطلقها روفير أو بتلقيبها بالقاتلة المتسلسلة، حتى إنها ترفض التفوه بالكلمتين وتستعيض عن ذلك بأول حرفين "SK" (ق.م)، وتتابع قائلة "ما يزعجني في مدونة كيث هو الاسم، أعرف بأنه يروج لإعادة التأهيل ولكن الاسم يترافق مع صور قاسية ويبث الرعب في نفوس الأشخاص، وبالنسبة إلي لا يشبهني ذلك الأمر البتة ولا يشبه موقعي الحالي أو المستقبلي".
وفي الجانب الآخر عبرت غراي عن امتنانها لمنحها منصة تتيح لها تثقيف الأشخاص خارج السجن عما تعيشه وتمر به كامرأة خلف القضبان، وتروي شغفها في تقديم المساعدة لإعادة تأهيل زملائها السجناء.
وعلى مر 30 عاماً لم تكن جاهزة للتحدث، خصوصاً لأية وسيلة إعلامية تُعنى بأخبار الجرائم ومن شأنها أن تحول قصتها إلى عناوين عريضة جذابة، ومع ذلك فلم يقدم لها الحديث مع روفير على مدونته ما يدفعها إلى التحدث علناً براحة تامة، وتضيف غراي "أنا جاهزة الآن وأود أن أستخدم سمعتي السيئة في سبيل الخير".
وتقول غراي وسجناء آخرون تحدثوا مع "اندبندنت" في مكالمات هاتفية من داخل السجن بأنهم اختاروا فتح قلوبهم لروفير لأنه يتحدث معهم كصديق.
ولكن ليس الجميع مقتنعين بفكرة منح القتلة المجال للتحدث علناً وبحرية تامة، وفي هذا السياق تشعر بعض عائلات الضحايا بالغضب الشديد، ويرفض آخرون الإقرار بذلك حتى مركزين عوضاً عن ذلك على مدونات وأفلام وثائقية ومنصات أخرى تتمحور حول القصص المتعلقة بالضحايا وأحبائهم.
جولي موراي التي مر 20 عاماً على اختفاء أختها مورا موراي في التاسع من فبراير (شباط)، قالت لـ "اندبندنت" بأنها مدافعة شرسة عن المحتوى الذي يرتكز حول الضحية.
وشرحت قائلة "إن التركيز على الجاني هو أمر نشاهده على منصة ’نتفليكس‘ كمادة ترفيهية"، مضيفة أن المشاهدين يحصلون على نظرة شاملة عن حياة الشخص بكاملها. وتكمل، "ولكن تفتقر تلك المواد غالباً إلى التركيز على الضحايا الذين تنتهي قصتهم عندما تقع المأساة، وأعتقد بأن ذلك يسيء للضحايا وعائلاتهم، فعائلاتهم تشاهد وليس من العدل التركيز على الجاني".
وتقول إن العائلات على غرار عائلتها تشعر بالصدمة مجدداً عندما يجري التعامل مع تلك القضايا على أنها مادة ترفيهية، مضيفة "يشبه ذلك إضافة مزيد من الأسى والصدمة، وقد بلغنا مرحلة أصبح فيها مجتمع الجريمة الحقيقي قاسياً، فقد قاموا بتهميش الأخلاق من أجل التأثيرات الدرامية، وأصبح كل شيء مباحاً بهدف الجذب".
وكانت موراي انتهت للتو من استضافة موسم كامل من "بودكاست" جديد بعنوان "الضغط الإعلامي الموسم الأول: القصة غير المروية لمورا موراي" Media Pressure Season 1: The Untold Story of Maura Murray بالتعاون مع ساره تورني التي اختفت أيضاً شقيقتها أليسا عام 2001. وانتشرت منشورات تورني بشكل واسع على تطبيق "تيك توك" بعد أن نشرت عن قصة أختها، ومن ثم أطلقت مدونتها الخاصة عن أليسا.
وتشكل هاتان المرأتان مثالاً على ما يعنيه بأن يكون الشخص متآلفاً مع القدرة على السيطرة على رواية الجريمة بعيداً من وسائل الإعلام الرئيسة، وبوسع تورني أن تقارن ذلك بوضوح مع مدونة "الجانب الأكثر إشراقاً للقتلة المتسلسلين".
وفي هذا الصدد قالت تورني لـ "اندبندنت" إن "حرية التعبير هي مسار ذو اتجاهين، أليس كذلك؟ تماماً كما يحق لجولي وأنا أن نسرد قصص أختينا، يحق لهؤلاء الأشخاص الحصول على منصة سواء كانوا قتلة أو أياً يكونون".
وأضافت أنه في حال اعتبر المستمعون أن ما يسمعونه قاس أو مضر فالأجدى بهم "التوقف عن الاستماع بكل بساطة، وفي نهاية المطاف هل اعتبر بأن محتوى مماثلاً مضر؟ حتماً. وهل لديهم الحق في إنشائه؟ حتماً. يتعلق الأمر بالنيات وبتطور مجتمع محبي متابعة قصص الجريمة الحقيقية مع مرور الوقت، ولا يرغبون برؤية الأشخاص يتأذون باستمرار ولا يودون رؤية أشخاص مثل جولي ومثلي وكل تلك العائلات تصبح ضحية مجدداً وتتعرض للأذى باستمرار".
في غضون ذلك شهد المحتوى المتعلق بالجريمة نمواً ملحوظاً ومطرداً على مر عقد من الزمن، وفيما قد يشعر المشاهدون بالارتياح والتثقيف من خلال محتوى الجريمة الحقيقية فإن المجرمين الحاليين أو المحتملين سيشعرون بذلك أيضاً، وفقاً للقتلة المتسلسلين أنفسهم.
الأشخاص الذين تحدثوا مع "اندبندنت" في مقابلة تعود لعام 2022 في شأن شعبية الجريمة الحقيقية ممن حُكم عليهم بالإعدام، حيث تحظى وسائل الإعلام بوصول محدود للغاية، وفي وقت لم يكن حجم هذه الظاهرة متغلغلاً بعد في جدران السجن، عبروا عن صدمتهم من مدى الاهتمام الشعبي بأبشع الفظائع، ولكنهم أصدروا تحذيرات خطرة.
وفي هذا السياق قال واين آدم فورد قبل عام من ظهوره في "بودكاست"، "الجانب الأكثر إشراقاً للقتلة المتسلسلين"، "بوسعي أن أقول لكم أن عدد القتلة المتسلسلين على الطرقات اليوم يبلغ الضعف، لأن هؤلاء يكونون أصلاً أشخاصاً أذكياء وهم يشاهدون ذلك، ويتعلمون ويصبحون أذكى في طريقة تغطية جرائمهم وإخفاء الجثث وكل ذلك"، كما أنه من شأن التحدث علناً أن يترك تداعيات على السجناء أنفسهم.
وفي حال بروس دافيس (81 سنة)، وهو فرد سابق من أتباع "جماعة تشارلز مانسون الدينية" التي ارتكبت كثيراً من جرائم القتل في إطار طقوسها عام 1969، قد تكون جلسة الإفراج عنه تحت السؤال بعد ظهوره على المدونة الصوتية في فبراير (شباط) 2023 وأبريل (نيسان) 2023.
وقال روفير بأنهما لم يتطرقا في الـ "بودكاست" إلى الجرائم التي ارتكبها دافيس، ولكنها تحدثا عن اكتشافه للإيمان المسيحي في السجن والكتاب الذي يقوم بتأليفه.
ولكن مفوضي الإفراج المشروط عبروا عن مخاوفهم بعد أن كتب دافيس في بطاقة معايدة بعيد الميلاد أرسلها إلى روفير بأنه يتطلع قدماً إلى جلسة الاستماع الخاصة به، وسبق أن جرى رفض منحه الإفراج المشروط عام 2022.
وبعد انتشار اخبار عن تأجيل الجلسة في فبراير الماضي، غرد أحد الأشخاص بأنه "قلق من تمجيد وتطبيع السلوك الجرمي من خلال المنصات الإعلامية، مما ينسف خطورة الجرائم التي اُرتكبت".
ورداً على ذلك نشر روفير قائلاً "تقوم المنصة بتعزيز التغيير الإيجابي في حياة مرتكبي الجرائم العنيفة من خلال الإيمان والدعم الإيجابي، دعونا نأمل أن يشعر مجلس الإفراج المشروط بالطريقة نفسها".
وقال روفير مراراً إنه حظي بعلاقات مع "أسوأ أنواع المساجين"، مضيفاً "أتواصل مع أعنف المرتكبين على أمل أن يتمكنوا من خلال الدعم الإيجابي أن يغيروا حياتهم ويقلبوها رأساً على عقب".
ولكن بالنسبة إلى جيسبرسون المعروف بقساوته وعنفه، فلا وجود لإعادة التأهيل الحقيقية مهما بلغ عدد الإطلالات التي يقوم بها على المدونات الصوتية، "في حال عدتَ إلى الشارع مجدداً فكل تلك الأمور لن تعود مهمة، وأنت لا تزال الشخص نفسه، ولم يطرأ عليك أي تغيير ولم تخضع لإعادة تأهيل، وبوسعك أن تقدم على القتل مجدداً".