باتت المبالغة في عمليات التجميل هي القاسم المشترك الذي يجمع بين معظم ممثلات الدراما العربية بمختلف جنسياتهن وتجمع بينهن خدود منتفخة وشفاه مكتنزة بشكل مبالغ فيه وفكان عريضان وحاجبان مرسومان ويتوسط الوجه أنف صغير لا يتناسب حجماً مع الملامح الأخرى.
ومع أن الجمال ضروري في الدراما ولكن المبالغة في عمليات التجميل كبّلت تعابير وجوه ممثلات وجعلها باردة ومتصلبة وغير قادرة على التعبير، حتى إن المشاهد بات ينشغل بمراقبة عمليات تجميل الممثلة بدلاً من التركيز على دورها وأدائها.
وبين الأسباب النفسية والمهنية والثقافية تتنوع الدوافع التي تجعل الممثلات يلجأن إلى التجميل الذي تحول إلى هوس عند بعضهن، فكيف يتحدث النقاد ومن يعملون في المجال عن هذا الموضوع.
الإعلامية هلا المر تعتبر أن عمليات التجميل ليست مرفوضة عندما يقتصر الأمر على إجراء بعض التحسينات، ولكن المبالغة فيها مرفوضة لأنه يفترض بالممثل أو الممثلة المحافظة على تعابير الوجه، مشيرة إلى أن التجاعيد ليست عيباً ويمكن لمن تقدمت في السن أن تلعب أدوار الأمهات والجدات وليس بالضرورة أن "يسطون" على أدوار الشابات.
ولفتت المر إلى أن منى واصف لم تخضع للتجميل ولكنها تحافظ على نجوميتها حتى وهي في الثمانينيات، وكذلك ميريل ستريب تطل بكامل تجاعيدها في أفلامها، مضيفة "لا أعرف لماذا لا تتقبل الممثلات العربيات تجاعيدهن على غرار الأجنبيات" ومؤكدة أن المنتجين والمخرجين لهم دور في هذا الموضوع لأنهم يفرضون المعايير الجمالية على الفنانات، وكشفت عن أن "ممثلة قديرة أخبرتني أنهم سوف يحرمونها من العمل في حال لم تتجمل".
ولضمان استمرارية الظهور على الشاشة تلجأ بعض الممثلات إلى التجميل لأنهن يرفضن التقدم في السن، كما تقول المر "بعضهن يعملن في المجال منذ 30 عاماً ويرفضن الاعتراف بأعمارهن لأنهن غير متصالحات مع أنفسهن، وفي المقابل هناك أخريات رفضن التغيير أو الخضوع لمطالب المخرجين والمنتجين بينهن الفنانة رندة كعدي والممثلة ليلى قمري اللتان تعرضتا لضغوط كثيرة".
جمال مصطنع
بدوره يؤكد المخرج اللبناني سمير حبشي أنه يخضع الممثلات لـ"كاستينغ" ومن يجد أنها خضعت للتجميل يرفض مشاركتها في أعماله، متابعاً "الجسد هو آلة الممثل والتجميل يفقد قدرة الوجه على التعبير عن الإحساس المطلوب، ولكن هناك عمليات تجميل معقولة كتقويم الأنف أو تكبير الصدر ولا تترك تأثيراً سلبياً، لكن الوجه هو العنصر الأهم في التمثيل وكل الاعتماد عليه، ومع أن هناك ممثلات في مقتبل العمر يقبلن عليها، لكن الممثلات المثقفات يرفضنها منهن دياموند بوعبود وبرناديت حديب وكارول عبود".
لا يجوز الربط بين العمر وأدوار البطولة كما يشدد حبشي "لا شيء يمنع ممثلة خمسينية من أن تكون بطلة العمل، ولكننا من دول العالم الثالث نجد بعض الممثلات يتمسكن بالمظهر الشاب المصطنع من أجل هذه الأدوار"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن فصل الدراما عن الوعي الاجتماعي، فالناس لا يحاسبون الممثل والمخرج والسياسي، وكلها ظواهر اجتماعية مرتبطة ارتباطاً جدلياً وتؤثر في بعضها".
وأشار المخرج اللبناني إلى أن الدراما تؤثر في المسرح الذي يؤثر في السياسة ثم الاقتصاد، مردفاً أن "المشكلة أننا لسنا واعين لتخلفنا ونعتبر أننا أسوياء"، لافتاً إلى أن هناك من يستعين بقصص أجنبية ويحولها إلى لبنانية وهذا اسمه "بوتوكس" أيضاً ولكن في الموضوع وليس في الوجه.
ويرى حبشي أن الدراما التلفزيونية تحتاج إلى الجمال والموهبة وهذا الأمر متعارف عليه في كل دراما العالم، منوهاً بأن المطلوب هو الجمال الطبيعي وليس المصطنع ولافتاً إلى وجود فئة من الجمهور "لا تهتم بالموهبة بل بمفاتن الممثلة، وهؤلاء لا يمكن اعتبارهم مشاهدين بل رواد التسلية".
هوس التجميل
الإعلامي الكويتي نايف بشايرة وبحكم وجوده خلف الكواليس واحتكاكه بالممثلات ومشاركتهن في بعض الأعمال يرى أن علاقتهن بعمليات التجميل تحكمها حقيقتان مهمتان "الأولى هي أن بعضهن تنقصهن الثقة بالنفس ويعانين خلل الاضطراب والاضطهاد انطلاقاً من البيئة التي نشأن وعشن فيها، وهذه الأمور ولدت في نفوسهن الغضب والمخاوف والنقص، ويعتبرن أنه يجب أن يكن مثاليات وكاملات بدليل أن إحدى الفنانات الجميلات خضعت لعمليات تجميل وشوهت نفسها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح بشايرة أن الحقيقة الثانية مرتبطة بأن بعضهن يخضعن للتجميل للحفاظ على الشباب الدائم لكي لا يتراجع الطلب عليهن لأن أدوار الأم والأب عند معظم من يكتبون النصوص الدرامية لا قيمة لها، لذا فإن معظم الممثلات يردن الأدوار المحورية وأن يكن بطلات أو حبيبات ويعتبرن أن التجميل يساعد في تحقيق هذا المبتغى ويزيد الطلب عليهن.
وعلق البشايرة أنه لم نعد نشاهد أداءً جيداً ومقنعاً بل يكون خالياً من التعابير مع أن الفن لا علاقة له بالجمال، لافتاً إلى أن وظيفة الممثلة تجسيد الأدوار حتى لو لم تكن جميلة وأن "الماكياج" يحسن شكلها، معتبراً أن الإصرار على اللجوء إلى التجميل المبالغ فيه سببه مشكلة داخلية، فضلاً عن الضغط الخارجي الذي يولد شعور الغيرة لديها عندما يقال إن هذه الفنانة أجمل من تلك أو إنها مطلوبة أكثر.
وأكد الإعلامي الكويتي أنه مع الوقت يتحول التجميل إلى هوس ويصبح مبالغاً فيه، مما يفقد الفنانة القدرة على الإقناع، محذراً من المبالغة لأنه "أحياناً يتم تصحيح العيوب التي تنتج من عمليات التجميل بالخضوع لمزيد منها".
توتر في التصوير
الممثلة وفاء موصللي تنفي خضوعها لأي عملية تجميلية بل تقول إنها قامت بـ"رتوش" بسيط لمنح وجهها النضارة، متابعة "أنا ضد النفخ الذي يغير الملامح ويؤثر في العفوية وطبيعة الوجه بحيث لا تكون الممثلة قادرة على تقديم التعبير الذي يفترض أن تؤديه كأن تتحول الابتسامة إلى اشمئزاز".
وأشارت إلى أن الممثلات اللواتي خضعن لعمليات تجميل في الأنف يعانين مشكلة في التنفس تسبب لهن العصبية والتوتر "في حين أنه يفترض أن يعمل الجهاز التنفسي بشكل صحيح لكي تتمكن الممثلة من التعبير بشكل صحيح"، لافتة إلى أن التوترات التي تعيشها الممثلة في موقع التصوير تفقدها القدرة على العطاء بالشكل المطلوب".
ثقافة بصرية
وشدد المخرج المصري محمد جمعة على أن أدوات الممثل تعتمد على تعابير الوجه والجسد، وأي شيء مبالغ فيه يفقده القدرة على التعبير بالشكل الصحيح، موضحاً أن "الطب التجميلي تطور وأن هناك جراحين متخصصين يعرفون كيف يتعاطون مع الأشخاص الذين يعملون في مجال التمثيل أو عرض الأزياء، ولست ضد التقدم والتطور للمحافظة على الشكل شرط ألا يلحق الأذى بعمل الممثل أو تعابير الوجه".
وأشار إلى أن الفنانات المبالغات في التجميل عادة يتعرضن لانتقادات كثيرة لأنهن يتحولن إلى نسخ مكررة في العمل الواحد، كما أن وجوههن تفقد القدرة على الاستجابة للتفاعل الذي يشعرن به، وهذا هي حال السوق بشكل عام، ولا أعتقد بأن أياً من صناع الدراما يمكن أن يتعاملوا مع ممثلة عاجزة عن الوصول إلى المشاهدين".
وأعاد المخرج المصري سبب المبالغة في عمليات التجميل عند الممثلات العربيات إلى ما يسمى "الثقافة البصرية" وهي أن "كل شخص يفهم الجمال بطريقة معينة لأنه نسبي"، مشيراً إلى نظرية تقول إن "جمال الشيء ليس فيه نفسه بل في عيوننا ونظرتنا إليه، فيمكن لممثلة ما أن تعتبر نفسها جميلة عندما تنظر إلى وجهها وترى أنه يشبه الطبق، بينما تعتبر أخرى أن الوجه وسيلة وأداة تعبير ويجب أن يكون جميلاً شرط أن تكون تقاسيمه واضحة ويملك القدرة على التعبير".
ولفت جمعة إلى أن خلفية بعض الممثلات ليست التمثيل بل الظهور، وكذلك هناك فئة من الجمهور لا تكترث للعمل أو الشخصية بقدر اهتمامها بمشاهدة ممثلة معينة، مستشهداً بوجود "فنانات غير مقنعات ولكنهن يقدمن أعمالاً وتحقق نجاحاً ساحقاً لمجرد أن المشاهد يحب أن يتابعهن على الشاشة حتى لو لم يكن مقتنعاً بالعمل والأداء".
وأكد المخرج المصري أن الفن يرتبط بالثقافة ويمكن التعرف إلى ثقافة أي بلد من خلال متابعة الأعمال الفنية، موضحاً أن "معظمها يتم تقديمها مراعاة للجمهور، وأحياناً تتم الاستعانة بممثلة لديها جمهور كبير يتابعها حتى لو لم يكن المخرج والمنتج مقتنعين بها".