"بني يني" منطقة جزائرية تحكي أسرار صناعة الفضة

منذ 1 سنة 102

هي واحدة من القرى المتناثرة فوق المرتفعات وسفوح جبال جرجرة في الجزائر، لكن صيتها تجاوز حدودها الجغرافية بسبب حرفة تقليدية أصبحت تغطي حاجات البلاد من الحلي الفضية عالية الجودة، ينتجها حرفيون توارثوا المهنة أباً عن جد.

قرية "آث يني" وهو اسمها الأمازيغي الأصلي وتسمى بالعربية "بني يني"، تعتبر عاصمة صناعة الفضة في الجزائر، تقصدها العائلات من مختلف مناطق البلاد وحتى من خارجها، لاقتناء حلي النساء والفتيات التي تعد ضرورية لزينة المرأة خصوصاً الأمازيغية سواء في الاستعمال اليومي أو خلال المناسبات والأعراس.

روايات تاريخية

بحسب الروايات التاريخية، فإن حرفة صناعة الفضة تعود جذورها إلى فترة الصراع بين ملكة إسبانيا ومن رفضوا اعتناق الكاثوليكية من يهود ومسلمين، فتم نفيهم إلى دول المغرب العربي، وخصوصاً في منطقة القبائل (شرق الجزائر)، ونقل هؤلاء فن الصناعة التقليدية ولقنوها للسكان الأصليين حتى برعوا فيها.

02_(2).JPG

عيد سنوي للفضة الأمازيغية يعرف مشاركة واسعة للحرفيين (اندبندنت عربية)

وتفيد الروايات أن السكان الأصليين في منطقة القبائل عرفوا، خلال تلك الفترة، بصك "النقود المقلدة" والعمل على نشرها في الأسواق بهدف تحطيم الإمبراطورية العثمانية التي كانت الجزائر تحت وصايتها بين 1514 و1830، إلا أنهم بمجرد اكتشاف الفضة الأمازيغية توقفوا عن صناعة النقود المقلدة وامتهنوا حرفة صناعة الحلي الفضية.

وتشير رواية أخرى إلى أن عائلة علام التي يقال إنها استقرت في منطقة "بني يني" هي التي نقلت صناعة هذه الحلي للسكان المحليين، بحسب ما أورده أحد مواقع الأمازيغية.

وزادت شهرة منطقة "بني يني" بعد أن تحولت إلى مزار للآلاف، مع حلول أغسطس (آب) من كل عام، بمناسبة تنظيم "العيد السنوي للفضة الأمازيغية" الذي يعرف مشاركة واسعة للحرفيين، ويعد مقصداً للعائلات لاقتناء أجمل الحلي الفضية الأصلية.

عيد الفضة بمنطقة "بني يني"، يكشف مدى الشغف الذي يسكن المرأة الأمازيغية بالحلي التقليدية الفضية، التي يتفنن الحرفيون في صنعها في أشكال تبهر العيون وتأسر قلوب الزوار الذين لا يجدون مفراً سوى اقتناء بعض منها، لاستعمالها كزينة في المناسبات المهمة، مثل حفلات الزواج والختان والأعياد الدينية، كما تعد الحلي الفضية وسيلة للادخار نظراً لقيمتها المادية المعتبرة.

01_(3).JPG

عيد وطني

وتتميز الطبعة 17 للعيد الوطني للحلي التقليدي ببلدية "بني يني"، بمشاركة ما يزيد على 150 حرفياً بمختلف الصناعات التقليدية من 15 ولاية.

ويقول رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية آث يني، عبدالله جنان في تصريحات صحافية، إن "العيد لن يشهد عرض حلي الفضة فحسب بل ستكون هناك صناعات أخرى مثل الزرابي، والفخار، والخياطة وغيرها"، مشيراً إلى أن عدد الحرفيين في الطبعة الحالية ارتفع مقارنة بعددهم المسجل السنة الماضية، حيث أحصي 90 مشاركاً في 2022، من ولايات عدة بينها تيزي وزو، تمنراست، ورفلة، بومرداس، الجزائر العاصمة، أدرار، تميمون، مستغانم، سيدي بلعباس وعنابة.

ويعد عيد الفضة مصدراً مهماً لتسويق المنتجات الفضية، وأدى الإقبال المتزايد على الفضة إلى انتعاش سوق هذا المعدن، خصوصاً أن الحلي باتت تلبي أذواق النساء، بعد تحديث صناعة الفضة، وإدخال تقنيات حديثة في ترصيع الأحجار وصياغة الأكسسوارات والأشكال الجديدة التي تتماشى والموضة.

وإلى جانب النساء اللاتي أصبحن يتزين بأكسسوارات الفضة كالأساور المرصعة بالأحجار الكريمة والمرجان، والأقراط والخواتم والساعات والخلاخل، فإن للرجال نصيباً من هذه الحلي، حيث إن معظمهم يرتدون خواتم الزواج الفضية من صنع الصائغين في هذه المنطقة.

ويستوحي الحرفيون الزخارف لتزيين الحلي من شكلين أساسيين رأس الثعبان، والرؤوس السبعة، كما أن الألوان السائدة في تزيين الحلي ثلاثة هي: الأزرق والأخضر والأصفر ما يضفي رونقاً خاصاً، وهي ألوان تعكس محيط وطبيعة بيئة السكان التي يقطنون بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حرفة الأجداد

ويقول صاحب أحد المحال التجارية لصناعة الحلي الفضية في المنطقة، إن أفراد عائلته ورثوا حرفة صناعة الحلي من أجدادهم، لأن المنطقة كانت ولا تزال معروفة بهذه الحرفة.

وقال، إن الحرفيين في السابق كانوا يصنعون الحلي الفضية بأحجام كبيرة نسبياً مقارنة بالوقت الحالي بالنظر إلى البنية الفيزيولوجية التي كانت تتميز بها المرأة الأمازيغية، آنذاك، بينما يتم حالياً صنع حلي أقل حجماً وأكثر تنوعاً.

ويضيف أن الحرفيين أصبحوا يصنعون حلياً للاستعمال اليومي وتتم مراعاة اختيار ألوان مناسبة وعصرية على غرار الأصفر والأزرق والأخضر، مشيراً إلى أن الحلي الفضية كانت تحمل دلالات في السابق مثل ارتداء المرأة الأمازيغية نوعاً معيناً لدى ذهابها إلى منابع المياه لجلب الماء، للتعرف ما إذا كانت عازبة أو متزوجة أو مطلقة، إلا أنه بمرور الزمن أصبحت المرأة ترتدي هذه الحلي بشكل يومي.

ويقول مالك المتجر، إن تظاهرة عيد الفضة بدأت خلال فترة التسعينيات (1995-1996) واستمرت بعد ذلك إلى غاية تفشي وباء كورونا حيث تم التوقف عن تنظيمها لمدة أربعة أعوام.

ويذكر المتحدث بعض المشكلات التي تقف في طريق الحرفيين مثل سوء التنظيم ونقص مادة المرجان، وندرة المادة الأولية للفضة.

خطر الاندثار

من جانبه، يقول صديق ناصر وهو حرفي في صناعة الحلي التقليدية، إن مسيرته في صناعة الحلي بمنطقة "بني يني" انطلقت منذ 33 سنة وورثها عن والده وجده.

ويضيف، أن حرفة صناعة الحلي الفضية تعد واحدة من العادات والتقاليد الراسخة في المنطقة التي تسهم في اقتصاد البلاد.

ودعا السلطات إلى الاهتمام أكثر بهذه الحرفة ومنح الحرفيين الدعم اللازم للحفاظ عليها من الاندثار من خلال تذليل الصعوبات، بدءاً من توفير المادة الأولية ومساعدة الحرفيين وتقديم كافة التسهيلات لممارسة نشاطهم.

ويقول صديق ناصر، إن ارتفاع أسعار الحلي الفضية لدى تسويقها للزبون راجع بالدرجة الأولى إلى غلاء المادة الأولية المستعملة في هذه الصناعة كالفضة الخام والمرجان.

وأشار المتحدث إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من الفضة الخام بلغ 170 ألف دينار (1250 دولاراً) إضافة مشكلة الندرة التي تواجه الحرفيين.

ويقول ناصر، إن "الوضع إذا استمر كما هو عليه حالياً فإن هذه الحرفة ستندثر يوماً ما، لكننا لا نريد ذلك ونحن متمسكون بها ونتمنى أن يشتغل بها أبناؤنا في المستقبل".