شهرٌ مضى على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، ولم تبدُ في الأفق بعد إشارة واحدة تنبئ باحتمال اقترابها من خط النهاية، ووقف ما يُرتكب من فظائع ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى. الخسائر البشرية والعمرانية في الجانب الفلسطيني تجاوزت كل التوقعات. وتكفلت وسائل التواصل الاجتماعي، أولاً بأول، بنقل المعارك، ومشاهد الخراب، وما يُرتكب من مجازر. كما تلاشت ضائعةً في الهواء توسلاتُ منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية بوقف القتال. ولم يعد، في كل القطاع، مكان يستحق أن يوصف بـ«ملجأ آمن».
تتفق التكهنات على أن الحرب ستطول. وأن نتائجها الأخيرة ستؤدي إلى تغييرات في المنطقة. والسؤال حول مَن سيملأ الفراغ السياسي في القطاع بعد رحيل «حماس» النهائي، وجد مؤخراً جواباً، في مؤتمر صحافي، حين أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن «إسرائيل ستتولى مهمة المسؤولية الأمنية في القطاع إلى ما لا نهاية!».
شهرٌ مضى، تقلصت خلاله، في وسائل الإعلام الغربية، المساحاتُ المخصصةُ لنقل أحداث وتطورات الحرب في أوكرانيا. واختفت كلياً تقريباً أخبار الحرب الأهلية الدائرة في السودان. واتسعت الهوّة في الموقف من الحرب بين الحكومات الغربية وشعوبها. المتظاهرون المعادون للحرب في مختلف عواصم الغرب، تغصُّ بهم الشوارع والميادين في نهاية كل أسبوع. تلك التظاهرات الاحتجاجية أدت إلى استياء رئيس الدولة في إسرائيل إسحاق هيرتزوغ، وقام مؤخراً بنشر مقالة في صحيفة أميركية، انتقد فيها بشدة المتظاهرين، وموضحاً أن إسرائيل مضطرة إلى الدفاع عن نفسها. وأنها كانت قد انسحبت من القطاع كلية في عام 2005، وأتاحت لسكانه فرصة العيش بحرّية!
تداعياتُ الحرب السياسية لم تقتصر على الحكومة الإسرائيلية، بل أيضاً انعكست سلباً على واشنطن ولندن. التقارير الإعلامية الأميركية خصوصاً، تتحدث عن حدوث انقسام في الحزب الديمقراطي الحاكم، حول الموقف من الحرب. واستقراءات الرأي العام تشير إلى انخفاض شعبية الرئيس جو بايدن بين أنصار حزبه، من 85 في المائة، إلى 76 في المائة. وأن عديداً من أنصار الحزب في جناحه اليساري، خصوصاً من الشباب، يتداولون إمكانية الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة إلى مرشح رئاسي مستقل.
وفي لندن، يواجه زعيم «حزب العمال» السير كيم ستارمر، موجة تذمر شديدة، خصوصاً من كوادر الحزب المسلمة. وقدم عدد منهم استقالاتهم من الحزب، الأمر الذي يهدد وحدة الحزب، وربما هدر فرصته في الفوز بالانتخابات النيابية المقبلة. والسبب رفض السير ستارمر المطالبة بوقف إطلاق النار، وإصراره على موقفه القائم على مطالبة إسرائيل بـ«السماح بهدنة إنسانية، تسمح بمرور المواد الغذائية والطبية».
في الأيام القليلة الماضية، بدأت الإدارة الأميركية محاولة جديدة، تمثلت في تقديم مقترح لملء الفراغ السياسي في القطاع، في مرحلة «ما بعد خروج حماس من غزة». وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، زار مؤخراً مدينة رام الله في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. الاجتماع لم يسفر عن صدور بيان مشترك، مما ينبئ بعدم اتفاق الطرفين على ما طُرح من أفكار وموضوعات في اللقاء. الناطق باسم الوفد الأميركي المرافق لوزير الخارجية قال إن السيد بلينكن أبلغ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن: «الولايات المتحدة ترى أن تقوم السلطة الفلسطينية بلعب دور مركزي في أي حكومة في غزة، في مرحلة ما بعد (حماس)». السيناريو الأميركي الجديد لـ«مرحلة ما بعد حماس»، يقوم على تشكيل إدارة مدنية مؤقتة، مكونة من دول عربية والأمم المتحدة، تقوم بعد فترة زمنية بتسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية لتتولى رعاية شؤونه. وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية قالت إن الرئيس محمود عباس اشترط لقبول السلطة الفلسطينية المشارَكة في السيناريو المقترَح أن يكون المقترَح جزءاً من حل سياسي شامل. إلا أن تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية في مؤتمره الصحافي مؤخراً، «بتولي إسرائيل المسؤولية الأمنية في القطاع إلى ما لا نهاية»، يشير إلى تباين واضح في وجهات النظر بين تل أبيب وواشنطن في وضعية القطاع، في «مرحلة ما بعد (حماس)».
اللافت للانتباه، أن رئيس الدبلوماسية الأميركية بلينكن رفض في زيارة سابقة زيارة مدينة رام الله، والالتقاء بالرئيس محمود عباس؛ احتجاجاً على رفض السلطة الفلسطينية إدانة الاعتداء على الكيبوتزات الإسرائيلية، من قبل مقاتلي حركة «حماس».
وتتحدث الأخبار عن مفاوضات، تجري وراء أبواب مغلقة، بين مسؤولين أميركيين وقطريين من جهة، وقياديين من حركة «حماس» من جهة أخرى، تتعلق بإمكانية إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. لكن سرّية مطبقة تحيط بالمفاوضات، وتجعل أمر التكهن بالنتائج ضرباً من التنجيم.
وزير التراث في الحكومة الائتلافية الإسرائيلية، في محاولة منه لتقديم حل للازمة، اقترح مؤخراً، في مقابلة إذاعية مع إحدى المحطات في إسرائيل، استخدام قنبلة نووية لوضع نهاية للمقاومة الفلسطينية في غزة!!